[الدرّاسون 6]: حجّي علي العوى.. أصعب البدايات مع “هِجّاْ واعْراب” قضى في التعليم 38 سنة.. وعاد إلى النخيل بعد التقاعد

القطيف: ليلى العوامي

في البحاري بلدة القراء، حيث ولد عام 1374هـ، ونشأ وترعرع، لم يكن علي بن جواد بن حسين العوى، سوى واحد من أبناء البلدة التي اشتهرت بأنها مليئة بدارسي القرآن الكريم بسبب صغرها وقوة معلميها وكثرتهم على مستوى المنطقة، هذا عدا أن والده هو الحاج جواد حسين العوى، معلمه الأول، والملا علي بن جواد آل بلال معلمه الثاني، فجمع بين شخصية الوالد، وميزة البلدة المتفردة، لذا لم يكن غريباً أن يكون منزل والده نقطة الإنطلاق نحو قراءة القرآن وتدارسه حتى  انتقل لمنطقة المزيرع ـ القريبة من مقبرة الخباقة ـ التي عاش فيها قرابة 30 عاما، قبل أن يسكن مع أسرته منطقة التركيا.

حياة متواضعة

بدأ ضيف “صُبرة” لهذا اليوم، مسيرته التعليمية ـ شأن أقران ذلك الزمان ـ في الكتاتيب حيث تعلم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وتزوج بداية العشرينات من عمره.. يصف فترة صباه بتوضيح أن والده كان فلاحاً وبحاراً، وأن المواسم هي ما كانت تحكم على الوالد ما يفعله.. أيدخل البحر ويترزق منه؟ أم يعمل في النخل كي يعتاشوا؟ يقولها باختصار: “هكذا كانت حياته يكدُّ من أجل أسرته”.

يضيف: كان لدى والدنا ـ رحمه الله ـ “نخل”  في منطقة البحاري يسمى بـ”شرب الصفار” مكث فيه  فترة طويلة وأيضاً عدة  قطع زراعية يستأجرها، لكن نخل “شُرب الصفار” كان أكثر مكان مكث فيه .

وعن تخطيط  القطع الزراعية “النخل” في تلك الأيام، يقول العوى، إنه كان يقسم إلى بابين، أحدهما غربي والآخر شرقي، والباب يقسم إلى عدة شروب وهي الأماكن المنخفضة ، والمرتفعة عن الشروب تسمى جوابير، أما عن سبب تسميته بـ”شرب الصفار” فيؤكد إن ذلك يحتاج لمتخصصين.

دور الوالدين

يلتقط العوى أنفاسه قليلاً، وهو يعود بذاكرته للوراء متحدثاً عن فضل والدته ووالده عليه ودورهما في تعليمه وتربيته مع أخوته.. يقول: ” أمي حفظها الله، وأبقاها لنا هي السيدة نجيبة بنت السيد علي الشريف كان لها الدور الأكبر في مساعدة والدنا على تربيتنا وخاصة في  أمور المنزل، أمّا والدنا فرغم ضيق الوقت وكده من أجل توفير أفضل حياة معيشية لنا، فقد كان دائما يحثُنا على العلم والتعلم، وكان شغوفاً للغاية بقراءة القرآن الكريم، وتميز بصبره الهائل ورغبته في تعلمه وتعليمه لنا. ومن شدة حرصه أرسلنا لدراسة القرآن عند المرحوم الملا علي بن جواد آل بلال وهو من معلمي البحاري المشهورين، وبقيت عنده أكثر من سنتين, علمني القرآن بما هو متعارف في ذلك الوقت ، وهو أن المعلم في ذلك الوقت كان عنده نمطان من التعليم نمط هجاء وإعراب ونمط السريد” ويستذكر أنه اختار الطريقة الأسرع، والأكثر بساطة ـ على حد قوله ـ ولكن والده لم يعجبه ذلك، فطلب منه مراجعة معلمه، ويطلب منه أن يعلمه بطريقة الهجاء، والإعراب فبدأ معه حتى تخرج ولمدة ثلاث سنوات تقريباً.

طرق التعليم

وعن طريقة تعليم القرآن قديماً، يسهب العوى في استذكار التفاصيل، لذا يقول: “كان للمعلم غريزة فطرية في التعلم بقواعد اللغة العربية، فلم يكن لدينا أصول في مبادئِها ولكن ما جعل معلمي القرآن ينطلقون في قراءته بلا أخطاء هو طبيعة اللسان العربي الفصيح الذي لا يخطىء”.  ويكشف تسلسل الدرس عند المعلم بالقول: “درسنا لديه الإعراب بدأت بالبسملة نطقاً بالحروف أولاً ثم تشكيلهم، وتعلمنا القرآن من الفاتحة وحتى الزلزلة بطريقة الهجاء والأعراب ، وبعدها ختمنا باقي القرآن بطريقة السريد بدءأ بسورة البينة وحتى نهاية القرآن الكريم، ولكن لو تورط شخص في قراءة كلمة يعود لطريقة الهجاء والإعراب، وهذه هي طريقة تعلمنا للقرآن الكريم.. والدي بهذه الصورة علمنا قراءة السور ومع المعلم البلال  تدربنا عليها أكثر”.

وصف وتذكر

يتوقف علي بن جواد العوى قليلاً، وكأنى به يحاول العودة للوراء ومرحلة الطفولة والدرس، ثم يصف يومه بعد الإنتهاء من الكتاتيب، فيشير إلى أنه إذا انتهى من الدرس عند المعلم يعود للعمل مع والده، حيث الحياة ممزوجة بين البحر والمزرعة. فعند الاستيقاظ من النوم صباحاً وبعد الفطور والدراسة، يخرج لـ”الحش” عند ساحل البحر القريب ويأتي بالأعشاب  للحيوانات التي يملكونها، إذ لوالده “مربط” به أبقار وأغنام يقومون بسقياهم مساعدة للوالد.

وعن زملائه وأقرانه، يذكر العوى منهم حسن بن الملا أحمد محيسن رحمه الله ، وأيضاً جاسم بن حبيب عفيريت، إضافة لبعض الأقارب من آل الحلال وآل العوى.  وكذلك من معلمي البحاري المعروفين قديماً ” الملا علي آل بلال هو احد معلمي البحاري ، ومنهم ملا علي بن ربيع ، ملا السيد علوي الزيداني،  وحبيب آل بلال الذي مكث لديه فترة في غياب أخيه معلمه الأول،  واستفادُ منه كثيراً.

فروض الأب

ويكشف العوى لـ”صُبرة” البرنامج اليومي الذي وضعه والده في شهر رمضان ويقول بابتسامة عريضة: “لقد فرض في كل يوم بعد صلاة الصبح  أن نجلس معه أنا وأخوتي ـ ونلتف حول الفانوس ـ أنا وأخوتي ـ وهو يوجهنا ويطلب من الكبير  أن يعلم الصغير،  والصغير يعلم الأصغر  منه وهكذا، وكنا نقرأ نصف جزء وهو فرض واجب، وبعدها  نقرأ العتيقة وهي الصفحة التي للتو انتهينا منها وانتقلنا لصفحة آخرى، وأيضاً الصفحة التي نحن بها في نفس الوقت، إضافة إلى فروض أخرى فرضها علينا بعد قراءة القرآن، وهي تعلم فروض الدين أصولها ، وفروعها،  فأصبح منزلنا المدرسة الأولى، والمعلم هو الثانية.

غنيمة وثقة

ويعتبر العوى شهر رمضان “غنيمة” يجب أن يتم انتهازها، ويسهب بالشرح أكثر: “كنا نتدارس القرآن خارج المنزل، حيث نذهب للمنازل التي تتدارس القرآن لنساعدهم، فإذا كان الموكل بالدرس معلمنا كان يكلفنا بالقراءة ومنهم معلمي البلال الذي كنت قد لازمته كثيراً، ومنهم السيد عباس الزيداني، وفي القديح ملا مهدي آل درويش رحمه الله والفترة التي جلست فيها معهم كانت أقل من الفترة التي جلست فيها مع ملا علي آل بلال.

ويضيف: “كنا نقصد البيوت في شهر رمضان لنتدرب على قراءة القرآن ونتدارسه، إلى أن اكتسبنا الثقة في النفس، لدرجة أن كثيرا من المؤمنين يطلبون منا أن نقرأ عندهم؛  لكن والدي كان متحفظاً، مبرراً ذلك بعدم جواز الذهاب للقراءة في بيوت الناس دون إذن المعلم، ولما سمع معلمي ذلك قال له: لا.. لقد درَّست ابنك وأعرفه جيداً، دعه يذهب  لتدارس القرآن في منازل المؤمنين فهو قادر على ذلك”.. وبالطبع كانت فرصة هائلة لأن يلتحق بالدراسة الليلية  في عدة منازل، منها منزل الحاج يعقوب سويف، وكان مجلسا مُعَدا لأختهِ رحمها الله، ومنزل الحاج أحمد أبو تاكي لمدة سنتين،  ثم انطلق من البحاري إلى أماكن أخرى، حتى أصبح بعد فترة  وجيزة معلماً للقرآن الكريم وبدأ التعليم في منزله في البحاري فبل انتقال أسرته للمزيرع. ويستذكر: “حينها كنت أتعلم في المدرسة الإبتدائية صباحاً وفي العصر أُعلم الأولاد القرآن، وبقيتُ على هذا النهج مدة طويلة، وعلمت الكثير من أخواني منهم أخي الشيخ سلمان العوى والمرحوم أخي محمد العوى  وبعض الأقارب”.

مع القرآن

وعن تدارس القرآن في رمضان، يوضح العوى أنه يبدأ بعد الفطور  مباشرة، لذا يسهب بالتوضيح: “ما أن ننتهي من الإفطار نخرج حاملين مصاحفنا نحو البيوت التي ندرس فيها لكني لم أستمر طويلاً بسبب ظروف دراستي في مركز العلوم والتي جعلتني أدرس القرآن في بيت الوالد بـ”المزيرع” ومنذ ذلك الوقت لليوم، وطيلة 40 عاماً لم نترك  ـ أنا وأخوتي ـ تدارس القرآن في منزل الوالد، وهي عادة بدأت في حياته واستمرت بعد وفاته”.

يضيف: “كان نظامنا تدارس القرآن بالتناوب، ثم يأتي ملا أحمد محيسن  ـ رحمه الله ـ وهو قارىء السيرة ليقرأ، وواصلنا المسيرة بعد وفاته.. ومازلنا لليوم نتدارسه أنا وإبني ملا جواد بن علي العوى،  وأبناء إخواني ملا مصطفى بن شيخ سلمان العوى، وملا أحمد بن حسين جواد العوى، إلى أن تأتي نهاية الشهر الفضيل نكون قد ختمنا ختمة واحدة جماعية نهبها للمؤسسين في المأتم”.. وهي عادة ورثوها عن والدهم الذي كان يهبها للآباء والأجداد، مشيراً إلى أنه وإخوته باتوا يشركون والدهم معهم في الختمة ويهبونها لأولادهم وأحبتهم الذين رحلوا.

ويرى العوى أن لدراسة القرآن في شهر رمضان روحانية خاصة، بسبب أجواء التعبد المميزة في هذا الشهر الفضيل، ويقول: “نحن نستعد لها من قبل شهر رمضان ونهيء نفوسنا ومنازلنا بإعداد المكان، ونكيس القرآن ونحافظ عليه ونضعه في الروزنة يومياً.. أي  هناك اهتمام مسبق بالقرآن، واللي خبأ القرآن في الروزنه يخرجه ويختار القرآن الخط الكبير، ويوضح أن هذه التهيئة تظل بشكل دائم ومبكر، لدرجة أنه حتى عملية الحجز للدراسة تتم قبل حلول شهر رمضان. ويلخص حياته بالقول: ” ما زلت محافظاً على قراءة نصف جزء.. ولا وقت محدداً لتدارس القرآن من نصف جزء إلى صفحة واحدة.. باختصار.. لم أتركه منذ أن رباني والدي وعلمنا أنا وأخوتي”.

تفرغ وإتقان

لم يجد العوى بأساً في الاعتراف بأنه كان في السابق يتقاضى 30 ريالاً ـ وربما أقل ـ للختمة الواحدة، ولكنه الآن توقف بسبب انشغاله بأمور الحياة وتفرغ لتدريس أولاده.. وشدد على ضرورة أن يتقن قارىء القران الكريم القراءة واللغة العربية ولا يلحن وعلى سليقته يتقنها حتى وإن لم يتعلم.

العوي في سطور:

ـ من مواليد بلدة البحاري عام 1374هـ .

ـ  دخل المدرسة الإبتدائية وهو في سن الـ 12، وبعد تخرجه من المتوسطة التحق بمعهد المعلمين، ثم التحق بمركز العلوم والرياضيات لمدة 4 سنوات، وتخصص في مادة الأحياء، وحصل على شهادة أكاديمية عليا (قريبة من البكالوريوس).

ـ توظف بمدرسة الخالدية في الثقبة (عام  1396هـ) لمدة عامين ، وكان عمره 22 سنة.

ـ  تنقل بين عدة مدارس منها مدرسة الخويلدية الإبتدائية (6 أشهر)، ثم الجش (عامان)، فالبحاري (6 أشهر).

ـ انتقل للتدريس في المرحلة المتوسطة (عام 1400 هـ) بمدرسة العوامية المتوسطة، لمدة 3 سنوات، ثم انتقل إلى بلدة القديح  بالتبادل مع أحد الزملاء ، ودرس  في مدرسة محمد بن مسلمة لمدة 10 سنوات.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×