في مثل هذا الشهر.. أذان “أبو عزيز” يواجه إرهاب “داعش” رحيلٌ مؤثر لصاحب الـ 60 عاماً من نداء "الله أكبر"
في مثل هذا الشهر من عام 1437؛ فشل الإرهاب في الاعتداء على المصلّين في مسجد الشيخ فرج العمران، وسط القطيف. كان الوقت بعد المغرب، حين فجّر إرهابيان من “داعش” نفسيهما فهلكا وحدهما، ونجا المصلّون. ليلتها كان الحاج عبدالله صالح أبو عزيز في المسجد، وقد تفجّر الإرهابيان بعد أدائه الأذان مباشرة.
ومع ذلك؛ أكمل إمام المسجد الشيخ حسين العمران الصلاة، واستأنف الصلاة في المسجد في الفرض التالي، صلاة الصبح، وما بعده. واستأنف الحاج أداءه الأذان في المسجد. وهكذا كان “أبو عزيز”، مؤذن المسجد منذ حياة الشيخ فرج، واستمرّ إلى أن منعه المرض قبل عامين.
آثار الإرهاب.. وعودة الصلاة إلى المسجد في الفرض التالي (المصدر: صحيفة “جهينة”)
القطيف: ليلى العوامي
وعندما يصدر نداء الله من قلب مطمئن، فإن صداه يتجاوز الفضاء الرحب ليسكن في الوجدان المؤمن فتعم السكينة كل الأرجاء.
هكذا بالضبط كان الحاج عبدالله صالح أبو عزيز، الذي انتقل لرحمة الله قبيل أيام قليلة من مطلع شهر رمضان الجاري ـ وبالتحديد صباح الأربعاء 27 شعبان الماضي.
صوته الرخيم ـ ولطيلة قرابة 60 عاماً ـ كان يتردد في مدينة القطيف، منذ بدأ على سطح منزلهم في “باب الشمال”، وهو يردد “الله أكبر.. الله أكبر”، ثم استمرّ في مسجد الشيخ فرج العمران، في حي “المدارس”.
97 عاماً مجمل حياة “أبو صالح أبو عزيز” قضاها بين المسجد وبين حياته الاجتماعية والناس من حوله، وعائلته، على لسان والدته تلقّن الأذان طفلاً ناعماً، ليصبح ـ بعد ذلك ـ أكبر وأقدم مؤذني القطيف.
البداية من “الكتاب”
بدأ “أبو صالح” ـ كأقران ذلك الزمان ـ تعليمه في الكتاتيب، حيث درس القرآن الكريم والكتابة والقراءة على يد المرحوم السيد محمد المويلغي، وفي العام 1363هـ (1942م) التحق وهو في عمر الـ17 كعامل عادي بشركة “أرامكو”، ثم ألحق بمهنة النجارة، ولحسن أدائه تم الحاقه بمدرسة أرامكو للغة الانجليزية وأيضاً بمدرسة تعليم القيادة للسيارات، لتتم ترقيته بعدها من عامل إلى مشرف ثم إلى رئيس مجموعات بإدارة الصيانة بالظهران، كما تم الحاقه بدورات لإدارة الأفراد والقيادة، واستمر في الشرقة إلى أن تقاعد قبل بلوغه الستين بعامين.. ويتفرغ تماماً لواجبه الديني المشهود له.
أسباب التعلق والارتباط
“صُبرة” التقت أبناء الفقيد، الذي أسهبوا كثيراً في الكشف عن أسباب ارتباطه ـ رحمه الله ـ بالجانب الديني، فأرجعوا ذلك إلى الدور الكبير أولاً لوالدته رضية بنت الملا محمد العصفور، حيث أنها كانت قارئة حسينية، فحفظ عنها الكثير من القصائد النبطية والفصحى وأخذ يقرأ “مقدّم” في الحسينيات، كما أن والدته كانت تؤم النساء في صلوات الكسوف والخسوف والنوافل، فسلك سلوكها في الجانب الرجالي وزاد على ذلك في صلاة الأعياد.. وأيضاً كونها من عائلة العصفور ـ حيث يرجع نسبها للشيخ حسين العصفور العالم الديني بالبحرين ـ فهي بذلك تلتقي مع زوجة الشيخ فرج العمران (بنات عمومة) ولعل رابطة النسب مع الشيخ العمران جعلته ملازمًا له فنشأ نشأة دينية.
وأضافوا أن والدهم ـ رحمه الله ـ كان مولعًا بالأذان منذ شبابه حيث كان يؤذن بداية على سطح بيته في حي المدني مستخدمًا مكبر صوت يدوي قبل فترة طويلة من بدئه الفعلي بالأذان في المسجد، وكشفوا عن ارتباطه الوثيق بآل البيت، وأنه كان ينتهز فرصة أي أجازة ليتوجه للمدينة المنورة لزيارة النبي محمد صلى الله عليه وآله وأئمة البقيع، وفي الإجازة التالية يتوجه للعراق وإيران وسوريا لزيارة الأئمة الأطهار والعقيلة زينب، فكان ينفق جُل ماله على زيارة الأئمة.
حصيلة شعر وتبجيل
وأوضحوا أيضاً، أنه بحكم تعلقه الديني كانت له حصيلة شعرية كبيرة في أهل البيت في المدح وفي الرثاء كما أن له قصائد نبطية في أهل البيت حيث كان يصدح بها في المناسبات، إضافة إلى أنه كان داعمًا مستمرًا للمآتم الحسينية، حيث كان يخصص مبالغ لمختلف المآتم ويقوم بتوزيعها بنفسه وخصوصا قبل المناسبات الدينية ويحثهم على هذا العمل حتى يستمر ذكر أهل البيت وتستمر مجالسهم.. وأيضاً كان يكن الكثير من التبجيل والتوقير لطلبة العلوم الدينية ، وأنه بمجرد لقاء أحدهم، يبدي له الاحترام والتبجيل ويحادثه ويسأل عن أحواله، وهذا ما كان يتبعه خلال زيارته المراقد المقدسة بالعراق ويقوم بدعمهم ماديًا وكان يقول لنا هؤلاء هم حفظة الدين فجالسوهم.
من الرعيل الأول
من جهة أخرى، التقت “صُبرة” باسم مهدي القطري أحد القائمين على مسجد الشيخ فرج العمران، فتحدث بأسى عن الحاج أبو صالح كما عرفه، فذكر أنه عرف الفقيد في الأجواء الإيمانية لمسجد الشيخ العمران بالمدارس، حيث يعتبر “أبو صالح” من الرعيل الأول الذين التفوا حول سماحة الحجة الشيخ حسين العمران ـ حفظه الله ـ وأضاف “كنا في المسجد قد عاصرنا منذ طفولتنا تلك الأجواء الإيمانية التي اضفاها الحجة الشيخ العمران حفظه الله، وكان للرعيل الأول دوره في ترسيخ تلك الأجواء ومنهم المرحوم الحاج أبو صالح الذي كان يتمتع في المسجد بشخصية متفردة، حيث جمع بين الشخصية الإيمانية والهيبة والمعرفة الدينية، إضافة إلى دماثة الاخلاق وحسن العلاقات الاجتماعية الواسعة، وهذا مالمسته منذ طفولتي الى انقطاعه عن المسجد بسبب تراكم الأمراض عليه”، ويصف الفقيد لحظة دخوله للمسجد، بـ”صاحب الطلة الإيمانية” إذ كان يبادر الجميع بالسلام والابتسامة، مما يكسبه وقاراً غير عادي، ويضيف: “كنا نقابله بالمصافحة وتقبيل يده أو رأسه” توقيراً وتبجيلاً.
ويتحدث القطري أكثر عن “أبو صالح أبو عزيز” كما عرفه، فيشير إلى أنه ـ رحمه الله ـ كان داعما للمناسبات الدينية والمجالس الحسينية التي تقام في المسجد، وعرفه “موجها ومعلما” حيث كان قبل دخول الحجة الشيخ للمسجد يلفت انتباه المصلين الى شئ ما رآه من أحد المصلين إما مكروه فيحث على تركه أو مستحب فيشجع عليه.
ويذكر أنه ـ رحمه الله ـ ، كان مؤذنا ذي صوت شجي ونفس ايماني يضبط مواقيت الصلاة، ولن ينسى أهل القطيف أنه كان قبل شروعه في الأذان يتحف المصلين بأبيات في فضائل أهل البيت مما جادت به قريحته.
ويعترف بأنه كانت لتوجيهاته الأبوية أثرها في تهذيب بعض السلوكيات، وعرفته من خلال أبناءه وبعض أحفاده وأسباطه، ففضلا عن مداومتهم على المسجد فقد كانت لهم ـ ولاتزال ـ أيد كريمة ومعطاءة، وأيضاً مواقف إيمانية تلفت الانتباه وتستحوذ الإعجاب، وهذا يعود لأثر التربية الصالحة التي غرسها الحاج فيهم.
“أبو صالح” في سطور:
ـ من مواليد 1346هـ بحي باب الشمال بالقطيف.
ـ تعلم الأذان على يد والدته الحاجة رضية بنت الملا محمد العصفور، التي كانت قارئة حسينية.
ـ كان مولعًا بالأذان منذ شبابه حيث كان يؤذن بداية على سطح بيته.
ـ التحق وهو في عمر الـ17 كعامل عادي بشركة “أرامكو” وتدرج بها، وتقاعد قبل بلوغه الستين بعامين
ـ كان مؤذناً بمسجد الشيخ فرج العمران.. ليصبح طيلة 60 عاماً أكبر وأقدم مؤذني القطيف.