[6] نظرة علمية للهراء: تبينوا

محمد حسين آل هويدي

بسم الله الرحمن الرحيم: … «5» …  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ «6» … صدق الله العلي العظيم – الحجرات.

الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالتبين من خلال السؤال والتساؤل والتحقق. القضية ليست فوضى. ولستَ ملزما أيها المؤمن أن تصدّق كل ما تسمع. وإلا خالفت القرآن وأصبت قوما بجهالة. باختصار، إن لم تطرح الأسئلة الصحيحة، فأنت متواطئ في قبول الهراء. وإن لم تستطع، فكن كابن اللبون. إياك أن ترتكب ذنوبا أنت في غنى عنها. تصديق الهراء لن ينفعك. وتطبيقه قد يضرك ويؤثر على سمعتك في الدنيا ويأكل من حسناتك يوم القيامة.

ينسب لإبراهيم لينكولن المقولة: يمكنك أن تخدع كل الناس في بعض الأحيان وبعضهم في كل وقت، لكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس في كل وقت. قالت العرب: المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. فعليك أيها المؤمن أن تبقى وتثبت أنك مؤمن من خلال التحقق. واعلم أنك مسؤول: “وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ”. وتيقن أن الشخص الهراء لن ينفعك ولن يتدخل يومئذ ليمنع عنك الحساب.

يبدو أن إبراهيم لينكولن ذكي وحصيف، ويظن أن كل الناس مثله. ولكن واقع الأمر، أكثر الناس مخدوعون؛ ليس فقط ذلك، بل يحبون من يخدعهم. ولكن من الصعب خداع المثقفين والواعين. لذلك، تجد الهراء يحذر منهم ويشوّه سمعتهم. ومن خلال هذا التصرف، يُعْرَفُ الهراء وأهله.

معظمنا بحاجة إلى سيارات. عندما نذهب إلى بائع سيارات (خصوصا عندما يكون شريطيا) فإن الهراء أفضل سبيل له ليقنعك بما عنده. اعلم أن البائع قد لا يخدعك بما يقول، إذ يبين لك الحسنات ويخفي العيوب. ولكنه يغشك بما لا يقول وبما يخفيه عنك من أمور. ولذلك، عليك أن تقوم بواجبك قبل أن تشتري؛ لأن اللوم، أولاً وأخيراً، سيقع عليك، وليس على من غشك. البائع يعلم أنك حين الشراء ستكون عاطفيا ومندفعاً، وهو يستغل هذه الصفة لصالحه. ونفس هذا البائع، سيتراجع عندما يكون المشتري عالما ببعض الخبايا، وسيحاول حينها أن يقنعه بتخفيض السعر، أو القيام ببعض التنازلات. اعلم، أن قرارتك تكون أفضل حينما تكون لديك معلومات أكثر. فَشَلُكَ في اكتشاف الهراء متعلق عادة بما لا تفعله ولا تطلبه أنت. لذلك، تَحَرَّ.

من عاش حقبة السبعينيات، يتذكر المسلسلة التلفزيونية الأمريكية القائمة على التحقيق والتي كان بطلها فرانك كولومبو (قصير وإحدى عينيه لا تتحرك). كان كولومبو يطرح أسئلة كثيرة إلى أن يقع الجاني في الفخ. كن فضوليا. اسأل. تعلّم. اطّلع. وعندما يعارضك أحد في شيء أو قرار، خذ اعتراضه على محمل الجد، لأنه ربما يرى أشياء، أنت لا تراها، خصوصا عندما تبني استنتاجاتك على قناعاتك المسبقة أو انحيازاتك الخاصة.

لدينا جميعا مسؤولية؛ فردية وجماعية، للتخلص من الهراء من خلال اكتشافه. هل تخيلت أن تعيش في طوبى (مدينة أفلاطون الفاضلة) بحيث ينعدم الهراء ولا تضطر للاستماع إلى أشخاص يهرفون بما لا يعرفون ولا تستخدم فيه العواطف للاستدلال واتخاذ القرارات؟ ربما هذا عالم خيالي، ولكن واجبك أن تسعى لهذا العالم. وهي مسؤولية تقع على عاتقك وعلى عاتق غيرك. رجاء، لا ترمِ الكرة في ملعب غيرك. وإليك بعض التوجيهات:

  1. اقبل أن الهراء ليس سُبَّة، ولكنه مصطلح يعكس جزء كبير من الواقع.
  2. لا تسمح للهراء أن يخدعك بأدلة إنشائية غير مقنعة. اطلب منه الدليل، كما طلب إبراهيم الخليل (ع) الدليل على قدرة الله لإحياء الموتى. الله لم يستنكف. وبرهن لإبراهيم (ع). لا يوجد أحد أكبر من الله ليترفع أن يأتي بالدليل القطعي؛ خصوصا، لطالبيه.
  3. حارب الهراء بالقراءة والاطلاع والمعرفة وباستخدام المنطق الذي يقوم على أدلة قوية.
  4. عزز التفكير النقدي تجاه كل ما تسمع؛ سواء هراء، أو غير ذلك.
  5. تذكر بأن الهراء الذي قام به البعض في قضية كورونا تسبب في انتقال المرض وموت الكثيرين بعد رحلة عذاب.
  6. تواضع فكريا واعلم أن إدراكك محدود وأن معرفتك ناقصة وأن قناعاتك قد تكون خاطئة.
  7. أنت مسؤول عن بناء عالم بلا هراء. رجاء، لا تكن من المروجين له، على الأقل. لا تنشر كل ما يأتي لك على وسائل التواصل لأن أكثره مجرد هراء.

اعلم أن الهراء منتشر في كل مكان وزمان؛ أكثر مما تتوقع، حتى في الوسائل الإعلامية، بل حتى المحترمة منها. لكل قناة أجندات قد لا تكون معلنة؛ وأنها تعمل لمصلحتها، وليس لمصلحة الحقيقة. علينا تتبع الحقائق واكتشاف الهراء وفضحه. استخدم مواقع التحقق من الحقائق المتاحة عبر فضاء الإنترنت. تأكد من جودة الأدلة. انظر للإحصاءات. وإن كنت بحاجة للتحقق من ادعاء علمي، فعليك الرجوع للمصدر الأول للموضوع. وإن لم تستطع أنت، اسأل أكثر الناس موضوعية حواليك، ولا تكتفِ بإجابة شخص واحد.

لم يعد لدينا أكثر مما قلنا عن الهراء، وسيكون هذا آخر مقال في هذه السلسلة. والآن، المسؤولية انتقلت إليك، أيها المؤمن الرشيد. وتذكر أن المؤمن كيِّسٌ فطن. ونضيف عليها دارجا بأنه ليس كيسَ قطن. وأنه ليس كرة يضربها من يشاء كما يشاء. لا تجعل الهراء يستخفون بك ويستنقصون عقلك.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com