إسدال ستارة “صالحية” الهفوف على آخر مشهد في مسرح علي الغوينم ودّع الخشبة قبل 6 أشهر.. ونعاه الوسط الفني بعد صدمة أمس
القطيف: شذى المرزوق
عصر اليوم، في مقابر الصالحية بمدينة الهفوف؛ تمّ إسدال الستارة على آخر مشهد من حياة المسرحي علي الغوينم الذي فقده الوسط الثقافي السعودي، صباح أمس، في أزمة قلبية أنهت حياته عن عمر 64 عاماً.
رحل علي الغوينم أمس روحاً، واليوم رحل جسداً، وبقي أثره في المشهد الثقافي والمسرح السعودي طويلاً..
تصوير: جعفر السلطان
6 أشهر منذ استبقت خشبات المسرح مدير جمعية الثقافة والفنون في الأحساء علي الغوينم المخرج والفنان الذي اعتلى منصتها لأكثر من 50 عاماً، مودعةً إياه بعد تألق لافت في إخراجه لآخر مسرحياته “مراح العبث” في مهرجان الإبل بحفر الباطن الذي أقيم أكتوبر الماضي.
ودعه المسرح قبل أن يودعه محبوه ومجتمعه وزملاؤه ظهر اليوم، بعد أن فجع الوسط الفني والثقافي بخبر وفاته – رحمه الله – إثر أزمة قلبية، مخلفاً إرثاً فنياً ضخماً نتج عنه 41 عملاً مسرحياً بدأها بمسرحية “قاس ماغاص” عام 1397 لمؤلفها عبدالله المجحم على مسرح نادي هجر.
بوفاة “أبو عبد الرحمن” خسر الوسط الثقافي والفني السعودي خاصة، والخليجي والعربي بشكل عام، واحدا من رواده الذين لا يعوضون، إذ تتلمذ على يديه العديد من الفنانين السعوديين العاشقين للمسرح مثل الفنان إبراهيم الحساوي وغيره، ورحيله ليس سهلا على أحبائه خصوصا على زملائه ومحبيه، أو على قائمة طويلة من الفنانين الشباب الذين رأوا فيها الرجل المحب للجميع والقامة النبيلة وصاحب المواقف المشهود لها في الشأن المسرحي السعودي.
ومع أن التأثر كان واضحاً على جميع من عاصروه أو اقتربوا منه، إلا أنه كان لـ”صبرة” هذه اللقاءات مع بعض أصدقائه ومحبيه
فاجعة شخصية
في البداية وبنبرة حزينة قال صديق عمره ورفيق دربه رئيس جمعية الثقافة والفنون عبد العزيز السماعيل، إن “بو عبد الرحمن” صديق حياة تشاركنا الكثير من الأوقات معاً منذ كنا طلبة في صف أول متوسط حتى بلغ بنا العمر ما بلغ، سافرنا معاً، وعملنا معاً، جمعنا ذات الحب للفن وللمسرح، وللثقافة، بيننا عشرة امتدت لعقود من الزمن، عرفته صغيراً وعاشرته شاباً طموحاً متحمساً جمعتنا صداقة خاصة مميزة”.
واستدرك بغصة: صعب، صعب جداً أن اتحدث عنه الآن، مع صدمة فقده، فطوال حياتي وعلى مستوى شخصي وحتى على مستوى جميع المراحل التي عشتها سوآء في الفن، العمل، والجمعية، كان علي الغوينم قريباً مني، وأنا بذات القرب منه، نتحدث بشكل شبه دائم عن كل شيء، بتفاصيل كثيرة، واختتم بالقول: إن فقدانه فاجعة شخصية.. لا أستطيع استيعاب الأمر حتى اللحظة، كل ما يسعني هو الإيمان بقضاء الله وقدره.. لا أقول إلا جزاه الله كل خير عن كل ماقدمه، وعلى قدر طيبته التي عرفها عنه الجميع”.
رقم صعب
من جانبه أعرب الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون والرئيس السابق للجمعية السعودية للثقافة والفنون، سلطان البازعي، عن حزنه لفقدان “أبو عبد الرحمن” وقال إن معرفته به بدأت خلال الفترة التي عملا فيها سويا في جمعية الثقافة والفنون، وتوثقت من علاقة عمل إلى صداقة.
ووصف فقيد المسرح السعودي بـ”الفنان الملتزم والشامل الحريض على متابعة وتطوير ودعم مختلف الفنون” واعتبره “حقاً رائد من رواد العمل في المسرح السعودي، ومن الفاعلين بشكل جاد ومسؤول، فمن موقعه في جميع الثقافة والفنون أثبت مدى حرصه لرعاية الابداع، والتنوع الفني، والفنانين بشكل عام، وفي مقدمتهم الناشئة والموهوبين، مقدماً جل دعمه واهتمامه لهم، يشجعهم، ويمنحهم الفرص لاثبات امكاناتهم، وتطويرأدواتهم للارتقاء بالفن والموهبة”. وأردف: لا أذكر أني رأيت شخصاً حريص على الفن والابداع بمستوى حرص علي الغوينم رحمه الله.
وعلى المستوى الانساني ذكر البازعي، أن الغوينم إنسان نبيل جداً، علاقاته طيبة مع الجميع بلا خصومات، متواضع وراقٍ لا يذكر أحداً بسوء.. اتفق معه أم اختلف.. لذا كان الرقم الصعب في جميع الأنشطة والفعاليات السعودية في مختلف المناطق، مشاركاً، ناقداً، داعمًا، وحتى مؤيداً ومشجعاً، معتبراً أن فقده سيترك فراغاً كبيراً في الأوساط المسرحية والفنية، ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى العربي والخليجي أيضاً.
واختتم البازعي حديثه باسترجاع ذكرى وضع استراتيجية هيئة المسرح، التي رجع فيها للغوينم لاستشارته والأخذ برأيه نظراً لخبرته ومعرفته العميقة بالوسط المسرحي السعودي، مشيرا إلى أنه قام بدور متميز في طرح العديد من الآراء القيمة.
شعلة نشاط
أما المسرحي عباس الحايك، فقال إنه عرفه منذ بدايته متواضعا وخدوما وخلوقاً، استطاع أن يفرض نفسه كـ”رائد العمل المسرحي” الذي أخذ بيد جميع من عرفه في مسيرته المسرحية، ودعمهم بتوجيهاته وملاحظاته.
وعن أهم ما يميز الغوينم، استطرد الحايك، هو تفاعله مع الكثير من الأنشطة الفنية، وضرب مثالا: “أثناء حضوري ومشاركاتي في جمعية الثقافة والفنون بالدمام أجده من أوائل الحضور برغم المسافة بين الأحساء والدمام إلا أنه يتجشم عناء الرحلة للحضور والدعم والتفاعل، هذا عدا حضوره في جمعية الثقافة والفنون بالرياض، وأيضاً كان شعلة نشاط متقدة ليس بالنسبة لجمعية الثقافة والفنون بالأحساء، لكن على مستوى أنشطة الجمعيات الأخرى، وأيضاً في تخصصه المسرحي بما فيه توجهه لاخراج الاوبريت في الفعاليات الوطنية أو المشاركات مع المؤسسات الحكومية.
صدمة ورثاء
من جهته، لم يخفِ الموسيقار محمد السنان صدمته من خبر وفاة الغوينم، وكشف أنه كان يتبادل الرسائل مع الفقيد الكبير باستمرار ودون انقطاع، وأوضح بحزن: “آخر رسالة وصلتني منه كانت مقطع من اغنية أم كلثوم ( هذه ليلتي) الساعة العاشرة من مساء يوم أمس الأثنين”.
بذات السياق، تواصلت كلمات رثاء للفقيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فغرد المصور والمخرج سعيد الرمضان: “ألف رحمة على أستاذي القدير علي الغوينم الذي تعلمتُ على يديه مرتين :ـ العلم: في مدرسة حراء الثانوية، حيث كان معلماً ومربياً فاضلاً. ـ الفن: حيث حضرت عنده عشرات اللقاءات والمناسبات والاجتماعات والتي تعلمتُ منه أساليب الإدارة الناجحة، ودعمه غير المحدود للإبداع والمبدعين”.
رحيل مُر
ومن الخليج غرد الاعلامي القطري صالح غريب بأن رحيل الغوينم “رحيل مر علينا وعلى من عرفه عن قرب منذ بداية الثمانينات وعند تاسيس مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وانطلاق مهرجان المسرح الشبابي ومهرجان الفرق الاهليه كان الغوينم حاضرا ومتواجدا وبقيت علاقتنا قائمة”.
وأيضاً كتب الفنان عبد الاله السناني: “ترجل فارس المسرح السعودي علي الغوينم تاركا خلفه محبة جارفة وبسمة مستدامة ،اللهم تغمده بواسع رحمتك و مغفرتك واسكنه فسيح جناتك وخالص العزاء لأسرته ومحبيه انا لله وانا اليه راجعون.
أما أستاذ جغرافية النقل بجامعة الملك سعود د. سعد الحسين فرثاه بقوله: “رحم الله الاخ وزميل الدراسة الأستاذ علي الغوينم رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان.. تزاملت معه في جامعة الملك سعود، كان رجلا لا تفارق الابتسامة محياه، ناصع كالثلج، روحه طاهرة لا تعرف الحقد. خالص العزاء والمواساة لأسرته ومحبيه”.
في أكثر من سطر
ـ عرف المسرح وعشقه صغيراً مذ كان طالباً حتى بلغ ال 13 عاماً ليكون أحد أبرز الأسماء التي اكتشفها أستاذه عمر بن سالم العبيدي في جمعية الفنون الشعبية (جمعية الثقافة والفنون حالياً) عام 1392.
ـ شهد عمل كبار الفنانين والمسرحيين أمثال عبد الرحمن الحمد وحسن العبدي، وعبدالله المجحم، وأحمد النوه، وخالد الحميدي والمرحومان عبدالله العثيمين، وعبدالله المرزوق، والعديد غيرهم.
ـ شارك في عدة أعمال مثل مسرحيتي (ماطور النور، الزوج الثاني)، ومنها انطلق لمسرح نادي هجر حيث مثل مسرحيات (حلم الليالي، من قاس ما غاص، بيت العزوبية، دكان بو سلطان) حيث إخراج أول مسرحية له في حياته عام 1403هـ وهي مسرحية من (قاس ما غاص).
ـ مع دراسته في جامعة الملك سعود بالرياض شارك أيضاً في المسرح الجامعي بجانب العديد من نجوم الفن والتمثيل ( راشد الشمراني – مشعل الرشيد – ناصر القصبي، د. صالح الزاير – د. بكر الشدي (رحمه الله) – عبد العزيز الغامدي) .
ـ بعد تخرجه عاد لمدينته الأم الأحساء مرشحاً من قبل العبيدي مقرراً لقسم المسرح بجانب عبد الرحمن المريخي رئيس القسم وقتها، ليعزز خبرته ومهاراته في الإدارة والثقافة المسرحية، ممثلاً لمسرحيتين في ذلك الوقت ( أبو تمام، وعنترة بن شداد).
أبرز أعماله وانجازاته
– تأسيس مسرح الشباب بالمملكة (1986م) مع يوسف الخميس بمناسبة الإحتفال بيوم الشباب العالمي وبدعم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب وتم تكريمه في مهرجان الشباب المسرحي الأول بهذه المناسبة (2013م).
– تأسيس ملتقى مسرح الطفل الأول بالمملكة، وأداره في الأعوام من 2003 ـ 2005 والذي نظمته جمعية الثقافة والفنون بالأحساء.
– تأسيس ملتقى مسرح الشباب الأول بالأحساء (1994م).
– تأسيس مهرجان الفرق الأهلية المسرحية الأول مع وضع اللائحة التنظيمية للمهرجان الخاص بجمعية المسرحيين السعوديين (2011م).
– تأسيس الملتقى الأول للأفلام القصيرة للهواة (2008 م) بقسم المسرح بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء.
– كما قام بدور تحكيمي في عدة لجان مسرحية منها: مهرجان مسرح الشباب لدول مجلس التعاون الخليجي (قطر 2007م)، مهرجان أبها المسرحي (2003م)، مهرجان الجنادرية المسرحي (2006م)، مهرجان الفرق الأهلية لدول مجلس التعاون الخليجي (الكويت 2009م)، رئيس لجنة التحكيم بمهرجان الشمال المسرحي الأول (حائل 2012م)، عضو لجنة تحكيم النصوص في مهرجان الدمام.
من انجازاته
– انتخابه نائباً لرئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين السعوديين 2008 م
– تمثيل المملكة في اجتماع اللجنة الأهلية الدائمة للمسرح الخليجي بالشارقة عام 2004م.
– شارك في العديد من المهرجانات المسرحية المحلية في المملكة العربية السعودية والدولية ومنها مهرجان القاهرة التجريبي في ثلاث دورات ومهرجان المسرح الدولي بمراكش 2006م ومهرجانات المسرح بدول مجلس التعاون الخليجي في مسقط والمنامة والكويت والدوحة كذلك شاركت في الأسابيع الثقافية السعودية في مصر ومملكة البحرين وفي أسبوع الإخاء السعودي المصري 2008م.
قدم العديد من أوراق العمل الخاصة بالمسرح في العديد من المناسبات المحلية والخليجية – الرياض – حائل – الدمام – الكويت – القاهرة –– الأحساء – مكة المكرمة.
– قدم العديد من الدورات المسرحية للعديد من الجهات الحكومية كالتربية والتعليم والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني بالرياض وجمعية الثقافة والفنون بجازان.
– قدم العديد من المحاضرات للتعريف بجمعية المسرحيين السعوديين في كل من مكة المكرمة وجدة والجوف ومنطقة الحدود الشمالية عام2008.
– محاضر في دورة التصعيد المسرحي بالأحساء للمبتدئين للهيئة العامة للرياضة بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالأحساء للعام 1438 هـ.
– شارك ممثلا بأوبريت (فارس التوحيد) وهو من تأليف: صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن، الذي قدم بمهرجان الجنادرية بمناسبة مرور 100 عام على توحيد المملكة مع نخبة كبيرة من الفنانين والمسرحيين في عام 1419هـ.
– كما شارك بعمليين دراميين، أولهما سهرة (وحشي) بترشيح سعد خضر سعدون مع الفنانين راشد الشمراني وناصر القصبي.. وثانيهما مسلسل (خذ وهات) مع د. راشد الشمراني وإخراج عامر الحمود بجانب نخبة من الفنانين السعوديين.
– كتب بعض النصوص الدرامية منها: يوميات متقاعد، سواق التاكسي، التعيين، والعودة إلى الوطن، وكتب أيضاً لبعض البرامج التليفزيونية منها: إضاءات تراثية، هذه هوايتي، أماكن في الذاكرة، أوبريت وثائق النور، أوبريت طموح الموحد، وأوبريت الحزم والعزم.
اللهم أرحمه واغفرله واكرم نزله واسكنه الفردوس الاعلى من الجنة . وأجبر كسر اهله والهمهم الصبر والسلوان. في جنة الخلد . الحبيب علي الغوينم . بمشيئة الله.
تقرير اكثر من ممتاز من قبل الإعلامية المتميزة شذى المرزوق عن حياة رائد العمل المسرحي المرحوم الأستاذ علي الغوينم الذي نذر نفسه لخدمة الفن المسرحي رحمك الله وغفر لك واسكنك الفسيح من جناته .