[تعقيب] عدنان العوامي: “الدرعية” الأولى من القطيف التاريخية.. لا قربها
القطيف – مهد التأسيس
عدنان السيد محمد العوامي
شاركت (صحيفة صُبرة الإلكترونية) أفراح الوطن بيوم تأسيس مملكته، فعبرت عن احتفائها بالمناسبة السعيدة بتقرير ضاف تحت عنوان: (ليلى العوامي: درعية القطيف – من هنا انطلق آل سعود قبل 592 عاما ليؤسسوا 3 دول)، وقد استوقفتني في التقرير العبارة المعنونة: (الدرعية الأولى كانت بلدة عامرة قرب القطيف قبل 592 عامًا)، فمفردة (قرب) الرديف للجوار، توحي بأن المراد منها أن الدرعية مجاورة للقطيف وليست منها، هذا عند المتصيد المتربص في أقل الاحتمالات، وهذا وهم مجاف للحقيقة، تعذر الأستاذة ليلى عليه، لكنه يلزم المطلع بالتصحيح.
والأمر يعنيني بالذات لأنني كنت – في أولى حلقات سردي المعنون: (ميناء القطيف مسيرة شعر وتاريخ) التي تنشر حلقاته (صحيفة صبرة الإلكترونية) – قد أشرت إشارة عابرة إلى أنَّ (الدرعية) من بلدات القطيف، ونص تلك الإشارة: (لتكن البداية بتعريف المعروف، كما يقال في المثل، فالقطيفَ، أو الخطَّ، وهو الاسم المرادِف القديم؛ عَلَمٌ على المنطقة الساحلية المحدودة شمالاً بالبصرة، وجنوبًا بعُمانَ «عمان التاريخية تدخل فيها الإمارات العربية المتحدة»، وينتهي حدُّها الغربي بالدرعية، الواقعة إلى الجنوب من أبقيق وغرب الظهران بميل إلى الجنوب).
هذا التحديد مرتبط بالحِقْبة الزمنية والموضوع التاريخي المعنيين المخصوصين بالمقال، وإلا فالحد الغربي للقطيف – قبل تلك الحِقبة- تدخل فيه اليمامة، كما في عهد حكم الإمارة الأخيضرية للقطيف.
فعن حوادث سنة خمس وخمسين ومائتين قال المسعودي: (وقد قدَّمنا – فيما سلف من هذا الكتاب – وفاة إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب «رضي الله عنهم»”، وما نال أهلَ المدينة وغيرهم من أهل الحجاز في أيامه من الجهد والضيق، وما كان من أمر أخيه بعد وفاته، وهو محمد بن يوسف مع أبي الساج، وحربه إياه، ولما انكشف من بين أبي الساج سار إلى اليمامة والبحرين، فغلب عليها، خلفه بها عقبه المعروف ببني الأخيضر إلى اليوم. . .) ([1]). وغني عن الذكر أن المقصودة بالبحرين هي البحرين الكبرى أي إقليم البحرين، ويشتمل على أرخبيل جزر البحرين والقطيف والأحساء، وما يلحق بهما من الجزر، والمعروفة حدوده عند الجغرافيين العرب من عمان جنوبًا إلى البصرة شمالا، كما أسلفت([2]).
موقع الدرعية – في القطيف أم قربها؟
في سوابق سنة خمسين وثمانمائة قال الشيخ عثمان بن بشر: (وفيها قدم ربيعة بن مانع من بلدهم القديمة المسمَّاة بالدرعية عند القطيف، قدم منها على بن درع صاحب حجر والجزعة المعروفين عند الرياض)، وقد ذيَّل المحقق في الهامش الثاني من الصفحة ما يلي: (رأيت في الجزء الرابع من السنة الأولى من «مجلة العرب» تأريخ شوال، ص: 325 للأستاذ محمد العيسى النجدي بحثًا عنوانه: «التحقق من موضع يسمى الدرعية في القطيف»، وحيث أن هذا البحث له علاقة وتقوية لما أورده المؤلف هنا من ذكره «قدوم مانع من بلدهم القديمة المسماة بالدرعية» فإنَّا نورد هذا التحقيق المذكور، وهذا نصه: «الصلة بين سكان تلك الجهات وسكان وادي حنيفة، أما الأمر الأول فإنا نجِد اسم الدرعية في تلك الناحية من جهات القطيف، ولكنها ليست بلدة الآن، وإنما هي مكان فيه آثار النخل، وفيه ماء قديم، ثم حفر فيه حديثًا بئر بآلة الحفر الحديثة، وتقع الدرعية هذه جنوب بقيق وغرب الظهران بميل نحو الجنوب، وتبعد عن بقيق ما يقرب عشرين ميلاً، أي اثنان وثلاثون كيلاً إلى آخر ما ذكره الأستاذ المذكور)([3]).
وفي حوادث السنة ذاتها قال ابن عيسى في تاريخه ما هو قريب منه مع إضافات واختلافات طفيفة، لكنها قد تهم الباحث، ونص ما قال: (وفيها قدم ربيعة بن مانع من المريدي من بلد الدروع المعروفة بالدرعية من نواحي القطيف، ومعه ولده ربيعة على ابن درع رئيس الدروع أهل وادي حنيفة، وكان بينهم مواصلة؛ لأن كل منهم ينتسب إلى حنيفة، فأعطاه ابن درع المليبيد وغصيبة، فعمر ذلك هو وذريته..)([4]).
وفي دارسة لوثيقة عثمانية عن قوافل الحج المارة بالعارض أعدها الأستاذ راشد بن محمد بن عساكر استعرض فيها القوافل الرئيسة والأميرية، والقوافل المتجهة للأماكن المقدسة عبر نجد، ومن اليمامة إلى مكة، وأسماء البلدان والشخصيات المذكورة في الوثيقة منتهيًا إلى نسب الأسرة السعودية، فنقرأ هذا النص: (وكل من ذكر في ربيعة من نزار ومنازلهم البحرين وهجر والقطيف وحجر اليمامة وما والاها، وقد تشرَّفت هذه القبيلة الذين منهم إمام الوقت عبد العزيز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن محمد بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي الوايلي الربيعي، وبه تشرفت قبيلته على الإطلاق، كما قال الشاعر:
وأما أمور الملك أضحى مدارها
عليك كما دارت على تغلب الرحى([5])
ونذكر ما بلغنا من أخبار أجداده على سبيل الاختصار. كان جده الأعلى مانع المريدي مسكنه بلدة الدروع من نواحي القطيف، ثم تراسل هو ورئيس دروع حاجر اليمامة بني عم دروع القطيف لما بينه وبينهم من المراحمة الوايلية)([6])، ويوالي سرد سيرة الأسرة بتفاصيل مسهبة يختمها بهذه العبارة: (والحاصل أن أصلهم من القطيف من موضع منه يقال له الدرعية، وهو اسم الموضع الذي نزلوا من هذا الوادي، وهو سُمِّي بالأصل بالضيِّق، وغبيرا. هذا آخر ما وجدنا. . . )([7]).
الدرعية اليوم
في الموسوعة الجغرافية يقول الأستاذ عبد الرحمن عبد الكريم العبيِّد (رحمه الله):
(الدرعية- النسبة على الدروع: موضع بين الظهران وبقيق. يقول اني عيسى في تاريخه – وهو يشير إلى حوادث عام 850 هـ: « وفيها قدم ربيعة بن مانع من المريدي من بلد الدروع المعروفة بالدرعية من نواحي القطيف، ومعه ولده ربيعة على ابن درع رئيس الدروع أهل وادي حنيفة، وكان بينهم مواصلة؛ لأن كل منهم ينتسب إلى حنيفة، فأعطاه ابن درع المليبيد وغصيبة، فعمر ذلك هو وذريته ». إلخ. وأقول: الدرعية اليوم تقع في أرض صحراوية مهجورة، وحسب موقعها من المصور الجغرافي فإنها تبعد عن الدمام مسافة 5، 43 كيل، وهي شمال بقيق وآبارها محفورة باليد، ولا تزال معروفة)([8]).
ثمة كثير لا يتسع المجال للتفصيل فيه.
———————————–
[1]() مروج الذهب، ومعادن الجوهر، علي بن الحسن المسعودي، اعتنى به وراجعه كمال حسن مرعي، المكتبة العصرية، صيداء – بيروت، الطبعة الأولى، 1425هـ، 2005م. جـ4/145.
[2]()معجم البلدان، ، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، ، د. ت. جـ1/346 – 347.
[3]()عنوان المجد في تاريخ نجد، عثمان بن بشر، حققه وعلق عليه عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، مطبوعات دارة الملك عبد العزيز، الرياض، الطبعة الرابعة، 1402هـ، 1982م، جـ2/296.
[4]() خزانة التواريخ النجدية، ويشتمل على تاريخ ابن عيسى، جمع وترتيب سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1419هـ، جـ2/27 – 28.
[5]() في الأصل: عليكما، مكان عليك كما، وتهلب، مكان تغلب ولعله خطأ طباعي، والمثبت بتصرف.
[6]()في الأصل: الويلية، أظنه خطأ طباعيًّا، ولعل الصواب ما أثبتناه.
[7]()قوافل الحج المارة بالعارض من خلال وثيقة عثمانية أشارت إلى جد الأسرة السعودية، وشيخ الدرعية سنة 981، تأليف راشد بن محمد بن عساكر، دار درة التاج للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1436هـ 2005م، ص: 70 – 72.
[8]() الموسوعة الجغرافية لشرق البلاد العربية السعودية، عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيِّد، إصدار نادي المنطقة الشرقية الأدبي، مطابع الوفاء، الدمام، الطبعة الأولى، 1413هـ، 1993م، جـ1/351.