الحبّاك.. “دون جوان” لا يملّ من اصطياد الإناث يواصل بناء أعشاش قد لا يحتاجها.. وفي شهرين بجمع 4 عصفورات

شاهد الفيديو

القطيف: صُبرة

كأنه اكتسب سلوكه من الرجل الشرقيّ متعدد الزيجات، أو الشبّان الذين “يرقّمون” الفتيات في الأماكن العامة. وفي سلوكه ما يُشير إلى أن شغله الشاغل هو بناء الأعشاش المتواصل، لاستدراج إثاثٍ يقبلن بما يبنيه، ودون كلل أو ملل؛ يحوّل الأعشاش إلى محاولات لا تتوقف في استمالة جميلات بنات نوعه. وحين ينجح مع واحدة؛ يبدأ محاولة أخرى، وفي غضون شهرين قد يكون جمع 4 إناث.

ليس هذا فحسب؛ بل قد تأتي قصص أخرى لذكور آخرين يحاولون سرقة عشه، وربما إناثه. هذا هو نمط سلوك طائر “الحبّاك” الذي يمكن وصفه بأنه “دون جوان” ذوات الريش.

بناء الأعشاش

تعرف مملكة الطيور بقدرة الطائر على اتقان نسج أعشاشه بشكل يستحوذ على الإعجاب، ويرينا قدرة الخالق في مخلوقاته، وطائر “الحباك” أو “الحباق”؛ واحدٌ من أشهر مهندسي الأعشاش، ويُعرف بالإنجليزية Weaver ‏وله عدة أنواع مثل: Speke’s-weaver أو Ploceus cucullatus أو Ploceidae.

هذا الطائر يُعرف فى مملكة الطيور، بمهندس بناء الأعشاش، وهو ينتمي إلى عائلة العصفوريات المغردة، ويضم جنسه مجموعة من الأنواع المتشابهة في الحجم واللون، إلا أن النساج الذهبي، وهو أحد أشهرها، ينتشر في جنوب غرب المملكة التي وفد إليها من أفريقيا، حيث يعيش أصلاً، بالإضافة إلى الهند ومناطق من آسيا الاستوائية وجزر المحيط الهندي.

ورغم ما يُقال إن 13 نوعاً منه انقرضت منذ 1600 عام (حسب موسوعة ويكيبيديا)، إلا أنه بدأ يتكاثر مؤخراً في المنطقة بعد أن جلبه الباعة إلى الأسواق، حيث نجح في التأقلم والتكيف في بيئتنا، لوحظ وجوده في القطيف وانتشاره منذ عام 2011 من قبل مجموعة رصد وحماية الطيور، اليوم نحن في 2022 أي أكثر من 10 سنوات على بداية مجيئه، والفارق شاسع بين الأمس واليوم من حيث انتشار هذا “الوافد” في المناطق الزراعية الجنوبية للقطيف، حيث باتت فرصة مشاهدته متاحة لمن يريد، وربما من لا يريد.

اكتسب هذا الطائر اسمه بسبب حياكته المتقنة لأعشاشه التي ينسجها من ألياف النبات، مبتدئًا بحلقة من القش المنسوج، يعلقُها على أحدد أغصان الشجرة. ثم يبني الجزء الخارجي من العش؛ ليشكل غرفةَ المأوى في اتجاه، وفي الاتجاه الآخر يمتد المدخل، ما بين الرواق والنفق الطويل، ليتشكل عش معلق يمكن من خلاله تمييز الطائر منه، حيث يستميل الذكر فيه الأنثى لعملية التزاوج بالتدلي رأساً على عقب من العش، ويبدأ بالتصفيق بجناحيه.

أنثى هذا الطائر تضع بيضتين الى 4 بيضات، تفقس بعد حوالي 15 يوماً، وسرعان ما تستطيع الطيران خلال 3 أسابيع.

 للذكر ألوانً منعشة ولافتة.. ريش أصفر لامع، يغطي غالب الجسم، مع وجه أسود أو بني، بينما الانثى تكون ذات لون أصفر باهت. وهناك بعض من أنواعه حمراء الجسم وأخرى سوداء.

فيلم على الهواء

وبعيداً عن قصة مجيئه وآثاره، إلا أنه وبكل ما تعنيه الكلمة “فيلم وثائقي” يطير حولنا وما عليك سوى أن تجلب كرسيك نهاراً، وتجلس قريباً من إحدى أشجاره، لتشاهد هذا الفيلم، لا أظن أن هناك حتى فواصل إعلانية ستقطع مشاهدتك، فهو مشغول جداً بالحبك وطلب رضا الإناث.. ببساطة.. لا يكل ولا يمل من مواصلة بناء البيوت بطريقته الهندسية المتقنة، إلى أن يصل لأفضل تصميم في نظر عين الأنثى، التي لن تقبل به إلا إذا رضيت بتصاميمه.. بناء الأعشاش هو أنجح طريقة لمغازلة الإناث وطلب رضاهن، لهذا فلا عجب إن رأيت اليوم في إحدى المزارع أعشاشاً غير مألوفة عن المعتاد؛ متدلية من سدرة “كعك” أو “كنار” هي ببساطة أعشاش للطائر المثير.

ليس اعتباطاً

ويعرض الناشط البيئي، فيصل هجول، عضو جماعة رصد الطيور في القطيف، بعض المشاهد التي رصدها مباشرة ـ من مراقبته لمدة قاربت 3 أشهر ـ لسلوك هذا الطائر، مشيراً إلى أنه بدءاً من اختيار الشجرة التي ستكون مملكته، لن تجد الاختيار اعتباطاً، بل على أسس اعتمدها بصرامة، منها اختياره الشجرة ذات الأغصان المرنة التي من شأنها التكيف مع شدة الرياح، كي تتحمل عشه، إضافة لأنه يختار شجرةً يستطيع “حلس” أوراقها كلما نمت، كما تتميز بالقرب من المواد التي يستخدمها في بناء عشه.

باختصار هناك تفاصيل كثيرة، سيعتني بها قبل أن يقرر أين يرسي مملكته؟

يضيف هجول، أنه عند بدء البناء، تكون ساعة العمل قد دقت دون معرفة وقت الانتهاء، الذي تحدده الأنثى وحدها، قد يستغرق بناء العش الواحد من يومين إلى أسبوع، وكلما انتهى من بناء أحد الأعشاش، يبدأ في المناداة كأنه عازف ناي حزين، يستعطف الإناث ويناديهم.

فيصل هجول

تأتي الأنثى لمعاينة العش، ثم تقرر ما إذا كان لائقاً بها أم لا.. بعض الإناث تدخل العش لثوانٍ معدودة، ثم تغادر مباشرة، وكأن جوابها واضح “لست المهندس المناسب لي”.. يفهم طائرنا الأصفر أن تصميمه لم يكن لائقاً، يعود مجدداً لنفس العش، يحاول تشطيبه وتعديله ببعض القشات علّ إحداهن يكون لها رأي آخر، إلا أن هذا غالباً لن يحدث في وقت قصير، وسيبقى على هذه الحال لمدة قد تصل إلى شهرين، بين ترميم أعشاشه المبنية أو بناء أعشاش جديدة، والمثير أنه قد يهدم بعض الأعشاش كاملة ويبني أخرى جديدة في المكان نفسه.

القشة الأخيرة

ما لا يلحظه كثيرون، هو تلك القشة التي يحملها عاشقنا الأصفر، ويضيفها داخل بطانة العش، فبعدها قد تجد إحدى الإناث قد قبلت به أخيراً زوجاً وبيتاً لها يحتضن بيضها.. قبل أن يضع هذه القشة، كانت الأنثى تطل للحظات داخل العش، ثم تقف على الغصن نفسه، وفي كل مرة كانت تفعل هذا، كان الذكر يجلب عوداً من القش لترميم بطانة العش، لنفهم من هذه المشاهد أن الأنثى كانت موافقة على اختيار العش مع بعض الملاحظات البسيطة التي يقوم بها الذكر لاحقاً.. وبعد هذه القشة الأخيرة مباشرة، تسكن الأنثى العش، ولا تخرج. ونفهم أيضاً أن الوقد قد حان لأن نبارك لعاشقنا المثابر حصوله أخيراً على زوجة..!

مهندس مغازلچي

ووفق الناشط هجول أيضاً، فإن الطريف أنه في هذه الأثناء، وقبيل أن تقبل الأنثى الجديدة بهذا العش، كان قد بدأ  مهندسنا في بناء عش جديد، إذ لا يبدو أن صاحبنا سيكتفي بأنثى واحدة، فعلمه بنقاط قوته ومعرفته بالبيت المفضل للأنثى عوامل تدعوه إلى مواصلة البحث عن فرصة قبول أنثى أخرى أكثر نجاحاً، بعد أن استزاد خبرة، وما إن نصل إلى الشهر الثالث، يكون صاحبنا قد تزوج على الأقل بأربع إناث، إلى أن تضع كل واحدة منهن بيضها، وترقد عليه داخل العش بسلام، ليتولى هو مسؤولية الحراسة على شجرة أخرى قريبة، مكتفياً بالمراقبة والتغريد المتلاحق، وأحياناً تهذيب ما قد يراه في شكل العش الخارجي من ملاحظات ليناسب “العروس” الجديدة!

معارك ذكورية

ومع كل هذا الجهد المتواصل في البناء والرغبة في الاستحواذ على أكبر عدد ممكن من الإناث، تأتي بين حين وآخر ذكور متطفلون، بعضهم يرغب في الاستيلاء على الشجرة والأعشاش والحصول على المطلب دون تعب، والآخر من باب الفضول والمشاكسة. لهذا حتماً ستشهد معارك ذكورية خالصة. ويبقى الحال على ما هي عليه، إلى أن يستجيب القدر، وتقبل أنثى بالمسكن، حينها سيكون صاحبنا المهندس كالمجنون الذي يصبح تغريده تهاليل و”زغاريد” جناحيه لن تتوقف عن الرف، نوعاً من الرقص فرحاً.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×