“سنابس”.. صديقة “الوحش” الأزرق منحها البحر اللؤلؤ والخير.. وسرق منها أرواحاً غالية

سنابس: شذى المرزوق

على شريط ساحليّ أزرق منحت “سنابس” للبحر. ومنح سكانها سُمرة وجوههم، وعرَق حياتهم، وأسرار مغامراتهم. منذ عصر اللؤلؤ وهيراته السخية في أعماق الخليج، وهي تتقبّل من “الوحش” الأزرق ما يمنحها، وتتألّم لما يأخذ منها..!

الخليج؛ مانح اللؤلؤ والخيرات.. وسارق الأرواح أحياناً. ويكاد لا يمرُّ عقد، إلا بمرور ألمٍ سببه هذا الوحش.

ألم أسرة آل يعقوب الأخير، ليس الأول من نوعه، فهناك صيّادن شابّان، فقدا ولم يُعرف لهما أثر حتى اليوم منذ 13 سنة.. إنهما حسن الحبيب وحسن جبران.. وقبلهما؛ عمران القلاف وابن أخته محمد مغيزل اللذان توفّيا غرقاً، في 2007م.

الذاكرة الحزينة في “سنابس”؛ مليئة بحكايات الموت والفقد.. والنجاة.

الوحش الأزرق

وجاءت حادثة الشاب علي حسين أل يعقوب (24 عاما) الذي لقي حتفه غرقاً في منطقة تناجيب بمياه الخليج العربي بعد أن ظل مصيره معلقاً لأكثر من 11 يوماً، لتلقي الأضواء ـ المأساوية ـ وتنثر القصص الإنسانية حول هذا الجانب الخفي الذي دائما ما يهدد حياة البحارة ومعهم كل من امتهن مهنتي الغوص أو الصيد.

ويُشير إحصاء رسمي لحرس الحدود السعودي قبل عام ونصف تقريباً؛ إلى أن 776 شخصاً تمّ إنقاذهم خلال عام 1441 وحده، ما يعني جانبا إيجابياً مهماً في عمليات بحث حرس الحدود، وجهودهم الكبيرة في عمليات الإنقاذ، إلا أنه في التوقيت ذاته يعكس وجهاً لتجاعيد التبعات الإنسانية لحالات الفقد والاختفاء في مياه الخليج، التي كانت نتائجها عكسية، بين غائبٍ مجهول المصير، وبين ضحايا لحوادث انتهى بعضها بسلام، وأخرى نهايتها مأساوية تتجدد ذكراها كلما وقعت حادثة مشابهة، لتطفو  على  السطح قصص منسية عن حوادث البحر، الذي بسببه فجعت عائلات كُثر في فلذات أكبادها وربما عوائلها أيضاً.

لقية وقراقير

سنابس العريقة، شأنها شأن كثير من مدن وقرى الخليج، التي عاش بحاروها القدامى على أنغام وأناشيد “الهولو” و”اليامال” في رحلات الصيد. في حديث لـ “صبرة” استرجع علي الداوود ـ أحد بحارة سنابس القدامى ـ وضع الصيد سابقاً، ومشقة عمل البحارة قائلا: في أيامنا كان البحر كله مفتوحاً لكل من ينزله ويشتغل “لقيه” أو “قراقير” (من طرق الصيد القديمة). ويضيف: كان الطعم يؤخذ من سنابس والزور، فإذا كان البحر هادئاً ينزل البحارة.

وأردف “زمن أول لا توجد مكيفات كان البحار يأتي من البحر متعباً فينام على “السيف”- ساحل البحر. وبلهجة البحارة القدامى حكى: سنة من السنين وفي فترة شتاء باردة صادنا غزل سمك “كنعد”، وعلقت الشباك في القعر، واستمرت عملية تفكيكه من العصر إلى الليل.. كنا على المركب 7 أشخاص مع النوخذة حجي حسن العبندي، رحمه الله. ومن أجل التفكيك كان كل صياد يغوص في جولتين تحت الماء حتى انتهينا من تقطيع الغزل الذي أحاط بالمركب.

إرادة الله

أما البحار علي الطوال، فقد روى ما حدث لآحد البحارة ـ واسمه خالد (21 عاما)  ـ كان ملازماً لوالده حسن بن سالم ـ رحمهما الله ـ حين جاءت عاصفة ورمت به في البحر، اذ كان نائماً فوق اللنج، انتبه له أحد البحارة وأخبر والده فأسرع الأخير لانقاذ ابنه.

يذكر قصة أخرى عن تسبب قطعة خشب بالية في سطح اللنج بتسرب الماء، وعلى حد تعبيره ” قرّب اللنج يطبع” – يغرق- ولكن البحارة استدركوا الأمر بسد الثغرة في السطح الخشبي بقطعة من ” الخيش”.

وفي نفس السياق استرجع الداوود ما حدث له شرق منطقة الجعيمة، عندما حاول تثبيت قطعة قماشية تقيهم الشمس بمساعدة العبندي، وقال باسماً: دست على اللوح الذي ارتفع لأسقط في البحر، ولانني أعرف السباحة والجو صيف فقد انتهى الأمر إلى خير، رغم أن عودة المركب استغرقت بعض الوقت وأضاف بإيمان: “هي إرادة الله.. إذا الله كاتب لك تعيش فستعيش”.

قصص وأحزان

من جانبه يستشهد سعيد التاروتي بما وقع له بمواجهة عاصفة غبار في وسط البحر قرب شواطىء الدمام عند مغرب أحد أيام رمضان، وقال: “ضربتني رياح شمالية، فما كان مني إلا أن الذهاب إلى مرفأ الدمام من أجل النجاة، وقد انقلبت بعض المراكب كانت نتيجتها فقدان أحد شباب سنابس، ويدعى جعفر السيد وآخر من عائلة القروص في طراد صغير، وبالصدفة وجدتهم عند العودة.

ويحكي مرارة فقد شابين من عائلته أحدهما ابن أخته حسن الجبران وابن خالته حسن الحبيب منذ أكثر من 13 سنة اختفوا في البحر بلا أثر لهم ولا للطراد الذي كانا عليه.

 وشدد على أهمية معرفة الشباب بقواعد وأساسيات الإبحار قبل الإقدام عليه، واستدرك: من الخطأ الاعتقاد بتمكن الشاب الذي يعمل في الشركات البحرية على مواجهة صعوبات البحر، إذ إن العادة هي فقط بإيصالهم من البر للبحر، وتعلم السباحة، في حين أن الأمر يحتاج لما هو أبعد من ذلك للمحافظة على سلامتهم، ولخص الأمر “ويش اللي أمر من المر يقول حنظل”.. والبحر هو الحنظل هنا، والعمل في البحر متعب ولازم تفهمه، لا يغرك  اذا كان هادىء.. وينك  أنت إذا دار الهوا والغبار والضباب وارتفع الموج؟”

القلاف

بذات السياق، يعود علي الطوال ليسترجع ملابسات وفاة البحارجاسم القلاف  “رايح القمبار مع أخيه حبيب، والقمبار طريقة صيد قديمة قلة من يستخدمها الآن، تعني اصطياد السمك في الليالي المقمرة، بواسطة قفص صيد يسمى “صاخوب”، ويُستخدم مشعل للإضاءة، وصفيح “تنك” لوضع الصيد فيه،

القلاف كان أخوه حبيب طفلاً صغيراً، وقد تعرض الاثنان لحادثة غرق قبل سنوات طويلة بعد أن ارتفعت الماية ـ الموج ـ وبقي يسبح بأخيه مسافة طويلة حتى وصل به إلى الساحل، وما إن اطمئن إلى سلامة الأخ حتى توقف قلبه وتوفى”.

تعطل

واستعاد الطوال أيضاً حادثة تعطل ماكينة المركب التي نجا منها بعد يومين من المكوث في البحر لينقذهم مركب قادم من الجعيمة، وسحبهم حتى أوصلهم لرأس تنورة، وعاد هو ومرافقه في سيارة أجرة. وحين وصلا وجدا أهلهما يبكون بعدما فقدوا أثرهما، لافتاً إلى أن الغياب في البحر يثير تكهنات ومشاعر سلبية لدى الأهل.

من جهته، يطالب علي الكواي المسؤولين بإيجاد حل لمشكلة الصيادين في البحر، خاصة وأنه منذ 6 سنوات لا تزال المطالب قيد البحث، وأضاف بو زينب أن كثيراً من العائلات تعيش على هذا الرزق، قائلا: “الصياد منا ينزل للبحر ويصطاد بطريقة القمبار متخذا كل وسائل السلامة والأمان، فلايوجد سبب يمنع الاصطياد بهذه الطريقة ونفس الكلام يقاس على بحارة “المرجل” وأهل الحزيز لاينزلون للـ” قرقور” كذلك، معتبراً أنه بهذه الصورة يصعب عليهم طلب الرزق.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×