لماذا لم تصل الأغنية العربية للعالمية
محمـــــد السـنان*
لقد كانت المحاولات لإيصال الأغنية العربية للعالمية مستمرة منذ ما ينوف على ستة عقود. فقد حاول الأخوان الرحباني الوصول للعالمية عبر حنجرة فيروز لكنهما أخفقا، برغم اقتباساتهما إن لم نقل سرقاتهما من الموسيقى العالمية، وها هي فيروز تحيي حفلات في مختلف بقاع العالم ولكن رواد تلك الحفلات هم من الجاليات العربية فقط.، وكذلك أم كلثوم عندما أحيت حفلا غنائياً في باريس في منتصف الستينات من القرن المنصرم حين شدت برائعتها “الأطلال”، فقد كان جمهورها من العرب.
كما أن الموسيقار اللبناني توفيق الباشا قام بمحاولة في أوائل الستينات عندما أقدم على تجربته الرائدة بإعادة توزيع بعض الأغاني العربية التراثية مثل “عمي يابياع الورد للمطرب العراقي حضيري أبو عزيز، وبعض أغاني المطربة السورية سهام رفقي، بإسلوب عصري وبطريقة “الإستيريو”، حيث أطلق على ذلك الإنتاج اسم “شهرزاد” إلا أن ذلك العمل الجميل والمتقن لم يستطع أن ينفذ إلى آذان الخواجات.
في نفس الفترة ذاتها، كانت هناك عدت محاولات ظهرت في شكل ما عرف آنذاك ب “الفرانكو أرب” والتي اعتقد الكثير من النقاد حينها بأنها ربما تكون النقلة الأولى الصائبة في طريق إيصال الأغنية العربية للعالمية، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. وأذكر أن الموسيقار محمد عبد الوهاب قد علق على تلك الظاهرة في حينها بالقول “إنها لا تختلف عن محاولة عباس بن فرناس في الطيران” وقد صدق في ذلك. ونعود لنتساءل لماذا؟ لماذا كل هذه الإخفاقات برغم المحاولات الحثيثة والجادة التي بذلها ولا يزال يبذلها أصحاب الطموحات الكبيرة… والإجابة على هذا التساؤل في منتهى البساطة، فهي مشكلة تقنية (Technical) يعرفها محترفي الموسيقى.
ولكي لا يعتقد القارئ العادي بأنني أتحدث هنا عن طلاسم، فأود أن أوضح الأمر ببساطة متناهية مبتدءاً بتعريف هوية الأغنية العربية ومقارنتها بالأغنية الغربية (وهي ما جرى الإصطلاح على تسميتها بالعالمية) لكي نعرف بعدها ماهي العوائق التي تحول دون وصول الأغنية العربية للعالمية.
لن أخوض في سرد تاريخ الأغنية العربية، لأنه في الأساس لم تكن هناك قبل نهاية القرن التاسع عشر شيئ اسمه أغنية عربية أو موسيقى عربية. وهذا الموضوع قد أتناوله في مقال آخر يوم ما. ولكني أود أن أوضح هنا بأن الأغنية العربية هي في الأساس أغنية شرقية ذات أصل فارسي وتركي مشترك.
والموسيقى الشرقية تعتمد على ما يعرف بالمقامات، وهي كثيرة ومعقدة، ويذهب كثير من النقاد الضالعين بأسس الموسيقى إلى إلصاق تهمة تخلف الأغنية الشرقية بشكل عام والعربية بشكل خاص عن مواكبة الأغنية العالمية إلى كثرة مقاماتها وتعقيداتها؛ وإنما مايهمنا أن نعرفه هنا هو أن أغلب هذه المقامات يدخل فيها “ثلاثة أرباع التون”.
وثلاثة أرباع التون ليس معروفاً وليس مسموعاً لدى الغرب، وليسـت له رموز أو قواعد تدرس لديهم، وأن الآلة الرئيسـة المعتمـدة عالميـاً لتدريس الموسيقى هي (البيانـو)، وهذه الآلة ليس بها ثلاثة أرباع التون. لذلك فهي نغمة “شاذة ” بالنسبة للأذن الغربية، ومن المؤكد بأن الذي سوف يستمع إلى موسيقى بها ثلاثة أرباع التون سوف يعتقد بأنها نشازاً موسيقياً، فلن يستسيغ الاستماع إلى تلك الموسيقى. ولكن هل هذا هو الداء الوحيد الذي يحول دون وصول الأغنية العربية لأذن المستمع الغربي؟ وإذا كان كذلك فما هو الحل إذاً؟ الإجابة على هذا التساؤل سوف يتطلب مني إعداد موضوعاً مستقلا. ولكن بإيجاز أستطيع القول بأن هناك عدة طرق لوصول الأغنية العربية للعالمية، وأهمها أن تكون موسيقى الأغنية خالية من الثلاثة أرباع التون، أي أن يتجنب الملحن استخدام المقامات (الراست – البياتي – الصبا والسيكاه) وأن يستخدم فقط المقامات (العجم – النهاوند – الكرد والحجاز) فهذه المقامات الأخيرة خالية من الثلاثة أرباع التون. وأن يتم توزيع موسيقى الأغاني توزيعاً أوركسترالياً بوليفونيا (متعدد الأصوات) بدلاً من المونوفوني (أحادي الصوت)، وهو التوزيع الذي تعتمد عليه الأغنية العربية حتى وقتنا الراهن.
ــــــــــــــــ
*كاتب وباحث ومؤلف موسيقي