أخطاء في سيرة الشيخ منصور البيات [2] الحاج حسين الزاير.. أديبٌ وشاعر علمني الحساب

عدنان السيد محمد العوامي

في الجزء الأول من الحلقة السابقة من هذه السلسلة: (بستان السيحة وسمر في الذاكرة) أوردت تعزية الشاعر خالد محمد الفرج للشيخ منصور البيات – خَتَنِ فارسنا الحاج حسين الزائر على ابنته فاطمة – في وفاة نجله الوحيد أحمد (رحمه الله) بقصيدته البائية ذات المطلع:

اقرؤوا، خاشِعين، أمَّ الكتاب

ثم ضُجُّوا بالنوح والانتحاب

وزعمت أنْ لو لا هذه القصيدة والتماس والده الشيخ البيات من الشيخ فرج العمران الإجابة عليها نيابة عنه لاندثر ذكره في من اندثر ذكرهم من أعلام هذا البلد([1])، فتعال – الآن – نستعرض الكتب التي صدرت لكُتِّاب السير ومؤرخي الأدب القطيفيين، القريبين، نسبًا، منه والبعيدين.

الشيخ منصور البيات

أول المؤرخين هو الأستاذ المؤرخ محمد سعيد المسلم، صدر له كتاب (ساحل الذهب الأسود)، وفيه أورد ذكر الشيخ منصور البيات في من أوردهم من علماء الدين الذين أسهموا في حركة العلوم الدينية([2]). ثم أعقبه بكتاب (واحة على ضفاف الخليج – القطيف) عام 1411هـ، فتوسع أكثر في الحديث عن الحركة العلمية والثقافية في القطيف([3])، لكنه لم يتعرض له بشيء، والمسلم يربطه بأحمد نسب خؤولة، من جهة أمه زهراء ابنة الحاج محمد علي الماحوزي([4])، وهي أخت أم الشيخ منصور البيات؛ فكلتاهما ابنة الحاج محمد علي بن محمد الماحوزي.

محمد سعيد المسلم

الثاني: الأستاذ الأديب سعيد أحمد الناجي، أصدر كتاب: (معجم أعلام القطيف). هذا الأديب أمُّه معصومة بنت عبد الله بن عبد العزيز البيات، أخت الشيخ منصور البيات، فالشيخ خاله، ومع توسعه في سيرته فإنه اكتفى بلمحة خاطفة عن ابنه أحمد لم تتعد وفاته، وبيتًا واحدًا من قصيدة الفرج في رثائه([5])، مع أنه أورد تراجم مطولة لأناس لا يحسبون في عداد الأعلام.

المؤلفون من غير الأقارب

الحاج المعلم ملا علي بن محمد الرمضان، في ديوانه الموسوم بوحي الشعور له منظومة عنوان، ماضي القطيف وحاضرها، ترجم للشيخ منصور نظمًا:

والشيخ منصور البيات الفاضل الـ

ـثقةُ التقيُّ الناسكُ المتورعُ

70 – هو الشيخ منصور المولود في شهر جمادى الأولى، عام 1325هـ، ابن الحاج عبد الله المتوفى ليلة الثلاثاء 16/6/عام 1340هـ، ابن الحاج عبد العزيز المتوفى ليلة الخميس 27/7/ عم 1309هـ).

الشيخ علي ابن الشيخ منصور المرهون، في كتابه (شعراء القطيف)، ولعله أوفاهم، في تنبيهه إلى دور أحمد (رحمه الله) في حياة والده، وأثر موته عليه، بل وعلى غيره. قال في ترجمة أبيه الشيخ منصور: (هو العلامة المفضال، الشيخ منصور بن المرحوم الحاج عبد الله البيات القطيفي، أشهر أفراد هذه الأسرة العريقة في الحسب والنسب، بما يمتاز به من مواهبَ شتى كما ستعرف. كان مولده في سنة 1325. الخامسة والعشرين بعد الثلاثمائة وألف. وبعد ثلاث سنوات ذهب بصرُه، وهذا الحادث أحدُ العراقيل الهامة التي تعرقل سير ذوي الهمم، فضلاً عن غيرهم.  قام أبوه البارُّ بتربيته أحسن قيام، فنشأ محبًّا للعلم وذويه طبق الأصل، وما بلغ سن المراهقة حتى تقشَّع عنه ذلك الظلُّ الوارف، وأصبح مسؤولا عن كل ما يتعلق بأبيه، إلا أشياء قام بها عمُّه الحاج سليمان، وغير خفيٍّ أن موت أبٍ كهذا لَعقبةٌ كؤود في مواصلة السير العلمي، لكن مترجمَنا لم يعقه كل عائق، فقد واصل السير المنقطع النظير مستعينًا بالله تعالى، ثم بابنه المرحوم أحمد المتوفى سنة 1369هـ، فكان لموته – في نفسه أبيه – أثرُه الفعال، بل في نفوس الآخرين، الأمر الذي أوجب عرقلةً أخرى، أوجبت عرقلةً في حركته العملية، غير أنَّا لم نجده إلا صامدًا أمام هذه الكوارث، يدرس تلامذته، ويكتب ما يخطر بباله من مواضيع هامة…)([6])

الشيخ علي المرهون

– الأستاذ عبد العلي يوسف آل سيف له كتاب: (القطيف وأضواء على شعرها المعاصر). هذا الكتاب موضوعه الشعر وتراجم الشعراء، لكن دعاني إلى إدراجه هنا اشتمالُه على لمحات وبيانات طويلة أدرج  فيها أسماء علماء كثر ليسو من فئة الشعراء، ومنهم معاصرون للشيخ البيات([7])، فغفل عن ذكره فيهم، فاستتبع ذلك إغفال الابن.

– أبو بكر عبد الله محمد البراهيم الشَّمَّري الصفواني، له كتاب (الفهرست المفيد في أعلام الخليج) ترجم لوالده الشيخ منصور، لكنه لم يتعرض له بذك([8])ر.

الشيخ عبد العظيم المُشَيخص، له كتاب (القطيف وملحقاتها – أبعاد وتطلعات)، ترجم لوالده الشيخ منصور في صفحة ونصف الصفحة لم يورد له فيها أي إشارة، أو ذكر([9]).

السيد سعيد الشريف، نشر مسردًا مطولا بمجلة الموسم([10])، والسيد سعيد من تلامذة الشيخ منصور، لكنه لم يورده، التزامًا بمنهج عدم إدراج الأحياء فيه.

وفي كتابه المتضمن سيرته الذاتية: (خيوط من الشمس) لم يتعرض الأستاذ الشاعر محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي، لسيرة والده الشيخ، بلْهَ التعرض له([11]).

الأديب المثقف المشهور المغمور

لنعد  – الآن – لما كنا فيه من شأن الشاب أحمد وتأثير فقده على عارفيه.

طبع خالد الفرج الجزء الأول من ديوانه في دمشق عام 1373هـ 1954م، ولم يضمنه شيئًا من القصائد التي رثى بها أعلام القطيف، ومنها القصيدة التي رثى بها أحمد، لكن السيد علي ابن السيد باقر العوامي نشرها في المجلة العربية مع قصائد أخرى تحت عنوان (قصائد لخالد الفرج لم تنشر) ([12])، وحين أعاد الأديب خالد سعود الزيد نشر الديوان عام 1989م ([13])، ضمَّنه تلك القصائد، دون إشارة للسيد علي. 

خالد الفرج

وحين عُرج بروح أبيه الشيخ فجر الثلاثاء 29/8/1420هـ، بعد زمن ناف على نصف قرن؛ أصدر أسباطه كتابًا لتوثيق ذكرى وفاته ([14])، فضُمِّن ما أثبته الشيخ فرج العمران في كتابه: (الأزهار الأرجية في الآثار الفرَجية) ([15]) من تراسل شعرًا ونثرًا، وحسنًا فعلوا بإعادة التذكير بعلمٍ من الأعلام نُسي – أو كاد أن ينسى – في مسيرة القطيف العلمية.

الباب مفتوح للاعتراض

لمعترضٍ أن يتشبَّث بما كتبه صهره الحاج حسين في ترجمته له في كتابه المعنون: (نجوم في سماء الذاكرة)([16])، لهذا المعترض أجيب: صحيح إنه ترجم له، ونعم الترجمة؛ الضافية الوافية، لكن؛ أوَّلاً: هو صهره وأستاذه، وهذا حقه عليه، وثانيًا: إن لحمة ترجمته وسداها هي قصيدة الفرج إياها، وتداعياتها، والتراسل الشعري والنثري بين الفرج والعمران، بشأنها، والنعوت التقليدية المألوفة، إلا ما لا أستطيع نكرانه؛ لأنني أعرفه وشاهد عليه، وهو قوله: (ألا وهو الشاب السعيد صاحب الأخلاق الجميلة، والوجه الصبوح، والمبتدئ بالسلام، بشوشٌ في وجه كل من يراه، وهو أحمد ابن العلامة العم الشيخ منصور… )، أضف إلى ذلك نعته له بالأديب المثقف، فهو موضوع استغرابي من جهل وسَطِنا الثقافي به، وإغفال هذا الأديب المثقف من مدوناتهم حتى من تربطهم به رابطة نسب، وقربى وقد ذكرتهم ومؤلفاتهم.

الصدى يدوِّي قادمًا من أوال

كان لفقد أحمد (رحمه الله) رنَّة أسى لم يقتصر دويُّها على محيطه في القطيف وحده، بل تعداه إلى خارجه، وهو ما عناه الشاعر خالد الفرج (رحمه الله) في بيتيه:

 حملوه كأنَّ للكلِّ منهم

ولدًا فوق هذه الأخشاب

ولعمري كأنْ تُوارى نفوسٌ

معه في أديم ذاك التراب

وهذا ما أكده الشيخ فرج بقوله: (وقد افتجع الوطن لفقد هذا الشاب الكريم، وتأثر الجمهور لموته)([17])

وكان الزعيم الوطني علي بن حسن أبو السعود (رحمه الله) غائبًا في البحرين (أوال) مستشفيًا في مشفى الإرسالية الأمريكية عن مرض التكلُّس الرؤي (حسب ما عرَفت من صهره الصديق الدكتور حسن البريكي)، فبلغه الخبر، فبعث إلى أبيه يعزيه، وقد تقدم أن أباه طلب من الشيخ فرج العمران الإنابة عنه في شكر الشاعر على مشاعره، ونقلنا في الحلقة الماضية قصيدة خالد الفرج وقصيدة الشيخ فرج العمران إجابة لها، ولم يبق إلا رسالة العزاء التي بعث بها أبو السعود من البحرين، فإليك ما كتبه الشيخ فرج عنها، قال (رحمه الله): (وأرغب جُدًّا أن أذكر هنا الكلمة العزائية المرسلة من البحرين، من جناب الماجد علي، المولود يوم الخميس 14/4/1324هـ نجل الحاج حسن أبي السعود، المولود سنة 1294هـ، المتوفَّى 29/2/1348هـ إلى والد الفقيد، بتاريخ 29/2/1367، فإليكها):

كلمة عزائية([18])

فلستم في القطيفَ أشدَّ حزنًا

عليه اليومَ منا في أوال

ابن العم الفاضل، الشيخ منصور ابن الحاج عبد الله البيات (حفظه الله تعالى)، تحية حزينة من قلب كئيب. يابن العم، لم يكن في مقدوري أن أكتب لك كلمة تصلح أن تكون لك تعزيةً، وكيف يستطيع المثكول أن يعزِّيَ المثكول؟ وليس من الغريب أن أعيانيَ المنطقُ، وعزَب عني الشعور، وهذه حالتي عندما تصدمني أيُّ مصيبة فجائية. ولست أدري؛ هل هذه نعمةٌ من الله أو نقصٌ في الطاقة الإنسانية، ومهما كانت فلا مفرّ من الاعتراف بنقص الطاقة البشرية عن تحمُّل مثلِ هذه الحوادث الجسام، فمن ثمّ وجدت نفسي متجمِّداً أسبوعاً كاملاً، منذ طرق سمعي الحادث حتى حين، لم أستطع، في خلاله، أن أكتُب لك حرفاً واحداً، حتى ندَّت هذه الكلمات من أعماقي، وكنت – طيلة الأيام السبعة المنصرمة – يتردَّد بين شفتيَّ البيت الأعلى الذي جعلته عنوان الكتاب([19]).

وكنت أعتقد – فيما سلف – أن الخطيَّ (رحمه الله) مبالغ حينما تفوَّه به لتعزية صديقه جعفرَ بنِ سنان في ابنه الفقيد، حتى وجدت نفسي مندفعاً في ترديده، ثُمَّ في تحريره إليك؛ لأنه، في الحقيقة، صادرٌ عن تأثُّرٍ صادقٍ، وشعورٍ مخلص، فمن ثَمَّ لم أعد أزعم أنَّ الخطيَّ مبالغ في تعبيره، وإن كان المخاطَب والداً مثكولاً في ابنه العزيز، ولكن مثل هذه الروح الملتهبة لم تندَّ إلا من قلب جريح.

أمّا أني كيف لم أتَّهِم نفسي، أيضاً، بالمبالغة حينما خاطبتك بالبيت الآنف الذكر، فهذا شيء حملني عليه ما وجدته في قلبي من اللوعة والأسى، وما أُحِسُّه في نفسي من الحزن والكآبة والشجا، حتى خشيت أن ينتهي بي ذلك إلى ما لا تحمد عقباه؛ إذ ربما ينتهي بي إلى اتِّهام الأقدار. على أني استرجعت مستسلماً لقضاء الله، معترفاً بنقص الإنسانية عن إدراك غايات الله وأحكامه جلّ شأنُه. وكيف لا يجهل ما وراء العقل مَنْ يجهل ما وراء الجدار؟!

ثم تطرَّق بيَ التفكير إلى فلسفة الحياة المحدودة، والحياة الخالدة، فوجدت الأُولى طريقاً إلى الثانية، والطريقُ يكون، أحياناً، طويلاً متعباً، وأحياناً قصيراً مريحاً محبَّباً، فمن ثَمَّ نجد كثيراً من أولياء الله يتعجَّلونه بالاستشهاد في سبيل الله؛ لينالوا الدرجة العليا، ويقطعوا الطريق بأسرع وقت ممكن، وهم باسمو الثغور، مستبشرون بالوصول إلى الحياة الأبديَّة الخالدة. فعلمت، حقًّا، أن هذه الحياة القصيرة المؤقتة إنما هي طريق إلى حياةٍ أسمى.

أمّا كيف أعزِّيك، وبأيِّ منطق أستطيع أن أعرب لك عمّا أجده في نفسي، فذاك شيء عزّ عليّ إدراكُه، وعزّ قاموس اللغة أن يُلهِمَني كلمةً تصلُح أن تعبِّر عمّا في نفسي، وربما عجز إدراكي عن استيحاء كلمة تصلُح أن تكونَ لك تعزيةً، وتكونَ لقلبي سُلوةً، ويا للآسف لم أوفق إليها! فلم يعد يسدّ فراغ نفسي إلا كلمة الله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﭸ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}  البقرة: 156-157

هذا، وأسأل الله أن يلهمَك الصبرَ والسلوان، ويجزيَك أجرَ الصابرين، وسلامي لقلبك الحزين، ولوالدة الفقيد الثكلى، ولعموم الُأسرة، تغمد الله الفقيد بالرحمة والرضوان. ومنّا العائلة يشاركونكم في مَصابكم الجلَل، ويقدِّمون لكم أحرّ تعازيْهِم، والله يضاعف لك الأجر والثواب (آمين).

البحرين، الأحد:

29/2/1367 هـ11/1/1948م

علي

علاقتي بالحاج حسين

وبصهره الشيخ منصور

بدأ ترجمته للسيد محفوظ بن هاشم العوامي بذكر صلته النسبية به، فأملى ما يلي: (تجمعني بالعلامة السيد محفوظ صلة نسبية من طرف عمتي السيد الجليلة زكية، حرم الشيخ منصور البيات الذي أعقب منها كريمته فاطمة، ومن حسن التوفيق زواجي منها سنة 1371هـ…) ([20]).

صهره الجديد، إذن، هو الشيخ منصور بن عبد الله بن عبد العزيز البيات، والشيخ منصور هذا مشترك الصلة بينه وبيني، تشدني بالشيخ وُثَق ثلاثة؛ وَثاقا نسب، ووَثاق مصاهرة، فالنسب آتٍ من جانب أمي وأبي، فأمي هي أسماء بنت الحاج حسن البيات، وأمها سعدى بنت عبد العزيز البيات، فهي ابنة عمته، وأبي السيد محمد ابن السيد محفوظ العوامي هو ابن خال والد أمه، وفي العرف خالًه، فأم الشيخ هي فاطمة ابنة الشيخ محمد علي بن محمد الماحوزي، وصلتي النسبية بها من جهة أنها ابنة أخت جدي السيد محفوظ، وأما المصاهرة فزواجه من عمتي زكية (رحمهم الله جميعًا).

مر بنا أن الحاج حسين تزوج من فاطمة ابنة الشيخ منصور الوحيدة، والشيخ (طيب الله ثراه) مكفوف البصر، وكان القائمَ برعايته وتدبير أموره ابنُه أحمد، ولما توفي قامت ابنته فاطمة مقامَه في تدبير شؤونه من قراءة وكتابة، وأن الشيخ – لحاجته إليها – جعل إقامة الحاج حسين معها في بيته شرطًا لقبول تزويجه منها، من هنا جاءت صحبتي للحاج حسين، ففي ذلك البيت (حلَّ الشباب تمائمي)، فقد اعتادت والدتي زيارة ذويها في القلعة، حاضرة القطيف، كل جمعة، ومن البيوتات التي اعتادت زيارتها؛ بيت ابن خالها الشيخ منصور، وكانت تحملني رضيعًا، وأدرج ممسكًا يدها طفلاً، وحين مشيت معتمدًا على نفسي إبَّان يفاعة الصبا، صرت أتسلل وحدي من قريتي الصغيرة (التوبي)، شوقًا إلى رفوف الحمام المكتظة بها جدران ذلك البيت المقوي، حسب نعت الشاعر محمد رضي الشماسي (رحمه الله) له، ولست أدري إن كان تعلقي بذلك البيت آتيًا من مطاردتي للحمام الدارج المتطاير في بهويه السفلي والعلوي، أم بصاحبه أحمد، الذي لا بد لي من المرور به في دكانه في القيصرية (المعروفة بالصكة أو السكة)، فيلقي القبض على يدي الرخصة، آخذًا بي إلى (سوق شمال) حيث تباع الطيور، فيشتري لي (سُمِّنة)، يربطها بخيط في رسغ يدي اليسرى، وما إن أشرع في مغادرة السوق – تترقرق أساريري فرحًا وابتهاجًا بتلك العصفورة الجميلة – حتى تطير المسكينة طيرة قصيرة فيشدها الخيط، فتقع على الأرض، فأعجز عن إعادتها لوكرها فوق ذراعي، وعن حل الربقة من يدي، فتستبد بي الحيرة في كيفية تخليصها، أو تخليص يدي منها، فأتركها تتقلب خلفي، إلى أن أصل البيت، وأرى المسكينة قد فارقت الحياة، ومن ستر الله علي أن هذه الوحشية لم يبلغ خيرها جمعية الرفق بالحيوان.

قلت إنَّ أسباط الشيخ – بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى – أصدروا كتابًا لتوثيق ذكرى وفاته، هذا الكتاب شابه عددٌ من الأخطاء يتعين إصلاحها، فقد تتوافر النية في  إعادة طباعته، إليكها مرتبة حسب ورودها في الكتاب:

الصفحة 21: (والدته هي الفاضلة في نساء مجتمعها كريمة الحاج محمد بن علي بن محمد بن الشيخ عبد العلي بن الشيخ محمد بن العلامة المحقق الشيخ حسين الماحوزي البحراني).

بين ما بحوزتي من وثائق:

وثيقة شراء جدي لأبي السيد محفوظ بن هاشم العوامي نخلَ الرديحية بالعوامية، من أخيه لأبيه السيد حسين، مؤرخة في 7 شعبان سنة 1308هـ، تحمل في ما تحمل من أسماء وإمضاءات الشهود اسم وإمضاء محمد علي بن محمد الماحوزي.

الثانية: وثيقة مقاسمة عدد من النخيل بين السيد محفوظ نفسه، وبين الحاج سلمان بن محسن آل فرج، والسيد حسين بن هاشم العوامي، وكيلا عن أخته فاطمة، مؤرخة في 22 شعبان سنة 1308هـ، ورد فيها اسم الحاج محمد علي الماحوزي؛ أحد شاهدين معرِّفين بفاطمة أخت السيد حسين بهذا النص:

(بشهادة عارفيها، وهما الحاج محمد علي الماحوزي، وأحمد بن عبد العزيز في النخيل المعلومة).

الثالثة: مَسرد تركة جد أبي: السيد هاشم بن السيد سعود العوامي، مؤرخة في 24 صفر 1296هـ، تحمل بين ما تحمل مِن أسماء الراسي عليهم البيع اسم محمد علي الماحوزي، وإذ لم أقف – في كل ما بحوزتي من وثائق – على من اسمه محمد الماحوزي، مجرَّدًا من الإضافة، غيره، كذلك أستبعد أن يكون محمد أبو الحاج محمد علي، هو أبو فاطمة أم الشيخ، وإلا لما أدركتها على قيد الحياة وأنا في سن الرشد. لكل هذه الاعتبارات أصبح المرجح عندي أن اسم والد أم الشيخ هو محمد علي بن محمد الماحوزي إلى أن يثبت صواب ما ورد في الكتاب.

وقع الخطأ عينه، أيضًا، في ما كتبه الأستاذ عبد الواحد المسلم في الكتاب الذي أصدرته لجنة الحفل المقام بمناسبة ذكرى الأربعين لوفاة أخيه محمد سعيد تحت عنوان: (أخي كما أعرفه)([21]).

الصفحة 22: (ولد به – تغمده الله بواسع رحمته – في شهر جمادى من السنة الخامسة والعشرين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة النبوية …)، أغفل سهوًا تحديد الشهر إن كان جمادى؛ الأولى، أو الثانية، والصحيح جمادى الأولى، كما في المصدر المحال عليه([22]).

الصفحة 24: (لقد تزوج الشيخ بإحدى قريباته وهي العلوية المصونة خادمة أهل البيت وخطيبة منابرهم الزكية ابنة خال أمه العلامة الجليل السيد محفوظ العوامي).

اصطلح أهل القطيف على تسمية العلوية في النساء، والعلوي في الرجال مَن ينتسب كلا أبويه معًا للدوحة النبويَّة، أما من انتسب أبوه أو أبوها، فقط، لتلك العترة فينعت بالسيد، والأنثى سيدة، والسيدة زكية أمها زينب ابنة الشيخ علي البلادي، وهو ليس من السادة، فهي سيدة وليست علوية، وأحسب أن هذه التسمية جاءتها من هجرتها للعراق، فهم يطلقون هذه التسمية على من تنتمي للعترة النبوية مطلقًا.

الصفحة 32: مَسرد أساتذة الشيخ، البند 6: (العلامة السيد محفوظ العوامي وهو خال أم الشيخ “K”، وقد كان يسمِّيه خاله مجازًا).

الخال لغةً واصطلاحًا هو: أخو الأم، ووفقًا لما ذكر يكون السيد محفوظ أخًا لأم والدة الشيخ، وهذا مناف للحقيقة، وقد أوضحت أن أمُّ الشيخ هي فاطمة ابنة الحاج محمد علي بن محمد الماحوزي، فهي ليست أخت السيد محفوظ من الأب، ولم أهتد لاسم أمها، لكن ما أعلمه من والدي رحمه الله أن أم أبيه السيد محفوظ هي أصيلة بنت أحمد بن عبد العزيز الفرج، وهذا ما تؤيده الوثيقة سالفة الذكر فهي تحمل اسم أحمد بن عبد العزيز وإن لم يذكر فيها لقب أحمد بن عبد العزيز هذا، لكنني أرجح أنه هو اعتمادًا على ما سمعته من والدي، وعنه، أيضًا، أن الحاج محمد علي الماحوزي، هو ابن أخت السيد محفوظ، من هنا تأتي تسمية الشيخ لأولاد السيد محفوظ: أبناء الخال.

————-

([1])انظر المقال في صحيفة صبرة الإلكترونية، على الرابط: https://bit.ly/3FwODYk

([2])منشورات مكتبة الحياة بيروت، الطبعة الأولى، والثانية، 1962، ص: 287.

([3])الطبعة الثانية، مطابع الفرزدق، الرياض، 1411هـ، 1991م، والثالثة، مطابع الرضا، الدمام، ص: 338 – 343.

([4])يرد عند من يتعرض له من الكتاب باسم محمد، مجردًا وسنى تاليًا أنه محمد علي.

([5])أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، الطبعة الأولى، 1427هـ، والثانية، 1431هـ، ص: 583 – 585، والثالثة، 1437هـ، ص: 697 – 699.

([6])مطبعة النجف، النجف الأشرف، الطبعة الأولى، 1385هـ، القسم الثاني من الجزء الأول،  ص: 46 – 47.

([7])مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ، 1985هـ، ص: 51 – 52، و86 – 90

([8])الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع،الخبر الممكلة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1413هـ، ص: 182.

([9])منشورات شركة الشيخ للتحقيق والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2002م، 1423م، جـ1/612 – 613.

([10])العدد المزدوج: 9-10، المجلد الثالث، 1411هـ 1991م الجزء الرابع، القررن الخامس عشر.

([11])مؤسسة البلاغ، بيروت،  الطبعة الأولى، 1420هـ، 2000م، الجزء الأول،  والجزء الثاني.

([12])المجلة العربية، الرياض، العدد، 124، جمادى الأولى، 1408هـ، كانون الثاني (يناير) 1988م ، وأعيد نشره، في كتاب: (جهاد قلم في الصحافة والسير والأدب) السيد على السيد باقر العوامي ، جمعه وحرره ونضده ووضع إضافاته وعليق عليه عدنان السيد محمد العوامي، نشر مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف، القطيف، الطبعة الأولى، ص: 249 – 250.

([13])ديوان خالد الفرج، تقديم وتحقيق خالد سعود الزيد، مطابع القبس التجارية،ـ توزيع شركة للربيعان للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1989.

([14])مؤسسة الهداية، ، بيروت، الطبعة الأولى، 1423هـ 2002م..

([15])دار الخط، بيروت الطبعة الأولى، 1436هـ، 2015م، ص: 419 – 423.

([16])الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، مر ذكره جـ3/441.

([17])الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، الشيخ فرج العمران، دار هجر، الطبعة الأولى، جـ3/438

([18])الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، مر ذكره جـ3/441.

([19])الكتاب: الرسالة.

([20])نجوم في سماء الذاكرة، مر ذكره، ص: 89.

([21])(ذكرى مؤرخ وشاعر) ، مطابع الرضا، الدمام، الطبعة الأولى، 1418هـ، ص: 17.

([22])الأزهار الأرجية، في الآثار الفرجية، منشورات دار هجر، بيروت، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، جـ3/438.

اقرأ الحلقة السابقة

[1] الحاج حسين الزاير.. أديب خارج السياق

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×