[قراءة] نص متخلخل وكاتب يتحكم في كل شيء…! سلمان العيد "السوسنة التي أجهضت الآمال"
جعفر البحراني
“السوسنة التي أجهضت الآمال”، نص لسلمان محمد العيد، صدر عن دار ريادة للنشر والتوزيع لعام 1443 عدد صفحاته 180 صفحة من القطع الوسط.
يتحدث الكاتب في هذا النص عن تداعيات ما عُرف بخاطفة الدمام، وتمخضات عودة المخطوفين لأحضان أمهاتهم بعد عقدين من الزمن، ولا شك أن هذا الأمر جدير بالاهتمام، بل وجدير بأن لا تمر مثل هذه القصص مرور الكرام في حياتنا اليومية، وذلك من عدة جوانب.
الأول: لتكون مثل هذه القصص رسالة لنا جميعاً أن الظالم يأخذ جزاءه ولو بعد حين، وإنه لا يحق إلا الحق.
الثاني: لتكون مثل هذه القصص بمثابة توكيد الأمل بالله سبحانه وتعالى، وهو أمر يجب أن يكون ماثلا أمامنا دون انقطاع، لكي لا يتسلل اليأس والإحباط لنا مهما طالت الأعوام والسنين.
الثالث: أن نفهم بأن لدينا – وبتوفيق من الله- أجهزة أمنية متيقظة استطاعت برغم مرور كل هذه السنوات أن يعيدوا المخطوفين لأحضان امهاتهم من جديد.
الرابع: أن عدالة الله في الأرض مهما تناسيناها وغفلنا عنها ستكون ماثلة أمام أعيننا جميعا.
ولا شك أن قصص سابقة مماثلة قد مرت على مجتمعنا سواء في القطيف أو في غيرها من المدن والقرى والهجر، ولم يتم تناولها إلا بشكل محدود رغم أن بعضها نشر عنه في الصحافة المحلية، لكن بفضل الإعلام الجديد وتقنيات التواصل الحديثة، أصبح هذا الحدث هما عاما يعيشه المجتمع السعودي بكل أطيافه ومكوناته الاجتماعية أولا بأول، وقد حظى باهتمام بالغ بطول البلاد وعرضها وغطته مختلف وسائل الإعلام ومختلف وسائل التواصل الاجتماعية.
ولهذا يحسب للكاتب تناول هذا الحدث في نص سردي، وهو أمر يظهر التفاعل الايجابي للكاتب بمحيطه الاجتماعي، خصوصا وإن هذا الحدث أولاه المجتمع السعودي أهمية كبيرة، وكان محل اهتمام مختلف وسائل الإعلام، وكان كذلك مادة للتمرير والتداول في مختلف وسائل التواصل الاجتماعية، وواحد من أكثر أحاديث الناس في المجالس العامة، وهذا الذي ينبغي للمثقف أن يكون عليه.
وهو في الحقيقة ما وجدنا عليه العديد من المثقفين السعوديين، الذين يتفاعلون مع مجمل الأحداث الإنسانية سواء في المملكة أو في خارجها، ولعل حادثة القديح الشهيرة خير مثال لتفاعل الكتاب والمثقفين والأدباء عندما تناولوا حادثة القديح في الشعر والقصة والرواية.
وخلال قراءتي لهذا النص وجدت أنه جاء بأسلوب مغاير تماما عما أعرفه في كتابة النصوص السردية الروائية الاعتيادية، حيث وصف الكتاب بأنه رواية، لكنه وفق هذا الأسلوب ليس أكثر من نص سردي بأسلوب تقريري، يتدخل فيه الكاتب بشكل رئيسي، فمرة نراه راوياً عليماً، ومرة أخرى نجده يقوم بالتعليق على الأحداث، ومرة ثالثة يقوم بشرح بعض الكلمات والأحداث، وهي من أوضح الواضحات، فنجده مثلا في صفحة 79 يتحدث عن بطاقة الهوية الوطنية فيقول: (هذه الهوية هي مفتاح العبور لكل شيء، فهي التي تحمل الاسم وتاريخ الميلاد ومكان الصدور..الخ)، فضلا عن أن هذه الشروح جاءت بشكل مقحم في النص وليس لها أي داعٍ من الأصل.
الشخصيات
وأما الشخصيات في النص، فهي شخصيات غائبة تماما، لم نجد لها إلا اسماء اقحمت دون أي توظيف سواء في الحوار أو في السرد، فالكاتب ذكر الاسماء بشكل اعتباطي، ووضعها بين قوسين، ثم تجاوزها تماما فوجدناه مثلا يقول: الولد الأكبر أو يضيف بعدها الاسم بين قوسين، وهذا من تعريف المعرف، فأما أن يكون الولد الأكبر فقط، أو يكون أحمد فقط، لكن الذي يبدو أن حضور هذه الأسماء يستدعي رسم الشخصيات، نفسيا واجتماعيا وثقافيا، من خلال صفات كل شخصية، ومستوى ثقافتها، ورأيها في الاحداث، وانفعالاتها، ومشاعرها وأحاسيسها المختلفة، وفقا لكل حدث تمر به، كما يستدعي وجود حوار بين كل تلك الشخصيات، ولعل هذا الأمر يعيق تدفق السرد لدي الكاتب، أو أنه يثقل على الكاتب تحمل منطق ولغة كل شخصية من الشخصيات وإظهار انفعالاتها ومشاعرها في كل حدث، ولهذا وجدنا غياباً تاماً للشخصيات في النص، كما وجدنا غياباً للحوار، وصار الكاتب هو الذي بتحدث عن كل الشخصيات، ويقوم بالتعليق والتبرير وشرح بعض الكلام، فضلاً عن كونه الراوي العليم العارف بكل شيء.
ذكر الاسماء بصورة عرضية ثم تجاوزها إلى قول: الأم، الوالدة، السيدة، الأخ الأكبر، الولد الثاني، الثالث، وبهذا مارس الإعماء على الشخصيات، حتى أن القارئ لم يتمكن من معرفة رأي الشخصية من رأي الكاتب، ولم يفهم أي الشخصيات التي تتحدث أو تتحرك في المشهد، فقد وجدناه مثلا يقول في صفحة 72: (عدا أن واحدا منهم قال لها سائلا عن الوضع المالي المتراجع) فمن هو المتحدث؟
ونجده في صفحة 73 يقول: (قال أحدهم) ثم يقول: (فرد الثاني) ثم قال: (فكان الثالث عند الحدث ليقول) وبهذا جعل القارئ لا يعلم من الذي يتحدث من هؤلاء الشخصيات التي أدرجت أسمائهم سابقا دون أن نلحظ لهم وجود في النص.
تساؤلات
ومما لاشك فيه أن النص أجاب عن تساؤلات العمل الروائي وهي كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا وقع الحدث؟ لكن النص لم يكن مكتوبا بتقنية سردية معهودة في مختلف الروايات، فقد طغت عليها نصوص مختلفة جاءت مقحمة في النص بشكل غير مبرر، فنجد الكاتب مثلا قد أسهب بشكل مفرط في الحديث عن الاحتفالات في المنطقة الشرقية، حيث استهلك هذا الحديث الذي عاد وزاد فيه أكثر من 13 صفحة، كان يتحدث فيها بعيدا عن النص الرئيسي، كما تحدث أيضا عن التنمية العمرانية والاقتصادية في مدينة الدمام في أكثر من 5 صفحات بنفس الطريقة التي تحدث فيها عن الاحتفالات، وكذلك فعل نفس الشيء في الحديث عن بطاقة الهوية الوطنية والأحوال المدنية سابقا ولاحقا، فتحدث عنها في أكثر من 5 صفحات، فضلا عن التكرار والاجترار الملحوظ في النص بشكل عام، حيث أعاد الكاتب الحديث عن بطاقة الهوية الوطنية وطريقة استخراجها بشكل مسهب وبتفاصيل مشبعة خلال أكثر من 9 صفحات، ثم تحدث خلال صفحات اخرى عن حقوق مجهولي النسب، وعن جوانب وطنية في صفحات أخرى.
وفضلا عن هذه التقارير التي أثقلت النص، هناك شروحات مختلفة، وتعليقات عديدة، وبهذا كله أصبح النص مترهلا، وخالياً من الاختزال، وبعيداً عن التكثيف اللغوي، وهو خالٍ كذلك من التصوير الفني والمجازي، وبعيد كل البعد عن الأسلوب الإشاري، بل أنه كان موغلاً في المباشرة لأقصى حد، فضلاً عن وجود أخطاء طباعية، وأخطاء لغوية، وأخطاء في الصياغة، إلى جانب أخطاء فنية مختلفة ساهمت في تخلخل النص وإضعافه.
فها هو مثلاً في صفحة 72 يقول: (عدا أن واحدا منهم قال لها سائلا عن الوضع المالي المتراجع)، فلم نجد أي قول للشخصية في النص وإنما وجدنا معنىً إجماليا عن القول، وأمثال هذه الأخطاء وغيرها كثيرة جدا في النص، وإذا كان لا ينص القول، فهو أيضا قد أهمل العديد من علامات الاستفهام للتساؤلات التي ساقها في النص وجعلها عائمة أيضا.
هذا الأمر أوجد خللاً كبيراً في بنية النص بشكل عام، فضلاً عن بنيته السردية بشكل خاص، حيث افتقد لفنيات الصياغة، كما افتقد لفنيات السرد القصصي والروائي.
ويتضح في النص نفس واحد، ولغة واحدة، لا تراعي الفوارق الذاتية بين الشخصيات، فضلا عن طغيان الوعظ على النص، وتدخل الكاتب في كل صغيرة وكبيرة، وتوجيه النص في اتجاه محدد، ولهذا لم يترك للمتلقي أي مجال لأن يفكر أو يقرر أو يضيف أو يتساءل، فقد كان حضور الكاتب في النص طاغياً على الشخصيات كلها بمن فيهم القارئ ذاته على اعتبار أن المتلقي عند بعض النقاد شخصية أخرى في النص.
مجاهيل
يلاحظ في النص ارتكازه إلى فكرة مجهولي الأبوين، أو مجهولي النسب، ويبدو أن هذه الفكرة سيطرت على النص منذ بدايته حتى نهايته، ولهذا وظف الكاتب النص بعموميته ليخدم هذه الفكرة، فالمكان مثلاً رغم أنه ذكر مدينة الدمام وذكر أحياءها كذلك، إلا أنه ذكرها بعموميتها، دون أن يحدد لنا الحي الذي كان مسرحاً لهذه الشخصيات، فلم نعرف في أي حي كانت تقيم؟ أو أين أقامت بين فترة وأخرى طيلة عشرين عاما؟
بل كان المكان مجهولاً، ونحن نعلم أن لكل حي من أحياء الدمام بل أي حي من أحياء المعمورة كلها، له خصائص وميزات وعيوب ومواصفات مختلفة عن غيره من الأحياء.
وإذا كان المكان غائباً في النص، فإن جملة من التساؤلات قد شغلت ذهن المتلقي دون أن يجد لها إجابة، من حيث انفعالات ومشاعر وأحاسيس الشخصيات، فالسوسنة مثلا لم نجد لها انفعالات واضحة تعبر عنها في مختلف الأحداث التي مرت بها خلال تلك السنوات، ولم نجد لها كذلك انفعالات تذكر في وقوفها أمام الجهات الرسمية، سواء أمام موظفي الشؤون الاجتماعية، أو أمام المحقق، أو أمام النيابة العامة، أو أمام القاضي، أو أمام أولادها، كما لم نشهد انفعالات أولادها والشخصيات الأخرى في مختلف الظروف التي مرت عليهم.
مشاعر
لم نر كذلك مشاعر أولادها حولها هي، أو حول أختهم، أو حول أخيهم الأكبر، أو حول الرجل المقيم الذي كان يقوم بتوصيل والدتهم، وينام معهم في بعض الأحيان، فضلا عن طبيعة علاقته بهم، وطبيعة علاقته بوالدتهم التي لم تكن واضحة طيلة عقدين من الزمن، فضلا عن مشاعرهم وانفعالاتهم حول هذه العلاقة، وكذلك علاقة الشخصيات بالطليقين، إلى جانب انفعالاتهم الشخصية بعد معرفتهم بأنهم مجهولو النسب، سواء الأخوان اللذان لا يحملان هوية وطنية، أو الثالث الذي يحمل هوية وطنية، ويفترض أنه تلقى صدمة قوية جداً بعد معرفته بأنه أيضاً مجهول النسب، وأن هويته الوطنية مزورة وأنها كانت على سبيل التزوير والتدليس، وأن المرأة التي كان يعتقد أنها أمه، ما هي إلا مختطفه غيبته عن أحضان أمهاتهم طيلة عقدين من الزمن.
وبهذا يتضح أن لا خطة محددة للنص، ولا خطة للشخصيات، ولا للمكان والزمان كذلك، فالشخصيات لم نر منها إلا أسماء وإشارات دون أن نشهد لها أي تطور أو تغير أو نمو، والزمان كان محدوداً وشبه غائب نظراً لشبه الغياب للمكان، فلا شيء يتطور في النص سوى الحدث، وتطوره بدا رتيباً نسبيا، نظرا لبيئة النص التي لم تكن معالمها واضحة، حيث قدم الكاتب قراءته لمدينة الدمام والمنطقة الشرقية بصخبها وحركتها وعنفوانها وقوتها الاقتصادية، وترك جوانب أخرى من شأنها أن تسهم في رسم الشخصيات، فنحن نعرف مثلا أن حي الخليج لا يمكن أن يشابه حي الجلوية، والجلوية لا تشابه العمامرة.
أسلوب تقريري
وإذا كان الكاتب قد أطل على الشخصية المركزية في النص من خلال الحزن رغم الفرح الذي يعم البلاد بأكملها وبالأخص المنطقة الشرقية، إلا أنه أسهب بشكل مفرط فيما يخص الفرح وأسبابه وتداعياته، وانطلق في سرد مفصل بأسلوب تقريري معددا ملامح الفرح والمناسبات التي تستدعيه بطريقة أشعرتني كمتلقي بأن الكاتب قد ابتعد عن النص الأساسي وأقحم كل هذا السرد التقريري عنوة في النص، حيث أورد عادات الناس في تلك الأفراح ولم يكن ذلك يمس بأي صلة النص الأساسي لا من قريب ولا من بعيد، سوى أنه أخبرنا بأنه حزين رغم مظاهر البهجة والفرح التي تعم البلاد والمنطقة الشرقية.
وحتى بعد أن عاد من غفلته التقريرية عن الفرح إلى النص الأساسي، أمعن في توجيه النص وأصبح يتحدث بشكل وعظي فنراه في صفحة 21 مثلا يقول: (والناس تعلن عن موقفها ورفضها للظلم من أي كان، والظلم ظلمات الدنيا والآخرة).
وحيث عم النص حالة التقريرية وشيء من الوعظ، فقد اتسم النص بالرتابة، ولم يستطع الكاتب أن يحلق بمخيلة المتلقي، من خلال رسم صورة واضحة للمشهد، وترك المجال للمتلقي لكي يقرر ويطلق الاحكام بنفسه، بل كان الكاتب يقرر ويعلق ويشرح ويبرر على ما يريد، حتى أنه أصبح يضع السؤال ثم يضع الجواب، فمثلا في صفحة 25 يقول: (وهل يجد أي معنى للفرح أو الابتهاج وهو ينتظر بيان القاضي) ثم بعد ذلك يقول: (لقد حاول أن يفرح مثل غيره ولم يستطع).
خروج النص
الراوي العليم، والسرد المسهب في حيثيات لا تمس النص الأساسي بصلة، إلى جانب تعليقات الكاتب على كل صغيرة وكبيرة، اسهمت في خروج النص عن فنيات وتقنيات السرد الروائي المعروفة، وجعلت النص يتأرجح بين اسهاب عن المكان العام، وكذلك أسهاب في المنافع التي يحصل عليها حامل الهوية الوطنية، وإسهاب أيضا عن النظام الخاص بالحصول على الهوية الوطنية، وإسهاب في ملمح آخر عن المنافع والحقوق التي يحصل عليها مجهول النسب، حيث نجده مثلا في صفحة 27 يقول: (فلا أحد يجهد نفسه لمعرفة تفاصيل التهمة وحقيقة الجرم، فهل ثمة عذر أو مجال للتبرئة، وفي حال خرج السجين من السجن فإن أقصى ما يفعله الناس هو أن يوقفوا الحديث مع المجرم حول جريمته، لكنهم يبقون ذلك في أنفسهم، وإذا حانت اللحظة يبدونها بكل تفاصيلها) وبعد هذا التعليق يقوم بشرح ما علق عليه فيقول: (فلو أن هذا النزيل خرج من السجن، وشاءت الظروف أن يدخل في خلاف مع أي من أفراد المجتمع، فلن يتورع هذا الأخير من تذكيره بالجريمة التي من أجلها احتجز وبقي في السجن، رغم أنها جريمة حدثت ونال عقابها).
وفي ص 149 يقول: (ولكنها الجرائم والأخطاء يرتكبها البعض وتقع بعض تبعاتها على آخرين، حتى قيل منذ زمن في الأمثال المصرية: “ياما في السجن مظاليم”، أي مظلومين).
تكرار واجترار
وإلى جانب هذا التدخل هناك تكرار واجترار في النص، حيث تكررت بعض العبارات عدة مرات، فمثلا كرر الجرائم التي ارتكبتها السوسنة في صفحة 134، وفي صفحة 136، وكذلك في صفحة 140.
ولا شك أن النص فيه جانب من التشويق، إلا أنه لم يقدم اضافة لمن كان يتابع الأحداث أولا بأول، سواء في مختلف وسائل الإعلام، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تتلقف ما يستجد بشكل متوالي، وبهذا نجد أن بعض المتابعين لديهم تفاصيل تفوق ما نشر في هذا النص، إلا أن هذا النص قد سجل عموم الحدث ووقف عند اللحظة التي توقف فيها الحدث على أرض الواقع وبقي ساكنا رغم أن القصة لم تنتهي حتى الآن وبقيت بعض التفاصيل غائبة عن الجميع.