سعيد الشبيب.. تأبين يليق بابتسامة أم الحمام فقدته.. والشعراء رثوه.. والدموع حضرت
أم الحمام: ليلى العوامي
بعد 40 يوماً من رحيله؛ حظي الشاعر سعيد معتوق الشبيب بمنصة تكريم وتأبين، في مسقط رأسه بلدة أم الحمام، امتزج فيها الشعر بالنثر، رثاءً وإكراماً. وحضر الشاعر الذي انتقل إلى رحمة الله في آخر ربيع الأول الماضي، بعد رحيل شقيقه جعفر بـ 3 أشهر، حضر محمولاً على إجلال أصدقائه ومجتمعه.
التأبين، أقيم مساء أمس (الجمعة) في حسينية الإمام الصادق،وشهدت حضوراً كثيفاً، وكانت البداية مع الشاعر حسين عمار الذي توفّى عرافة الحفل، واسترجع ذكريات الفقيد “هنا كان يمشي ويرثي، وهذه المنصة منصته، وهذا المكان مكانه، وهذا الدمع دمعه، وهذا الحب حبه، هنا شاعر بعظمة المشاعر، ولغة لا تنغلق عن اللغة، هنا شاعر بطينة الحب”.
الشاعر حسين آل عمار
بعدها رتل القارئ محمد مهدي المنصور آيات من سورة الطور.
وأشاد الشيخ غازي الشبيب في كلمته بشخصية الراحل سعيد الشبيب قائلاً “وقد تميزت شخصية الراحل العزيز بعدة مكونات، صاغت شخصية استثنائية على مستويات ثلاثة؛ المستوى العائلي، والاجتماعي، والديني”.
توفي الشاعر الشبيب بعد وفاة شقيقه بـ 3 أشهر
وقال “تميز الراحل العزيز بحضوره الدائم والكثيف لمشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم، فما كان يعيش العزلة والانزواء، وما كان يعيش الهموم الذاتية على حساب مجتمعه، بل تجده حريصًا كل الحرص بأن يسجل حضوره المميز واللافت في جميع المناسبات، بالإضافة إلى حضوره الفاعل والنشط بين أفراد عشيرته وعائلته الكبيرة (آل الشبيب)، وقد كان المشرف على كل مناسباتهم العامة، وأدار الصندوق الخيري للعائلة لأكثر من 25 سنة، وعند الأزمات تجده “صاحب فزعة”، فكم من كربة قد فرجها، وكم من أزمة حلحلها، وهنا تتجلى إنسانية الإنسان، ويتجلى الإيمان الصادق في أبهى صوره بالاهتمام والرعاية الدائمة لبعض حالات الضعف من أوساط العائلة، وأي محتاج من العائلة، كان لا يتردد في الاتصال بالفقيد؛ لأنه كان على ثقة بالاستجابة السريعة والسعي الحثيث لقضاء حاجته”.
الشيخ غازي الشبيب
وأضاف الشيخ غازي “أمام هذا الرحيل المؤلم والموجع، لا بد لنا من وقفة تأمل وعناية، فنحن أما رجل نذر حياته بكل ما فيها إلى أسرته الصغيرة والكبيرة وإلى مجتمعه ودينه”.
واختصر الشيخ الشبيب تدين أبي حمدي بقوله “تدين واعيًا بالنظر، والفكر، والممارسة، فقد أدرك أبعاد وغايات هذا التدين، وانعكاسه على شخصه، والمحيطين به، من خلال الحفاظ على صلاة الجماعة، وولائه وحبه لأهل البيت عليهم السلام”.
قامة أدبية
ويرى الدكتور عبدالعزيز بن علي الحرز في الراحل قامة أدبية. وقال “منذ عرفته وأنا أنهل من معينه العذب الشعر، والحب كنت أراه أنموذجاً متفرداً في ملكته الشعرية وعلاقاته مع المحيطين من حوله والشعر هو وسيلته التواصلية، ولغته التي أظهرت ما كان يخفيه”.
الدكتور عبد العزيز الحرز
ويقول الحرز “عُرف الشاعر المرحوم سعيد الشبيب بكثرة الرثاء، حتّى ألِفَ الناسُ مواساتَه لهم بقصائده، التي عدّها هو “مصداقًا لشكر الله، واستخدامًا لنعمته فيما يُرضيه؛ إذ إنّه يرى الشعرَ أفضلَ وسيلةٍ لتسلية الفاقدين وللتخفيف من آلامهم، فترجمة الأحاسيسِ لدى شاعرنا (أبي حمدي) تجسّدت في أجلى صورها في رثائياتِه الإخوانية التي كانت علامةً فارقةً في شعره”.
رثائيات الشاعر
وبعد وقوف الدكتور الحرز على شواهد من شعر الفقيد، بالتحليل والتأويل الرثائية قال “ومن هنا نفهم سبب كثرة رثائيات الشاعر “أبي حمديّ”، فهو يرى ماء الحياة في ماهيات من أبّنَهم ورثاهم، ولذلك نلحظ عاطفة الشاعر الحزينة تستجيب لكل مستحثّ فقد، لأنّ العواطفَ على الرغم من كونها عبارة عن مجموعات معقدة من الاستجابات العصبية، فهي تتمثّل في مساعدة الكائن الحي على الحفاظ على حياته؛ لذلك نستطيع أن نفسّر سبب هذه الكثرة الرثائية لدى أبي حمديّ من أنّه يرى وجوده يتمثّل في انسجامه مع الآخرين ومواساته لهم والشعور بما يشعرون به، لذا نلحظه في بعض رثائياته يتقمص دور الفاقد أو الفاقدة، وفي هذا كله محافظة على حياة الشاعر النفسية والروحية، ولا يتم ذلك إلا بالرثاء الذي هو مصداق لشكر الله، واستخدام نعمته فيما يُرضيه، كما أشار هو تغمّده الله بواسع رحمته”.
إنسانية استثنائية
“درس عظيم يعلمنا إياه فقيدنا السعيد أبو حمدي، وهو أن نبحث في الناس عمَّا يتميزون به من معادن وما يمكن أن يشكل مثالاً للاحتذاء والذكر الجميل، ولذا ربما تمنى بعضهم مازحاً على أبي حمدي أن يرثيه، لأنه لن يجد أحداً مثله يكتب فيه، أو لن يجد أحداً أبداً”. بهذه العبارة، بدأ بدر الشبيب عن الإنسانية الفريدة للراحل. وأضاف “لعل أكثر ما تتجلى شخصية فقيدنا السعيد في إنسانيته الاستثنائية، حين يكتب رثاءً في أحد، وهذا قد يكون السر الحقيقي وراء إكثاره من شعر الرثاء، لأنه يجد فيه السبيل الأمثل لإفراغ شحناته العاطفية المشبوبة تجاه المواقف الحزينة المؤلمة، فهو بحسه الشديد الرهافة والرقة، ينفعل ويتفاعل مع حالة الفقد والمفقودين والفاقدين، ويدخل في حالة من الوجع الذي ينبت قصيدة أو أكثر، وإن كان لا يعرف المفقود وأهله، بل تراه يتقمص حقيقة دور الفاقدين، فيأتي الشعر منه على سجيته دون أدنى تكلف”.
جمع الأعمال
وبصوت حزين، ختم بدر كلامه قائلاً “رحل أبو حمدي، وترك لنا إرثاً عظيماً من إنسانيته الفريدة وأخلاقه الرفيعة وقصائده البديعة التي بدأنا العمل على جمعها وإخراجها في مجموعة شعرية كاملة، رحل أبو حمدي، ولم ينتظر أن نقول له: شكراً على ما قدمت وكتبت، لقد واسيت وواسيت وواسيت، وأشعلت قلوبنا حباً بأشعارك الولائيةـ وكلماتك الذائبة عشقاً في أهل بيت النبوة عليهم السلام”.
دموع القصيدة
بعدها ألقى الشاعر أمجد علي المحسن قصيدة قال فيها:
أبَرُّ القوافي ما رَوتْ ريشةُ الفَقْدِ
فيا ليتَ أكْفَتْ حِبرَها يا أبا حمدي !
بمثلِكَ تُستوفى نُذورُ قصيدةٍ
نخيليَّةٍ بينَ البساطةِ والزُّهدِ
حتى قال..
إليكَ أبا حمْدي دُموعُ قصيدةٍ
مُثوَّبَةٌ ما ثُوِّبَتْ سُورةُ الحمْدِ
قصرك عامر
“قصرك عامر في الفردوس.. لن أدعيك صبابة لحدادي أو أن تكون مشيئة الأبراد”. هكذا بدأ الشاعر فريد النمر قصيدته المقفاة بالألم وجهها لصديقه الراحل سعيد الشبيب، وقال متألماً:
ولك الصدى ومض يشع بحرفه
نغماً يعيد الروح للأجساد
ولك المدى يحتل دمعة أوجه
للشعر لم تحد بقلب سهاد
حتى قال:
من فسحة الفردوس قصرك عامر
يا صاحبي فاهنأ بخير معاد
فاهنأ جواراً خالداً بجوار من
خير الأنام علة الإيجاد
موجات الألم
وبنفس الحزن وموجات الألم، كتب الشاعر حبيب اليوسف قصيدة شعبية، ألقاها نيابة عنه الشاعر حسن آل شبيب قال فيها:
أبو حمدي وعدني ابشعره يرثـيـنـي
وأنا أدري لو رثاني ايكون يحيـيـني
قال ابمزحه ابشر بس متى بتموت
ومكان الفاتحه ايقول انته دليني
قلت له ابلا مزح ترثيني يا محلاك
تخلدني وتخلي الناس تبيني
وبحزن ختم اليوسف أبياته قائلاً:
لا حولَ ولا قوه إلا بالله
ملاك الموت فرق بينه وبيني
إلى أن نلتقي ودعته الجبار
وطيّب ذكره أتمنى يسليني
ترويض الذاكرة
ولقاء في مجمر الأبجدية، قصيدة للشاعر ياسر الغريب، وبحزن عميق لم يعد يتذكر الغريب متى التقى الشبيب وأين ويحاول ترويض ذاكرته لاصطياد البدايات، لكنه لم يستطع هو الحزن بالتأكيد الذي خيم على الشاعر ياسر الغريب. ويقول إلى الصديق الشاعر سعيد الشبيب (أبي حمدي) – رحمه الله – مع رحيل الشعراء تزداد رقعة الصمت.
الشاعر ياسر آل غريب
لم أعدْ أتذكرُ أين التقينا بأول إيماضةٍ ومتى .. كم أحاولُ ترويضَ ذاكرتي لاصطيادِ البداياتِ،
تمتزجُ اللحظاتُ، فلم أستطعْ أنْ أميّزَ باكورةَ الذكريات.
غيرَ أنّي عرفتُكَ في الزمكانِ المُشَاطئ للأبديّةِ حين القصيدة ضمّتْ رؤانا معاً باتساعِ المودةِ من مطلعِ الحرفِ حتى الهزيعِ الأخيرِ من القافيات.
إنّ صوتاً بأعماقِ روحي ينادي: (سعيدُ الشبيبُ) إلى أين تمضي؟ ألستَ على موعد للكتابة ثانية؟ كيفَ تتركنا والقصيدةُ تنتظرُ الموجةَ البكْرَ في الزرقةِ المشتهاة؟
وانتهى بقوله “بينما الوقتُ ينسجُ أكفانَهُ من دقائقَ غامضةٍ، أطفأتْ مقلتاكَ الشموعَ الأخيرةَ، أنفاسُكَ ارتفعتْ مثلَ قنّينةِ العطرِ حينَ تموّجُ أشذاءَها ما وراءَ الجهات”.
القارئ محمد المنصور
الألفية الجديدة
وفي ختام التأبين، تقدم الزميل حبيب محمود بمشاركة قال في بدايتها “حين فسفسنا الحَب والحُب معاً حسن نحن في العام الأول من مطلع الألفية الجديدة، نسرح ونمرح إنه فضاء مفتوح على كل شيء من حرية التفكير إلى حرية التعبير، متذكراً المحمود منتديات الحوار في الساحل الشرقي، وكيف التقى الشاعر سعيد الشبيب.
حبيب محمود
وبشهادة حق، ختم المحمود حديثه قائلاً “الآن بعد أكثر من عقدين على بداية الألفية، لم يتغير أبو حمدي، فهو العين التي بقيت ودودة لحمامة الحب ممتزجاً بهواء أهله، مشغول بصبر ترابها وشوشة فرحها وصداقاته تقول الصور انها ابتسامات، لم يكن يرد أن يكون شاعراً إلا ليعبر عن شجن الناس، ومازال بين أجنحة الحمام حمامة حب”.
وخُتِمت ليلة التأبين بصوت الشيخ محمد العبدالعال الذي دعا للراحل ولأسلافه بالرحمة والمغفرة .