شعراء خُصْبة.. وشعراء سِلْس..!
حبيب محمود
وبعد أن أنهى الرجل كتابه؛ قدّمه إلى الشاعرِ مستأذِناً إياه في نشره. فما كان من الأخير؛ إلا الامتناع عن الإذن. في هذه القصة القصيرة جداً؛ قصة طويلة جداً؛ فحواها أن النُّخبة المؤهلة لإنتاج النقد؛ عاجزة عن أداء دورها، إلا ضمن دائرة الرضا الاجتماعي، حتى في الشؤون النخبوية..!
وإلا فما الداعي إلى أن يستأذن من يتصدّى للنقد الأدبي شاعراً “منقوداً” في مشروع كتابٍ سهر عليه “الناقد” لياليَ، مراجعاً ومُسوّداً ومُحبّراً..؟
قرأت عند بعض الأصدقاء أن في القطيف قرابة 200 شاعر. لا أملك إحصاءً دقيقاً، بيد أنني أظنّ أن عدد المحسوبين على الشعر والنَّظم ـ ومعهم كتبة قصيدة النثر والخواطر ـ يفوق هذا العدد، إناثاً وذكراناً. وهذا العدد مصدرُ فخرٍ ـ فقط ـ لمن لا يفرُّقُ بين “الخصبة” و “السِّلسْ”، كما يقول أعمامنا الفلّاحون..!
إذا كان هذا العدد حقيقياً؛ فإن النفع لا يتخطّى مربّع دور النشر التي لا يشغلُ بالها ماذا تطبع ولمن تطبع، طالما أنها قبضت التكلفة سلفاً.
ثم إن أصدقاء “المؤلف” سوف يتكفّلون بالنقد على طريقة الاحتفاء بالصديق، أو الصديقة. ونحن ـ العاملين في الصحافة ـ لن يكون بمقدورنا إلا أن نتابع ونوثّق الحدث، طالما أنه بات أمراً واقعاً على الأرض. وليس من حقّنا تجاهل ما حدث، لأنه حدث، ومهمتنا أن نلاحق الأحداث..!
أما المحتوى؛ فله شأنٌ آخر، آخر تماماً. إذا صحّ أن في القطيف 200 شاعر وشاعرة عدّاً ونَسمةً؛ فإن في ذلك بشارةً بحالة من كساد وركود صنع منها الوهمُ حركةً ونشاطاً. منابرُ كثيرة، ومطبوعات أكثر، ومسامرات وتكتُّلات..
ثم بعد ذلك تدهمنا كلمة اسمها “لكن”..!
هل أنتج كل هذا العدد فهماً مثقّفاً يتجاوز أن التجارب الفنية، على تنوّعها واختلافها ووفرتها، ليست أكثر من تجارب “صندوقية” ضمن الدائرة الاجتماعية التي تعني ـ بالضبط ـ أن ما يُفضَّل منها ملتبس بعلاقة الصداقة أو الزمالة أو بصلة على نحوٍ ليس فنياً في النهاية..؟
وأن ما يُستبعَد منها، أيضاً، ملتبسٌ بحالة من ذلك..؟
رأيي يقول إن الاجتماعي مُحكِّمٌ ـ بكسر الكاف المشدد ـ للفني، أولاً وثانياً، وثالثاً.. وحادي عشر. ثم يبدأ “التحكيم” الفني عاشر عشر..!
هذا الفهم؛ هو ما فرض على شابٍّ أن “يستأذن” شاعراً في نشر ما كتبه عنه..!
وإلا فإن أي منتجٍ ثقافي أو أدبي يُصبح ملكاً للآخرين فور نشره. وليس من حقّ مُنتجِه فرض أية سلطة من خارج نصوصه المنشورة.
المعضلة في الفهم، لا القوالب الفنية. المعضلة في المبدأ..!
نعم؛ لدينا شعراء “اخصاب”، ولدينا “اسلوس”.. ولكن ليس لدينا من النقاد إلا الصنف الآخر..!
——-
هامش:
لمن لا يعرف: الخُصبة: هي النخلة التي نبتت من نواة، وأنتجت صنفاً جيداً. أما “السِّلس”: فهي التي أنتجت صنفاً ردئياً. وهذا من الاصطلاحات الزراعية في القطيف.
مقال واقعي وحقيقي يضع النقاط على الحروف جملة وتفصيلا فالنقد حالة مستعصية لا يقبلها الغر عوضا عن الناضجين في الكتابة الشعرية وهي أزمة مفهوم في الكتابة والتقبل من الشعراء ولا شك نعم يريدون كتابة احتفائية لا تخدش ما يكتبونه من شعر إذا تجاوزنا وأسميناه شعرا