الجذور التاريخية للديانة المسيحية في المنطقة الشرقية اختلف المؤرخون في البداية.. وأكدت الآثار وجودها قبل الإسلام
تاروت: جعفر البحراني
لم يتفق الباحثون في تاريخ الديانة المسيحية على الزمن الذي انتشرت فيه خارج موطنها الأصلي في فلسطين وبلاد الشام، لكن غالبية تلك البحوث ترجح انتشار المسيحية في بداية القرن الرابع الميلادي، عندما تحول بعض الملوك والقادة للديانة إليها، وجعلوا منها ديناً رسمياً للدولة في أرمينيا، وجورجيا وأثيوبيا وبيزنطة التي مثلت الإمبراطورية الرومانية.
لكن لا يمكن إغفال المجاميع والأفراد الذين اعتنقوا المسيحية قبل هذا التاريخ في حواضر مختلفة من العالم في شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وإن كانوا بأعداد صغيرة.
وإذا سلمنا بأن هناك أعداداً صغيرة اعتنقت المسيحية خارج موطنها الأصلي، إبان العقود الميلادية العشرة وما تلاها من عقود، فلا بد أن نتوقع وصول هذا الدين خلال القرن الميلادي الأول وما تلاه من قرون إلى أماكن مختلفة من العالم نتيجة لتداخل الشعوب فيما بينها من خلال التجارة والهجرات المختلفة.
دين الإمبراطورية الرومانية
ولعل قرب الجزيرة العربية والرحلات التجارية بينها وبين الشام يجعل هذا الأمر حتمياً، فهناك من تأثر بالمسيحية ودان بها، ورغم ذلك لم نجد باحثاً تاريخياً رجح زمناً لدخول المسيحية لمنطقة الجزيرة العربية قبل الانتشار الواسع للديانة المسيحية في القرن الرابع الميلادي، باعتبارها ديناً للإمبراطورية الرومانية التي تهيمن على جزء واسع من العالم.
وهو أمر جعل من هذا الانتشار واقعاً حتمياً لا مناص منه في بعض المواقع التي تهيمن عليها الإمبراطورية الرومانية، وبالتالي تأثر بعض الجزيرة العربية بهذه الديانة التي وجدت لها مكاناً بين الناس وأصبح من يعتنقها يعيش جنباً إلى جنب مع أفراد الديانات الأخرى المنتشرين في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام.
ومع ذلك نجد احتمالات ترجح انتقال المسيحية قبل القرن الرابع الميلادي. إذ يذكر الدكتور عبد المالك التميمي في كتابه ” التبشير في منطقة الخليج العربي” أن “قطر قد أصبحت أسقفية سنة 225 ميلادية أي في القرن الثالث الميلادي”.
مصدران
لكننا هنا لن نناقش انتقال المسيحية قبل القرن الرابع الميلادي وإنما نقول إن المسيحية كانت موجودة جنباً إلى جنب مع ديانات أخرى كانت سائدة في الجزيرة العربية.
إذ يذكر التميمي أيضاً أن المسيحية انتقلت للجزيرة العربية قبل الإسلام من مصدرين أساسيين الأول يتمثل في الحركة النسطورية التي جاءت عن طريق فارس، والثاني عن طريق الأحباش الذي حكموا جنوب الجزيرة العربية لفترة من الزمن.
ويستعرض التميمي كيف كانت هجرة النسطوريين من بلاد فارس في القرن الرابع الميلادي عندما تعرضوا للاضطهاد على يد شاهبور الثاني فاضطروا للهجرة لشبه الجزيرة العربية واستقروا في بادئ الأمر في عمان ثم انتشروا بعد ذلك في الأحساء والسواحل الشرقية للجزيرة العربية.
وبالتركيز على الساحل الشرقي من الجزيرة العربية، نجد أن بعض الباحثين أمثال الدكتور عبد الحميد المعيني في كتابه “شعراء عبد القيس في العصر الجاهلي” يشير إلى أن المسيحية تسربت إلى إقليم البحرين على يد البعثات التبشيرية والعلاقات التجارية التي كانت سائدة ويشير إلى النصارى في إقليم البحرين ويسمي منهم الجارود العبدي والمنذر بن ساوى ورئاب الشني وبحيرا الراهب، ويقول إن المذهب المسيحي السائد في المنطقة كان المذهب النسطوري.
عرب نصارى
وقد سبق المعيني لهذا التوجه المسعودي في كتاب “مروج الذهب” وسطر مجموعة ممن تنصر من العرب، كما أيد ذلك الدكتور جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” وزاد عليه قائلا: “وورد في أسماء من حضر المجامع النسطورية اسم أسقف يدعى “إسحاق” اشترك في مجمع النساطرة الذي عقد سنة 576م، كما ذكر اسم أسقف آخر يدعى “قوسي” اشترك في مجمع سنة 676م. وكانا أسقفين على “هجر”. كذلك وردت اسماء أساقفة من النساطرة تولوا رعاية شؤون أبناء طائفتهم في جزيرة “دارين” وفي جزيرة “سماهيج””.
وكان الأب لويس شيخو في كتاب “النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية” قد ذهب لأكثر من ذلك عندما قال: “عبد القيس وهي احدى القبائل المعروفة بنصرانيتها”. كما ذكرها أيضا في موضع آخر فقال: “هي قبيلة من ربيعة كانت ساكنة في تيماء وبصرى وبلاد البحرين وكانت النصرانية غالبة عليها ووفدت على محمد سنة 8 للهجرة مع سيدها بشر بن عمرو”.
ثم ذكر اسماء من حضروا المجامع النسطورية إضافة إلى اسحاق وقوسي أو فوسي في هجر، بولس سنة 410 ويعقوب سنة 585 ويشوعياب سنة 676 في دارين وكذلك باطاي والياس سنة 410 وسركيس سنة 576 في سماهيج إلى جانب اسحاق سنة 576 وشاهين سنة 676 في الخط.
في إقليم البحرين
ويتضح من كل ذلك أن المسيحية موجودة في إقليم البحرين الممتد من البصرة شمالا إلى عمان جنوبا، سواء كانت وفق المذهب النسطوري، أو مذهب آخر، منذ القرن الثالث أو الرابع الميلادي، ويوجد في المنطقة آثار توضح هذا الوجود، حيث تم العثور على مبنى في حفرية “طوى الشلب” في مدينة الجبيل السعودية في عام 1986م يعود للقرن الثالث أو الرابع الميلادي حسب نتائج تزمين عينات الكربون المشع C14 التي نشرت نتائجها في العدد الثالث عشر من حولية الآثار العربية السعودية “الأطلال”، والتي يعتقد أن الحفرية تعود لكنيسة أو بيت راهب، وذلك لوجود عدد من الصلبان.
مبنى الكنيسة
المبنى يتكون من صالة وعدة مداخل على ثلاث غرف ورواق وأعمدة عليها الأفاريز المزخرفة بالنقوش المتنوعة من بينها ورق الشجر، وعدد من الصلبان المنحوت في الجدران الداخلية وعلى البوابة الرئيسية.
ولعل ما وجده المنقبون الأثريون في جزيرة دارين أثناء التنقيب في بيت العواد عام 2010م من لُقَى أثرية بينها جرة من الفخار مرسوم عليها أربع سمكات، أرجعها الباحثون الأثريون للقرن السادس أو السابع الميلادي، يشير إلى وجود الديانة المسيحية في المنطقة، نظرا لكون السمكة رمزاً مسيحياً، بينما لا رمزية لها في الإسلام.
وتجدر الاشارة في هذا الجانب إلى قبر بلدة الأوجام غربي القطيف الذي أختلف الباحثون في نسبته للنبي اليسع “ع” أو للراهب رئاب الشني، ويزال الخلاف قائماً لعدم القدرة على الفحص والتنقيب الميداني.