عن “الهمز” و “الهمزة”.. ما أدري.. ويش خَلْقتْها…!
حبيب محمود
كلمة “ويش” عجيبة في لهجة القطيف، واللهجات العربية المعاصرة. كلمة تصلح درساً لظاهرة معروفة في العلوم اللسانية الحديثة، تُسمّى “الاقتصاد اللغوي”..!
كلمة “ويش”، كلمة “مفشوخة” في الاستعمال الراهن. أصل “الفشخ” هو وضع كلمة “أي” وكلمة “شيء” في كلمة واحدة، مع “فشخة” أخرى؛ هي تحويل “الهمزة” إلى “الواو”.
وسكان القطيف لديهم مشكلة قديمة مع “الهمزة”، حتى أنهم قد “يهمزون” بلا “همزة”. وعبارة “ما أدري.. ويش خَلْقتْها”، إنما هي “همزٌ” و “لمزٌ” بلا “همزة”..!
إنه تعبيرٌ يُشير إلى عدم اعتراف بـ “وجود” المشار إليه في الحديث، إنكار لقيمته.. تمام مثلما أن سكان القطيف يكادون لا يعترفون بهذا الحرف المسكين؛ مثل كثير من الشعوب العربية، فهم إما أن يحذفوه، أو يستبدلوه.. فمن حذفهم:
ماء: مَاْ.
سماء: سماْ.
هواء: هواْ.
ومن إبدالهم:
ماء: ماي.
يقرأ: يقراْ
رأي: راْي.
حتى كلمة “عَفُرْ” التي يتندر جيل اليوم بها، ومعها أختها “عفاري”؛ إنما هما كلمتان “مفشوختان” أيضاً. وأصلهما كلمة “إثْر”، بمعنى “بسبب”.. وهذا المعنى “إنزاح” ـ كما يقول اللسانيون ـ فأصبح “يمكن، ممكن، أظن، ربما”. و “الفشخة” حدثت في تحوّل “الهمزة” إلى “عين”.. وهذه ظاهرة معروفة في اللهجات السعودية المعاصرة..
كما حدثت فشخة أخرى هي تحول “الثاء” إلى “فاء”.. وهذه ظاهرة أوسع انتشاراً في القطيف: افنين، فلافة، فمانية، فوب: اثنين، ثلاثة، ثمانية، ثوب..!
في هذا الوضع اللساني “المفشوخ” جاءت كلمة “ويش” من كلمتيْ “أي” و “شيء”. وعمّنا الكبير ابن منظور؛ رصد هذه الظاهرة منذ ما يُعرف في التاريخ العربي بـ “عصر المولّدين”، حيث ظهرت كلمة “أيش هذا” في العصر العباسي، وشرح ابن منظور بتفصيل مفيد..!
القطيفيون لا يقولون “أيش”، بل “ويش”. وهذا اقتصاد لغوي بالطبع. ولديهم اقتصاد أشدّ اختصاراً، حين يقولون “هداويش”، وأصل الكلمة: هذا + أي + شي. وأي تحليل صوتي بسيط لـ “هداويش” يدلّنا على مقدار “الفشخ” الذي يتراكم في الاستعمالات اليومية للغية المحكية.
ما ذُكر أعلاه يخص “الأصوات اللغوية” و “الاقتصاد اللغوي”، حسب فهم علوم اللسان الحديثة. إلا أننا حين نعود إلى عبارة “ما أدري ويش خلقتها”؛ فهي أيضاً ذات علاقة بالاقتصاد اللغوي، ولكن من الناحية البلاغية، فهذه عبارة كنائية لها وظيفة “احتقار المتحدَّث عنه/ عنها”.
وبالطبع؛ هو تعبير “شوارع”، لا تعبير “منابر”.. وإذا بدأ خطيبٌ ما بعبارة “ما أدري ويش خلقتها” مُشيراً إلى “إنسان” آخر؛ فهو يبدأ حديثه بـ “الاحتقار” و “الازدراء” و “التعالي”.. وساعد الله “المنبر”.
واحترام النفس والناس؛ من وراء القصد.
نعم صدقت يكثر الهمز واللمز ..واستخدام اللهجة فيهما من عدة ابواب كالمراوغة وهي عدم المواجهة ..والإنكار الذي يختلف عن الاستنكار مع زيادة حرف السين في الثانية
“فشخة" رائعة أستاذنا العزيز وأخونا الكريم حبيب، مادة ثرية وممتعة ويا ريت الإكثار من هذه "الفشخات" لنتعرف أكثر على عمق وثراء لهجتنا .. تحياتي القلبية يا حلو..
كلام سليم وراقي ورد يدل على الثقافه العاليه عكس اسلوب الشخصنه والتقليل من الغير والاستهزاء وكلمات غير مقبوله تماما ..