الشيعة.. وجمس الهيئة…!
حبيب محمود
الحمد لله على أن الفقه الجعفري لم يؤسس لنفسه أذرعة ميدانية تُجبر الناس بالقوة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الفقه الجعفري، مثل سائر المدارس الفقهية الإسلامية، يصنّف “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ضمن الواجبات، وعلماء الشيعة الذي انتهوا إلى تقسيم الدين بين “أصول” معنية بالعقيدة، و “فروع” معنية بواجبات السلوك؛ يصنفون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن “فروع الدين”.. أي واجبات السلوك..!
شأنه شأن الصلاة والزكاة والحج… إلخ، فهذه كلها سلوكيات مبنية على عقائد، وتنطلق منها.
وضع الفقه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط منطقية وأخلاقية. فأنتَ بريء الذمة من هذا الواجب حين ترى أن الطرف الآخر لن يُصغي إلى نصحك.. هنا؛ يسقط الواجب عنك.
ومطلوبٌ منك التزام “الحكمة والموعظة الحسنة”. ومطلوبٌ منك التفقه قبل التدخل. ومطلوبٌ منك النزاهة قبل الدفاع عنها.
فقه يحترم حقوق الناس بدقة لا تخطر على بال “المستأكلين” و “المستفقهين”.. حتى “المتجاهر بالفسق” يحميه الفقه الإسلامي الجعفري، بتقييد جواز غيبته فيما تجاهر به. ومقولة “لا غيبة لفاسق” لا تعني أن للسانك الحقّ في غيبته بما تعرف عنه من معاصٍ، بل فيما أظهر متجاهراً به فحسب..!
وأتذكر مسألة في غاية الاحترام للسيد الخوئي، رحمه الله، فقد كان يرى أن من الأحوط ألّا يغتاب المظلوم ظالمه إلا في المظلمة الخاصة به.
هذا هو الفقه الذي يضع الأخلاق أساساً للتفكير والسلوك؛ فما الذي يحدث على أرض الواقع..؟
الذي يحدث في كثير من قضايانا، وحكايانا، هو الدفاع عن الأخلاق بطرق لا أخلاق فيها. و “الأمر بالمعروف” بوسيلة “مُنكَرة”، والمنافحة عن الدين بلغة لا يقبلها الدين نفسه..! تدخل النميمة والبهتان ومعها الغيبة، باسم الدين، حاشاه..!
“المعروف” معروف، و “المنكر” مُنكَر. والوظيفة السلوكية التكليفية للتعامل معهما مفهومة وضرورية، ولكنّ ليس على طريقة وضع الآمر بالمعروف نفسه مكان الإله المحاسِب، أو مكان الدولة المسؤولة عن ضبط الأمور.
الإنسان مجرّدُ ناصح، أما المحاسب؛ فهو الله وحده، سبحانه. وضبط السلوكيات العامة؛ ليس بيد الأفراد، بل بيد الأنظمة المرعية. وللعلماء دورٌ أساسي بالطبع، وهم مسؤولون عن موقعهم الذي يساعد على تكريس “العمل المتفقه” المنضبط، فالغاية لا تبرّر الوسيلة، حتى في محاربة الرذيلة؛ إذا وقعت.
في مرحلة انتهت، ولله الحمد، كان مفهوم الاحتساب قائماً على “فلْيُغيّرْه بيده”. يقف المتطوع ـ أو المتطفل على عمل الهيئة ـ أمام أي زوجين ليستجوبهما: من أنتما؟ وما علاقة كلٍّ منكما بالآخر..؟ ويحدث ما يحدث بعنوان “القوة”..!
هذه المرحلة لم يعد لها وجود، وفي الوسط الشيعي لم يكن لها وجود. ولكنّ الفقه في وادٍ، وكثيراً من الناس في وادٍ آخر. بعض الناس يظنّ أنه المسؤول عن محاسبة الناس. وإذا تأسس فهمنا على هذا؛ فلن نأمر بمعروف، ولن ننهى عن منكر، بل سنطلب الإصلاح بطريقة فاسدة.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}..
{إنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}.
للأسف ما عندي وقت لنقل كلمات السيد الخوئي وإلا لنقلتها؛؛ولكن من أراد أن يتعرف عليها فليرجع إلى باب الأمر بالمعروف من رسالته العملية -منهاج الصالحين- ليعرف الفرق بين رأيه وما نسبه الكاتب له
مقال جميل. تسلم يد الكاتب.
الله يستر من ورا مقولات الاستاذ حبيب
فالمثل يقول
الذئب لا يهرول عبثا
مرحبا,
مذكور في مقال الكاتب حبيب محمود هذه العبارة: (فأنت برئ الذمة من هذا الواجب حين ترى أن الطرف الآخر لن يصغي إلى نصحك… هنا يسقط الواجب عنك)
لكن السيد السيستاني و هو تلميذ السيد الخوئي الذي ذكره الكاتب في المقال, موجود في استفتاءته بالموقع الإلكتروني هذه العبارات :
” فلو علم أنّه لا يبالي ولا يكترث بهما فالمشهور بين الفقهاء أنّه لا يجب شيء تجاهه، ولكن لا يترك الاحتياط بإبداء الانزعاج والكراهة لتركه المعروف أو ارتكابه المنكر وإن علم عدم تأثيره فيه “.
” فإذا لم يحتمل التأثير بأن كان الفاعل لا يبالي بالأمر والنهي فقد ذكر المشهور سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن سماحة السيد يحتاط احتياطاً وجوبيّاً بإظهار الكراهة فعلاً أو قولاً بأن يُظهر استياءَه من فعل المنكر “.
أتمنى أن يتأكد الكاتب من الحكم الشرعي حول العبارة التي ذكرها بمقاله, و الأفضل سؤال المتخصصين في مجال المواضيع الدينية.
تحياتي,,,