في المجتمع المتدين.. في المجتمع المُدّعي..!

حبيب محمود

لا أتذكّر الصديق الذي قال لي، ذات نقاش: إننا مجتمعٌ مُدّعٍ، لا مجتمع متدين. وأراني مائلاً إلى هذه الرؤية ميلاً جليّاً. فما أراه، منذ انتباهي، هو أن منظومة القيم الدينية التي ينافحُ عنها الرأي الجمعيّ؛ تُنتهَك على يد المجتمع نفسه، ومن دون أن يُنتبه إلى المعضلة الأخلاقية في “ادعاءٍ مقابل انتهاك”..!

إذا افترضنا ـ تبسيطاً ـ أن التديُّن هو الامتثال الطوعيُّ إلى الرؤية الفقهية؛ وأنّ الفقه، في جانب عريضٍ منه، امتثال للقيمة الأخلاقية؛ فإن ذلك يشرح لنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُمكن أن يُنجَز على نحوٍ مُنكَرٍ..!

التشهير مُنكَر، التهويل منكَر، التشنيع مُنكَر، الفضحُ مُنكَر، المراقَبة منكرٌ، تعقُّبُ العثرات مُنكَر. ناهيك عن الغيبة والنميمة والبهتان وسائر سلوكيات الاعتداء اللفظي. التشخيص الفقهي يُنكِر هذه السلوكيات في ذاتها، ويُنكرُها وسيلةً من وسائل إنكار المنكَر. ولا يُمكن للفقه أن يُجيز نهياً عن مُنكَر بوسيلة منكَرة.

الشرخُ الفاجع، في المجتمع المُدّعي، يظهر في حماسة الرأي الجمعي لمواجهة المنكَر فقهياً بطريقة منكرة فقهياً أيضاً…!

يتراجعُ الامتثال الفقهي هنا إلى امتثالٍ آخر، لا صلة له بالفقه مطلقاً. يحاول معالجة مشكلة امتثال إلى الفقه بطريقة غير ممتثلة إلى الفقه. تنتشر المخالفة الفقهية جمعياً ضدّ مخالفة فقهية فردية..!

المجتمع، برمّته، يخالف الفقه لإصلاح فرد  أو اثنين منه.

فكّروا وحدكم، ومن دون كلامي هذا، في حالاتٍ اجتماعية عريضة، يكون فيها الموقف الجمعيُّ معضلةً فقهية في ذاته، ومخالفاً جوهرياً لقيمة أخلاقية أساسية في التديُّن.

لا يطلب الله من أحدٍ أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر بطرقٍ نهانا عنها في الأصل. والذين يلوذون بذلك، باسمه ـ حاشاه ـ لا يعرفون أنهم يدافعون عن حماستهم هم، لا عن تدينهم..!

ثمة تديّنٌ.. وثمةَ ادعاءُ تديّن. وهما لا يجتمعان، لا في المعيار الأخلاقي، ولا في الموقف الفقهي.

‫3 تعليقات

  1. ياصاحب المقال كلامك ينطبق عليك أيضاً ( شنعت وهولت بإلصاق هذه الصفات السيئة على المجتمع بكامله)
    وصاحب التعليق الأول ألا ترى ان كلامك ينطبق عليك
    تذم غيرك (المجتمع بأكمله) لتشعر انك الأفضل؟

    اتمنى أن لا تكونوا سوداويين ولا تنظروا بعينكم الضيقة وتتهجموا على المجتمع بأكمله

  2. من سنين وانا اقول احنا مجتمع منافق وليس مجتمع متدين
    يتغنى بالدين ليشعر بأنه افضل من غيره بينما ينتشر الفساد الاخلاقي والانحراف بشتى انواعه
    والمغزى من كلامي هذا وما كنت اكرر حقيقة وجوب الاعتراف بوجود مشكلة لإصلاح المشكلة ولكن عندما تنكر المشكلة لا يستوجب عليك اصلاحها ولن تصطلح

  3. من قال ان التشنيع منكر؟ اذا كان العمل شنيعا فلم لا نشنع-بعد التدرج من الرفق إلى مرحلة التشنيع-؟ نعم الفضح والبهتان مثلا لا يجوزان

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com