«سفيرة الابتسامة».. ريتاج رحلت بعد 14 عاماً من الآلام النادرة خلفت فراغاً في قلوب محبيها.. وإرثاً من الصبر والأمل

القطيف: ليلى العوامي

افتقد رواد المنصة الزرقاء «تويتر» أمس (الأربعاء)، ابتسامتها التي عرفوها بها. كل الأطفال يملكون ابتسامة، ولكن لابتسامة ريتاج محمد الشهري سحر خاص، فبها واجهت لسنوات مرضاً نادراً، ألزمها حمل اسطوانات الغاز، لتتنفس.

عانت ريتاج، التي كانت وأسرتها تسكن مدينة الرياض، من مرض نادر، بعد 9 أشهر من ولادتها، عام 2007؛ تليف رئوي ونقص المناعة وتقوس الظهر، وأمراض أخرى، كانت تمنعها من القدرة على التنفس والحياة الطبيعية.

تحملت عبء حمل 8 إلى 9 عبوات أوكسجين معها طوال اليوم، لتتنفس. كانت اسطوانات الغاز ترافقها حتى إلى المدرسة، حيث كانت تدرس في الصف الأول المتوسط.

في العناية المركزة

دخلت ريتاج العناية المركزة يوم 19 يونيو الماضي، وبعد سبعة أيام؛ كتب والدها يدعو لها، معبراً عن شوقه لها في هذه الأيام، قائلاً «سبعة أيام فاقدها، وفاقد حسها في البيت ريتاج في حالة حرجة جداً في العناية المركزة. اسأل الله رب العرش العظيم أن يشفيها وجميع مرضى المسلمين. أسأل الله أن يلطف بحالها ويرحم ضعفها. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تنسوها من الدعاء».

بعد 23 يوماً رحلت؛ فجر أمس، ودعت الدنيا بهدوء، وبابتسامتها التي لم تفارقها، رغم الألم.

كتب والدها ناعياً رحيلها على حسابها في «تويتر» «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ«.. لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.. انتقلت إلى رحمة الله ابنتي ريتاج الشهري.. نسأل الله عز وجل أن يرحمها ويسكنها فسيح جناته.. الله يغفر لها ويرحمها».

آخر رسالة

من على كرسيها المتحرك، حين كان تعييها الحركة؛ كانت تدعو دوماً «يا رب إن هناك ألماً قد اتعْبني كثيراً، اللهم أشفِني وأرِح جسدي من كل تعب.. اللهم رحمتك وشفائك عاجلاً غير آجل، ولجميع مرضى المسلمين.. يا رب أرحم ضعفي».

آخر رسالة لها كانت يوم الجمعة الماضي، حينما أطلت على متابعيها مُدونة «جمعة عامرة بذكر الله، لا تنسوا تصلوا على النبي.. اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. لا تنسوا تقرءوا سورة الكهف، وتدعوا للجنود البواسل على الحدود، يرجعون سالمين غانمين، وتدعوا لي ولمرضى المسلمين بالشفاء.. يا رب تشفيني وتشفي المرضى والمسلمين.. أحبكم».

كان أبطال «الحد الجنوبي» حاضرون دائماً في دعاء ريتاج، ففي يوم الجمعة 27 مارس من العام الماضي، رفعت كفيها بالدعاء لوطنها قائلة «يا رب لا تبكينا يوماً على وطن عشنا على أرضه.. نستودعك اللهم أمنه وأمانه، ليله ونهاره، أرضه وسمائه، ملكه وشعبه وجنوده.. اللهم أحفظ بلادنا.. اللهم يا رب أشف مرضانا ومرضى المسلمين، وأرحم أمواتنا وموتى المسلمين.. يا رب رضاك ولطفك ورحمتك».

وفي تغريدة أخرى؛ كتبت «ننام مطمئنين آمنين.. وجنودنا البواسل المرابطين على الحدود والثغور عيون ساهرة لحراستنا، وحفظ أمننا.. اللهم هون برد الشتاء على جنودنا المرابطين على الحدود.. اللهم أنزل دفئك ورحمتك ونصرك عليهم، وردهم لذويهم سالمين، تكفون لا تنسوهم من الدعاء».

قوية وصابرة ومتفائلة

الألم كان دائماً، ولكن التفاؤل كان حاضراً أيضاً «تفاءلوا بالخير تجدوه». في ظل الحجر بعد جائحة كورونا؛ كانت تدعو الناس للترفيه عن أنفسهم «لا تتضايقوا ونحن جالسون بين أهالينا؛ نأكل ونشرب ونلعب، وفي دولة أمن وأمان، ولا نحن في المستشفيات، ولا بحرب، وإن شاء الله ربي يبعد عنا هذا الوباء. أكثروا من الاستغفار والدعاء والصبر».

ريتاج الأنيقة والجميلة، لم يكن المرض عائقاً لها لتعيش حياتها كما الآخرين، ففي يوم التي قصت فيه شعرها دونت «تم قص الشعر، يا رب أرجو رحمتك، فكل ما أفعله قوة وصبراً وإيماناً ورضًا بقضائك، وتسلِيمًا لأمرِك سبحانك.. وأمل وتفاءل بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد الحي القيوم الرحمن الرحيم أن تفرج همنا يا مغيث أغثنا.. أشفني وجميع مرضى المسلمين».

مؤمنة بقضاء الله وقدره، كان الدعاء بالشفاء حاضراً في أدعيتها التي لم تتركها يوماً «اللهم أشفني شفاءً يتعجب له أهل السموات والارض يا رب.. اللهم أجبر قلوبًا كُسرت، وأرحم عيونًا دَمعت، وعجّل كل أمل يُنتظر، وأفرغ الصبر على قلب كل من تعلق بحاجة، وحققها له وألطف بمن ضاقت به الحيل، وكن عَونه يا رب.. اللهم أشفني وجميع مرضى المسلمين، وأرحم موتانا وموتى المسلمين».

المغردون يتبادلون التعازي

كانت روح ريتاج الشهري تلهم الكثيرين في الساحة الزرقاء، الذين تأثروا بخبر رحيلها، ونعوها وترحموا عليها، فكتبت الجوهرة المعيوف مخاطبة أسرتها «عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم، وجعلها شفيعةً لوالديها.. وألهمكم الصبر والسلوان، وجزاكم الله عن معاناتكم معها خير الجزاء، وجعلها فرطاً لكم على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإن فراق ريتاج لوالديها جلل، فأعظم لهما الأجر، وهون عليهما مرارة الفقد وألم الفراق».

وكتبت نورة، وهي طالبة في جامعة الإمام محمد بن سعود، تعزي أمها قائلة «اطمئني إيتها الأم الثكلى، طفلتك صعدت روحها إلى السماء، إلى جنات الخلد، لن يضرها الثلج المتراكم على جسدها.. عظم الله أجركم عائلة ريتاج الشهري».

أميرة العسبلي كتبت «سفيرة الابتسامة؛ اسأل الله لها الرحمة. طفلة ودعت الحياة بهدوء، عانت من المرض رغم طفولتها، إلا انها كانت صابرة محتسبة.. الحمد لله على القضاء والقدر.. إلى جنات الخلد يا ريتاج. واسأل الله الثبات والصبر لأهلها».

وكتب الكاتب والممثل محسن الشمري معزياً «الله يرحمك يا ألطف وأجمل ابتسامة بالدنيا.. والله أني حزنت على فراقك يا ريتاج، ولكن نحسبك بإذن الله من طيور الجنة.. رزق الله أهلك الصبر والسلوان».

وكتب سليمان الصالح مخاطباً والدها «عظم الله أجرك أبو ريتاج في وفاة ابنتنا الغالية الصبورة الطموحة، واسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، وجعل ما أصابها رفعة لها وشفاعة لوالديها الذين كافحوا وصبروا من أجلها، وعزائى لوالدتها وللأسرة ولنا جميعا.. إنا لله وإنا إليه راجعون».

وغرد محمد عودة البلوي معزياً والديها «إنا لله وإنا إليه راجعون.. جبر الله مصابكم، وربط على قلوبكم، وعوضكم خيراً.. أما هي فقد ذهبت إلى أحسن جوار.. وأعلى مقام.. عظم الله أجركم».

ودعا لها محمد داغستاني قائلاً «اسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، ويرحمها ويغفر لها آمين».

وكتبت هيا القحطاني «الله يرحمها ويغفر لها، ويجعلها شفيعة لوالديها. الله يلهم والديها الصبر والسلوان يا رب.. طفلة ولكن تركت لنا الكثير من الدروس في الايجابية والتفاؤل، رحمك الله سفيرة الابتسامة والروح الطاهرة.. إنا لله وإنا إليه راجعون».

نور سعود الحارثي، لم تعرف ريتاج في العالم الافتراضي فقط، كما البقية. كانت تعرفها في العالم الواقعي، كتبت «لا حول ولا قوة إلا بالله.. رحمها الله صديقة التطوع، جمعني بها التطوع قبل سنة ونصف السنة. ‏إن الله وإن إليه راجعون.. خالص العزاء وأصدق المواساة لعائلتها ووالديها وذويها وأحبابها وأصدقائها».

  

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×