وثيقة رسمية لا تعكس الواقع.. اسم الأسرة الذي أتعبنا..! أسماء الشهرة نموذج لإجراءات مربكة وتصحيحها طويل

حسين منصور الشيخ

يبدأ ارتباط إنسان اليوم بالمؤسسات والدوائر الرسمية مبكرًا، حيث يتولّى ولي أمره إثبات واقعة ولادته بصورة رسمية وموثقة منذ يومه الأول، وتصدر بموجب ذلك شهادة ميلاد توثّق هذه الواقعة زمانًا ومكانًا، وكذلك إثبات نسب المولود وجنسه، وتحديد اسمه.

ولكنّ الإنسان لا يدرك هذه الصلة تمام الإدراك إلَّا مع دخوله المدرسة، حيث يتطلّب ذلك مجموعة من الوثائق التي تحدّد بعضًا من ملامح شخصيته: كالاسم، وتاريخ الميلاد ومكانه، وغيرها من البيانات. وهي الوثائق الأولى التي يحتك بها طالب المدرسة.
وهو ما أدركتُه، شخصيًّا كما بقية أقراني، للمرّة الأولى عندما ذهبت مع والدي للتسجيل في المدرسة، وأخذتْ تتوثّق الصلة أكثر مع تسلّم شهاداتي الأولى في المرحلة الابتدائية، إذ تفاجأتُ حينها بأن اسمي في الوثائق الرسمية يختلف عمّا يناديني به من حولي خارج المدرسة، فقد وعيتُ على اسمي مكتوبًا في الشهادة الرسمية هكذا: (حسين بن منصور بن محمد حسن محمد صالح)، وهو الاسم الذي يحار معه المعلمون في مناداتهم لي، فبينما ينادي المعلم أقراني باسمهم الأول واسم العائلة وقد يكتفي بأحدهما، يحار المعلم في اسم عائلتي، هل هو: صالح، أم محمد صالح، أم هي الصالح فاقدة أل التعريف؟!
واستمرّ هذا الوضع معي طوال مسيرتي التعليمية، المدرسية منها والجامعية، وبعد ذلك في المرحلة المهنية. بل إنه أصبح أكثر تعقيدًا مع مرور الوقت، وذلك لأنّ اسم العائلة أول ما دوّن لم يكن (محمد صالح)، وإنما سجّل في حفيظة نفوس الجدّ – رحمه الله – هكذا: (محمد حسين الشيخ محمد صالح)؛ لأن الدوائر الرسمية في ذلك الوقت تلحق بالاسم صفته الدينية في حال كان حاملًا لهذا اللقب، فقد كان جدي الثاني من علماء الدين بالمنطقة.
وبدلًا من أن يكون (الشيخ محمد صالح) اسم الأب لجدي، تحوّل خطأً إلى اسم العائلة. وبعد سنوات، صدر قرار تنظيمي بإلغاء هذه الألقاب وحذفها من الوثائق الرسمية، وتطبيقًا لهذا القرار، تمّ حذف لقب الشيخ من اسم العائلة، وأصبحت (محمد صالح). ولكنّ القرار عدّل بعد مدّة، بحيث يُستثنى من ذلك أسماء الشهرة، ولذلك أرجعت ألقاب: السيد والشيخ وما شابههما وأثبتت في الوثائق الرسمية في حال كانت جزءًا من أسماء الشهرة.
ولذلك لدي شهادات اعتمدت على حفيظة نفوس الوالد، مجرّدة عن لقب الشيخ، وهي شهادات المرحلة المدرسية، فيما صدرت الشهادات الجامعية باسم: حسين منصور (الشيخ) محمد صالح. وقد سهّل عليّ إضافة لقب الشيخ أن أقنع بعض الأساتذة في الجامعة بأن اسمي: (حسين الشيخ) وليس (حسين صالح مثلًا)، ولكنّ ذلك كان أمرًا ممكنًا مع مرور الأيام، ولكنه صعب مع شخص يناديك للمرة الأولى يجد من الأسهل عليه أن ينظر إلى الوثيقة التي تحملها إلى الاسم الأول (حسين) والاسم الأخير (صالح).
تعقيدات متكرّرة بسبب اسم الشهرة:
بالإضافة إلى أن اسم الشهرة الحالي لا يمثّل الواقع اليومي الذي يتعامل معي الناس على أساسه، أواجه – ومعي بقية أفراد أسرتي (الوالد والإخوة والأخوات وأبناؤنا وبناتنا) وبعض أبناء العمومة الذين لديهم المشكلة ذاتها – مشكلات وتعقيدات لا أجد من الصحيح أن يبقى الوضع معها بهذه الصورة إلى الأبد، وكان أولى هذه المشكلات بالنسبة لي ما واجهني في أول التحاقي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، إذ قبلت فيها بعد نيلي الشهادة الثانوية، ودرست فيها السنة الأولى التحضيرية. فقد سجّل اسم العائلة في الشهادة الثانوية مجرّدًا من لقب (الشيخ)، ولأنّ جامعة الملك فهد تجرى فيها معظم التعاملات باللغة الإنجليزية ويتبعون العديد من تنظيمات هذه اللغة، فقد كان من اللازم أن يدوّن اسم العائلة أولًا متبوعًا بفاصلة ثمّ الاسم الأول، بحيث يكون هكذا: (محمد صالح، حسين منصور)، ولكن الموظّف وضع الفاصلة بعد اسم (محمد) نظرًا لأنّ السائد أن اسم العائلة مكوّن من اسم واحد فقط، فأصبح اسمي في البطاقة الجامعية: (محمد، صالح حسين منصور) (بالحروف اللاتينية طبعًا)، ما جعل أساتذة الجامعة ينادونني (صالحًا)، معتقدين بأن اسم العائلة (محمد) والاسم الأول هو: (صالح). وكنت مضطرًّا لشرح الملابسات في العديد من المواقف في الجامعة، وهي حال تُشعر الإنسان بمزيد من التذمّر يضطر فيها إلى التعريف بنفسه وبمزيد من الشرح مع وجود وثيقة رسمية وظيفتها الأساس القيام بهذه المهمّة، وإذا بها تكون سببًا مملًّا لمزيد من التعقيد والإبهام.
ولكنّ الموقف الذي سبّب لي مزيدًا من التذمّر والأذى ما حدث لي سنة 1417ﻫ، وذلك حينما تقدمت إلى إدارة الجوازات بالدمام لاستصدار جواز السفر، ذلك أن الموظف بمجرّد أن وجد اسم العائلة ثلاثيًّا رفض استكمال إجراءات استصدار الجواز، وذلك بسبب صدور قرار، حسب الموظّف، يلزم المواطنين بتعديل الأسماء المركبة وتحويلها إلى أسماء مفردة، ما دفعه أن يطلب مني مراجعة الأحوال المدنية لإجراء التعديل على اسم العائلة (الشهرة). حينها شعرتُ بفرحة غامرة، إذ سيريحني مثل هذا القرار من تعقيدات اسم العائلة كما هو. فتوجهتُ حينها إلى مكتب الأحوال المدنية بالقطيف، طالبًا تنفيذ هذا القرار. ولكنّ الموظّف نفى صدور قرار بهذا الشأن، وألّا إمكانية للتعديل مطلقًا. فراجعت الجوازات لأخبر الموظّف بذلك، ولكنّه أصرّ على وجود القرار، فطلبتُ منه تزويدي بهذا القرار، ولكنه رفض ذلك، مُرجعًا إياي إلى مكتب الأحوال مجدّدًا، وهكذا أخذتُ بالمراوحة بين الدائرتين: الأحوال والجوازات لمدة تجاوزت الأشهر الثلاثة، وأنا حينها لا أزال طالبًا جامعيًّا ولا أملك سيارة تسهل عليّ التنقل بينهما، وكلٌّ من موظفي الدائرتين يرفض تزويدي بخطاب رسمي، فلا الجوازات تقبل بتزويدي بخطاب تطالبني فيه بتعديل الاسم، ولا الأحوال المدنية تزوّدني فيه بخطاب تنفي فيه صدور قرار بهذا الخصوص.
إلى أن أرشدني أحد الأصدقاء بأهمية مراجعة محافظة القطيف والدخول على المحافظ مباشرة لشرح معاناتي مع هذه المشكلة. وهو ما حدث فعلًا، إذ اخترتُ أحد الأيام الذي يكون فيه جدولي الدراسي قصيرًا، لأستقلّ مع نهاية المحاضرات سيارة أجرة إلى المحافظة حاملًا معي كتبي الدراسية. حيث دخلتُ في ذلك اليوم على سعادة المحافظ محمد الشريف، رحمه الله، متأبطًا هذه الكتب، وشارحًا له ما حدث معي، فما كان منه (ره) إلّا أن قدر تلكم المعاناة، فطلب من أحد الموظفين بكتابة خطاب إلى مكتب أحوال القطيف يلزمهم بتزويدي بخطاب رسمي ينفون فيه صدور قرار من هذا النوع وألا إمكانية لتعديل اسم الشهرة. وتسلّمت الخطاب وتوجهت بعدها إلى مكتب الأحوال المدنية وسلمته إلى مدير المكتب، ومن ثم سلّمني خطابًا إلى إدارة الجوازات، حيث استطعت بعدها استصدار جواز السفر، بعد معاناة استمرّت لأكثر من أشهر ثلاثة.
وقد كانت هذه الحادثة شبه شرارة دفعتني حينها إلى بذل ما أستطيعه من جهد لتعديل اسم العائلة، فتوجهت بخطاب إلى مكتب الأحوال المدنية بالقطيف، وتنقلتُ به بين مكاتب الموظفين، دون نتيجة تذكر. ولكني لم أيأس، فتوجهت بخطابٍ آخر إلى إمارة المنطقة الشرقية، حيث أحيلت المعاملة إلى مكتب الأحوال المدنية بالقطيف، لأجد نفسي في الحلقة السابقة نفسها، ولأخرج بخفي حنين أيضًا. وكنتُ بين الفينة والأخرى أسأل بعض الأصدقاء الذين أجد لديهم معرفة أو تجربة مماثلة، فيخبرونني بصعوبة الإجراءات في هذه المسألة واستنزافها للجهد والوقت وتطلّبها لمزيد من المراجعات بين مجموعة من الدوائر الحكومية، ما دفعني إلى حالٍ من اليأس.
بارقة أمل
في ظلّ حالة اليأس التي تملّكتني بخصوص هذا الموضوع، ظهرت بارقة أمل وجدتها في مقطع فيديو متداول من نشرة أخبار على قناة العربية العام الماضي بخصوص بعض التعديلات التي استحدثتها وزارة الداخلية، إذ أصبح – حسب المقطع المتداول – تعديل اسم الشهرة ممكنًا وفق شروط معقولة ذكرها المسؤول الذي استضافته القناة، ولأنّ المقطع وصلني في ظلّ الإقفال الجزئي الذي سببته جائحة كورونا، انتظرتُ إلى أن يكون بإمكاني زيارة مكتب الأحوال المدنية بالقطيف. وقبل مدة نشرت إحدى القنوات الإلكترونية المحلية إعلانًا بهذا الخصوص، ما دفعني إلى حجز موعد والذهاب إلى مكتب الأحوال المدنية يوم الأربعاء الماضي 23/ 6/ 2021م، حيث حوّلني موظّف الاستقبال إلى المختصّ الذي صادف أن يكون من بلدتي، وإذا به يحييني قائلًا: «أهلًا بك (ابن الشيخ)، كيف أستطيع أن أخدمك؟»، فأخبرته بأني أراجعه انطلاقًا من القرار الجديد الخاص بتعديل اسم الشهرة. فشرح لي – مشكورًا – حيثيات القرار وأنه يشمل حالات محدّدة ترتبط بقضية اسم القبائل وفخذ كل قبيلة في حال دوّنت اسمًا للشهرة، وأن القرار بهذا لا يشمل حالتي. وقد كان الموظّف متعاونًا إلى حدّ كبير، وأبلغني عن إمكانية تعديل الاسم، ليس انطلاقًا من هذا التنظيم الجديد، وإنما انطلاقًا من الأنظمة المعمول بها سابقًا، وذلك إن استطعت الحصول على وثيقة تثبت أن اسم الشهرة لإخوان جدّي (أعمام الوالد): (الشيخ)، فعند ذلك يمكن تعديل الاسم وفقًا لهذه الوثيقة.
وقد بحثت ووجدت جواز سفر لعم الوالد سماحة الشيخ جعفر، رحمه الله، دوّن فيه (الشيخ) اسمًا للشهرة، وأنه صدر بموجب حفيظة النفوس الصادرة من الأحوال المدنية. وتوجهت بها إليه في اليوم التالي مع صورة من حفيظة نفوس الجد، رحمه الله. فأبدى مزيدًا من التعاون في حال استطعتُ الحصول على ما يثبت أن صاحبي هاتين الوثيقتين (حفيظة نفوس الجد وحفيظة عم الوالد) أخوان، وأن ذلك ممكن عن طريق صك صادر من المحكمة بحصر ورثة والدهما (جدي الثاني: الشيخ محمد صالح، رحمه الله). فأخبرته بصعوبة ذلك بشكل كبير، فجدي الثاني توفي سنة 1333ﻫ، أي بعد سنتين من دخول الملك عبد العزيز للقطيف، ولا وجود لمؤسسات ودوائر حكومية تسجّل هذه الوقائع حينها، فكيف سآتي بمثل هذه الوثيقة؟!
لم يخفِ الموظّف تعاطفه معي ورغبته في مساعدتي، ولكنه لا يستطيع المضي في مثل هذا الإجراء ما لم يكن لديّ ما يساعده في مهمّته. أبلغتُ الموظف بأنني سأسعى جاهدًا للحصول على وثيقة تثبت أخوة صاحبي هاتين الحفيظتين، فعقّب على ذلك بالتنبيه على أنه في حال استكمال جميع الوثائق المطلوبة، لن تكون هذه المهمة بالسهلة والميسرة، فطبيعة هذه الإجراءات تستغرق سنوات حتى يصدر بشأنها قرار التعديل.
إجراءات رسمية لا توصل المسؤول إلى الواقع الفعلي
ما يدعو إلى الأسف أن الموظّف المختص على علم بصحّة دعوى المراجع، ولا يُستبعَد أنه في حال الاستمرار في الإجراءات المطلوبة أن يكون معظم الموظفين الذين يتابعون هذه المعاملة على يقين بصحّة الدعوى أيضًا، ولكنهم لا يملكون ما يسهل هذه الإجراءات أو يختصرها.
لقد أنشئت هذه المؤسسات والدوائر الحكومية بغرض حفظ وتسجيل بيانات المواطنين ولتكون انعكاسًا تفصيليًّا لما يعيشه المواطنون في واقعهم اليومي، وقد اجتهد الموظفون الأوائل في تسجيل هذه البيانات لتكون انعكاسًا دقيقًا وأمينًا للواقع، ووضعت من أجل ذلك مجموعة من القوانين والأنظمة لتيسير هذه العملية وتنظيمها. ووضعت في المقابل أيضًا مجموعة من الأنظمة والقوانين لتصحيح ما قد يقع من أخطاء أثناء عمليات التسجيل والتوثيق. ومن الطبيعي أن تكتشف أثناء التطبيق بعض الثغرات، بحيث يتمّ تعديلها بين الفينة والأخرى.
كما أنّ تطوّر الوسائل الحياتية وتنامي وتيرتها من شأنه أن يحدث وسائل وأنظمة وقرارات جديدة تسهم في تعديل هذه الأنظمة واقتراح وسائل أخرى تسهل من هذه الإجراءات.
ففي مثل هذه القضية، ألا يمكن الوثوق في مجموعة من الشهود، ليكونوا دليلًا على صحّة الدعوى؟!، وبالخصوص أنها كانت دليلًا في السابق على إثبات صحة النسب وإثبات الملكيات، ولا تزال معمولًا بها في العديد من القضايا في المحاكم الرسمية وأقسام الشرطة؟!
ويمكن بالإضافة إلى مسألة الشهود، الاستفادة من التقنيات الحديثة، وتقريبًا للمسألة، فإن أي مستخدم للهواتف الذكية اليوم، يستطيع حفظ رقم جوال أحدنا، والبحث عنه في أحد التطبيقات وتعرّف اسم صاحبه في ثوانٍ، إذ يستعين التطبيق عمليًّا في ذلك بما أثبته معارف صاحب الرقم من اسم له، ويزوّد طالب الخدمة بما وجده من تسميات. ولا أظن أن وزارات الدولة لا تستطيع إطلاق ما يشبه هذه الخدمة للتحقّق من صحّة دعوى من هذا القبيل، بحيث تكون أكثر دقة وموثوقية.
أرجو أن يوفقني الله تعالى للمضي في هذه القضية وأن يكون ذلك فرجًا لما أعانيه ومعي بقية أفراد الأسرة من صعوبات وتعقيدات لا تنتهي، وبخاصّة عندما يتطلّب ذلك تحويل المعاملة إلى اللغة الإنجليزية، في الجامعات والمستشفيات والبنوك وغيرها من المؤسسات الحكومية والأهلية، وهي حاجة ماسّة في ظلّ قرية كونية فرضتها التقنية الحديثة والتعاملات المعاصرة.
كما أرجو أن يكون تدوينها سبيلًا ومخرجًا يجد معه المسؤول حلًّا مقبولًا ومعقولًا.

‫2 تعليقات

  1. الله يساعدك ابو آمنه هذا وانتوا عندكم وثائق ويش نقول احنا بعد غلافة شهود ما نحصل يوقفوا ايانا

  2. اثناء احدى سفراتي الى دبي التقيت بحارين اثنين من عرب بوشهر الا اني تفاجأت ان لقب احدهما بور والاخر لقبه بوشهري مع انهما اخوين من اب وام
    سالتهما قالا ان تبديل اللقب عندنا يستغرق من اسبوع الى اسبوعين
    ولما سالتهما عن امكانية وقوع الاشتباه نفو ذلك بالقول ان ادارة الاحوال المدنية تكتب في حفيظة النفوس الاصلية ملاحظة تفيد بان صاحب الوثيقة قد غير لقبه من كذا بتاريخ كذا
    وبالتالي تنتفي المشكلة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×