هويدا الجشي.. ترسم.. وتأكل مما تزرع في حديقة بيتها بذور "غريبة" تسافر من باريس وأميركا إلى القطيف

القطيف : ليلى العوامي

قبل عام 2016، كانت ساعات هويدا عبدالهادي الجشي اليومية موزعة بين العمل في الإشراف التربوي، لتدريس الفنون والمشاركة في المعارض التشكيلية، ما ساعدها في تحويل حديقتها المنزلية الصغيرة إلى لوحة فنية مُكونة من خضراوات وفواكه، لتستغني عن الذهاب إلى السوق يوميًا.

هذا الشغف بالخضرة والزراعة، بدأ مع “هويدا” منذ سن السادسة؛ كانت هويدا تتمتع بحس المنافسة مع أختها في زراعة البذور.

وتقول لـ”صُبرة” “في حديقة المنزل؛ أنا وأختي كانت لنا مساحة أحطناها بالحصى، وكتبنا اسمينا عليها، ما جعلنا نتنافس في زراعة البذور التي كانت تجففها أمي، مثل: الطماطم، الفليفلة، البامية، الباذنجان”.

لاحظ الوالدان شغف ابنتيهما بالزراعة والعمل اليدوي. تضيف الجشي كان همنا كل صباح أن نخرج إلى الحديقة ونسقيها، وسعادتنا الكبرى حينما كنا نرى الزهور، والأوراق تبدو مختلفة”.

تشعر الجشي، بالامتنان لتلك اللحظات. وبعدما كبرت وحصدت أولى ثمار حديقتها أهدت الوالدين مما يشتهيان من فواكه وخضراوات، قائلة “أهديهما سلة مملوءة بالخضار والورقيات، وأرى في عينيهما ما غرساه داخلي، فبذرتهما الصغيرة كبرت، وأصبحت تنتج محاصيل زراعية”.

حلم هويدا “لا للتأجيل”

الزمان عام 2016، أما المكان فهو النمسا، شاهدت الجشي أثناء رحلتها السياحية مع العائلة، ذات صباح، فتاة نمساوية تروي حديقة منزلها، كانت هذه الشرارة التي قدحت شغف المزراعة داخلها “طرأ على بالي مجدداً سؤال: لماذا لا أبدأ تنفيد حلمي الذي أجلته مرراً؟ لماذا لا أمارس شيء أحبه؟ منذ هذه اللحظة قلت: لا للتأجيل”.

كان الاطلاع على تجارب المزارعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والالتحاق في الورش التدريبية ممر الجشي للانطلاق إلى عالم الزراعة، مضيقة “كانت الدافع كي أبذر وأزرع وأحصد، معتمدة على نفسي من دون مساعدة من مؤسسات خاصة”.

جعبت المزارعة الهاوية مليئة بالبذور من مختلف الدول التي سافرت إليها، لتبدأ في زراعة الحديقة، لكن مساندة الأبناء لها كان له طعم مختلف، كما تصف “أبنائي انخرطوا معي في حب الزراعة؛ بل ويستمتعون  في أعمال البستنة، فقد امتلئت حديقة منزلنا بالعشرات من الأصص “المراكن”.

من كل بلد بذرة “غريبة”

تسافر البذور من منشأها الأصلي إلى المملكة بفضل هويدا، التي تبحث عن كل ما هو مختلف ونادر، تقول “في إحدى الرحلات إلى باريس؛ وجدت خس صغير ملون ذو وريقات متنوعة”، فاجئ الجشي تأقلم تلك البذور مع حديقة منزلها، رغم التغيرات المناخية، مضيفة “نجحت في زراعة جميع أنواع البذور بنسبة 99%”.

تحولت هدايا الصديقات من العطور إلى البذور الغريبة والشتلات الجميلة من سفراتهن خارج المملكة، على حد قولها “مثل بذور الشمندر الأصفر، الريحان البنفسجي والإيطالي والمجعد، بذور الجزر البنفسجي والكروي، القرنبيط البنفسجي، الخس المجعد الملون والطماطم الأسود”.

لم تكتفِ الجشي بالبذور المسافرة “الغريبة”، لكنها أخذت تبحث في المواقع الإلكترونية عن بذور جديدة يصعب توافرها محلياً.

الفشل سر النجاح

اكتسبت الفنانة التشكيلية خبرة في الزراعة بفضل التجربة والخطأ، فهي في حال بحث دائم عن الدوافع والأسباب لنجاح محاصيل زراعية وفشل أخرى، على حد قولها “سواءً في عملية الزراعة المنزلية، كزراعة القرعيات والورقيات والطماطم، واحتياجات كل محصول بداية من البذرة، مروراً بالتزهير حتى الإنتاج”.

أضافت “اكتسبت من خبرتي في الزراعة أن هناك زهورًا تتلائم مع المنطقة، أنا الآن أستمتع بجلب بذور الزهور الجافة، وأصنفها استعدادًا لزراعتها في الموسم المقبل”.

نصحت الجشي، المزراعين المبتدئين، من خلال خبرتها العملية في زراعة بعض الورقيات العطرية، مثل الزعتر، الحبق، النعناع، الشاي الأخصر والمرقدوش، “أنه من الممكن شراؤها شتلة، ثم يكون تجذيرها بالماء، ومن ثم إعادة زراعتها في التربة، وهو شيء بسيط وكلفته المادية قليلة، ولا يستحق عناء زراعتها من البذور”.

تصنيع السماد العضوي والمبيدات

كان “زينة ونحول” كارتون الجشي المفضل وهي صغيرة، الآن أصبحت تشاهد بنفسها دودة الأرض التي يخرج من فضلاتها سمادًا عضويًا لتغذية النباتات.

تعلمت الجشي كيف تصنع خلطات التربة الزراعية بشكل ذاتي، وأن تخلط تربتها بنفسها؛ قالت “إن التربة المخلوطة التي كنت أطلبها حينذاك من المشاتل المحلية، لا تتناسب مع الزراعة في الأصص الصغيرة “المراكن”، فبحثت عن أفضل الخلطات؛ وهكذا بدأت”.

وعن خطوة تصنيع السماد، اوضحت أنه “من خلال القراءة؛ اكتشفت نوعًا من السماد العضوي اسمه “الكمبوست”، يمكن تصنيعه من بقايا الخضراوات والفواكه وقشور البيض الأوراق الجافة وأوراق الكرتون، وهذا ما جعلني أبدأ في تصنيع سمادي العضوي، بعيدًا عن الأسمدة الكيماوية، وأعتمده في تسميد التربة، كما صنعت المبيدات العضوية للآفات التي قد تصيب النباتات”.

مع مرور السنوات والأشهر ازدادت هويدا صبرًا وهدوءًا، ومع جني أولى الثمرات عرفت معنى آخر للسعادة، كما تصف.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×