[وثيقة] عقد قبل 182 سنة لتأمين 15 قلة تمر لمسجد “حلة الشرقية” في الجش المالك والمستأجر: الأكرم والمكرَّم.. والشهود: الأحقر والأقل..!
القطيف: صُبرة
تصوير جوي: علي أبو الليرات
على الرغم من مُضيّ 182 سنة على العقد؛ ما زال المسجد المعنيّ فيه قائماً حتى الآن. إنه مسجد “الحلة الشرقية” الذي يعرفه سكان بلدة الجش، حالياً، باسم مسجد “أم البنين”. أما البستانان المذكوران في العقد؛ فلم يعد لهما وجود. في مكانهما بيوت كثيرة، تشغل أرض الحي الواقع شمال مدرسة الجش الابتدائية…!
هذا ما تكشف عنه وثيقة تاريخية، من مقتنيات الباحث لؤي سنبل.
فما هي قصة المسجد..؟ وما هي قصة البستانين..؟
6 رجال
في الـ 12 من شهر رمضان المبارك، سنة 1260هـ؛ اجتمع 6 رجال، في قرية الجش، لإبرام عقد بين اثنين منهم، والإشهاد عليه من قبل الأربعة الآخرين.
الطرف الأول في العقد هو كاظم بن سنبل، بصفته مالك ثلث من بستان “الطويلبي” وثلث آخر من بستان “الحديدية”، وهما من بستاتين القرية.
والطرف الثاني هو مزارع اسمه مسلم بن محمد علي بن مرهون، بصفته وكيلاً عن عمه حسين بن مرهون.
وأساس العقد هو تولي عمّ المُزارع مهمة “مُساقاة” الثلثين المحددين في العقد، لمدة 7 سنوات. هذا العقد هدفه رعاية ثلث البستانين، وتشغيلهما، والحصول على الثمار.
لكنّ للعقد فرعاً ثانوياً لا يستفيد منه المالك مباشرة، بل أحد مساجد القرية. ونوع الاستفادة هو توريد 15 قلة تمر سنوياً. أي توفير طعام مجاني للمصلين ورواد المسجد.
هذه الـ 15 قلة؛ هي “الصُّبرة”؛ التي تعود على المالك سنوياً من المستأجر. وفي العقد؛ لم يطلب المالك “الصُّبرة” لنفسه، بل لصالح مسجد في القرية.
وبعد تحرير العقد؛ وثق الرجال الأربعة الآخرون شهاداتهم، وهم: إبراهيم بن عبدالله بن سعيد الجارودي، عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله بن سعيد الجارودي، علي بن محمد بن فارس، صالح بن علي العكري.
منظر جوي عام للمكان الذي كان يقع فيه بستانا الطويلبي والحديدية
مهام دقيقة
تنصّ بنود العقد على تولّي الطرف الثاني مهامّ محددة، حسب عرف ذلك الزمن في “المساقاة”. وحسب العقد؛ فإن على المزارع آل مرهون القيام بمهام تشغيل الموقعين المحددين، بنفسه، أو من يقوم مقامه:
1 ـ توفير مادة “النبات”، وهي لقاح النخيل.
2 ـ تولّي مهمة تلقيح النخيل “التأبير”.
3 ـ عملية الريّ.
4 ـ ويُجمل العقد المهام بـ “غير ذلك مما يلزم عامل المساقاة أجمع، بثمرتهما”، وهذا يعني رعاية النخيل إلى ما بعد الصرام، وتخزين التمر.
5 ـ تمّ تحديد المدة 7 سنوات كاملات متواليات.
المسجد من الجهة الشرقية الغربية
المقابل: خنيزي وأبيض
ومثلما كانت المهام محدّدة بشكل دقيق؛ كان العائد “الصُّبرة” محددة أيضاً:
1 ـ يتم تسليمها إلى متولي مسجد حلة الشرقية في الجش. والمتولّي غير محدّد الهوية في العقد، وهذا طبيعي، لأن المسؤولين عن رعاية المساجد يتغيرون.
2 ـ ما يُسلّمه المستأجر لمتولي المسجد هو 15 قلة تمر، وقلة التمر في القطيف تحتوي على 32 كيلوغرام، وهذا يعادل “منّين”، كل من يزن 16 كيلوغرام.
3 ـ حدّد العقد نوع التمر بدقة، فهناك 7 قلّات من صنف “الخنيزي” المعروف، و8 قلّات من أصناف “الأبيض”. والأبيض هو اصطلاح زراعي في القطيف يشمل كلّ أصناف الرطب الأصفر. وهذا يعني أن المستأجر لديه خيار اختيار أي صنف “أصفر” في القلات الـ 8 فقط.
4 ـ يستمر تسليم قلّات التمر لمتولي المسجد طيلة مدة العقد: 7 سنوات كاملات متواليات.
موقع المسجد من الشارع العام الحالي
الأكرم.. المكرم.. الأقل.. الأحقر
يُلاحظ في نص العقد استخدام صفات “تبجيل” في بداية متن العقد، مقابل استخدام صفات “تحقير” في نهايته. وقد بدأ العقد بوصف المالك بـ:
الرجل الأكرم الحاج كاظم بن سنبل
كما وصف المستأجر بـ:
جناب الرجل المكرم مسلم بن الحاج محمد علي بن مرهون.
وهذا التوصيف ورد في صيغة ضمير “الغائب”، ولذلك حرص محرّر العقد على التحدث عن طرفيه باحترام.
أما حين أدلى الشهود بشهاداتهم؛ فإنهم استخدموا صيغة “الغائب” أيضاً؛ ولكن بصفة “المتكلم”، لذلك تحدثوا بتواضع غريب عن أنفسهم، باستثناء الشاهد الرابع الذي وُضع اسمه مجرداً:
1 ـ الأحقر إبراهيم بن عبدالله بن سعيد الجارودي
2 ـ الأقل عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله بن سعيد الجارودي
3 ـ الأقل علي بن محمد بن فارس
4 ـ صالح بن علي العكري.
وهذه اللغة التوصيفية ـ تبجيلاً للآخر وتحقيراً للذات ـ متعارف عليها في ذلك الزمن. وقد استمرّ هذا النوع من الاستخدام اللغوي حتى عهد قريب في القطيف. وهو تقليد متبع عُرف عن العلماء، فسلك مسلكه سائر الناس في مكاتباتهم وعقودهم.
صورة الوثيقة
1 ـ بسم الله، ساقا (ساقى) الرجل الأكرم الحاج كاظم بن سنبل جناب الرجل
2 ـ المكرم مسلم بن الحاج محمد علي بن مرهون، بوكالته عن عمه حسين
3 ـ بن الحاج مرهون، الجميع أهل الجش، على أصول ثلث كل واحد من
4 ـ النخلين المسميين بالطويلبي والحديدية الكائنين بسيحة
5 ـ الجش، مدة سبع سنوات كاملات متواليات [مبداهن]
6 ـ التاريخ الآتي، وآخرهن انقضا المدة على أن يعمل فيهما هو
7 ـ أو من يقوم مقامه عمل عامل المساقاة من نبات وتنبيت
8 ـ والسقي بالما في كل دور، وغير ذلك مما يلزم عامل المساقاة
9 ـ أجمع، بثمرتهما، وعليه أن يدفع إلى متولي مسجد حلة
10 ـ الشرقية، من مساجد الجش، في كل سنة من السبع السنين
11 ـ خمس عشرة قلة تمر، سبع خنيزي، وثمان أبيض، زنة كل قلة
12 ـ منوان القطيف، وجرا (جرى) ذلك، وصح عليه الإشهاد باليوم الثاني
13 ـ عشر، من شهر رمضان المعظم، سنة 1260 الستين بعد المائتين
14 ـ والألف.
يشهد بما رُسم الأحقر إبراهيم بن عبدالله بن سعيد الجارودي
يشهد بما رُقم الأقل عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله بن سعيد الجارودي
يشهد بوكالته مسلم والبيع وقبض الثمن الأقل علي بن محمد بن فارس
يشهد بذلك صالح بن علي العكري.
أقترح أن يتم إعادة أسم المسجد إلى مسجد الحلة الشرقي وهذا للمحافضة على الأسماء التراثية خصوصاً بأن أسم مسجد الحلة مستخدم إلى الآن وتم تغييره الى مسجد أم البنين منذ حوالي الثمان سنوات
ماشاء الله
دقة عالية في إبرام العقد في الماضي على رغم من كون العقد رعاية نخيل إنما يدل على الاهتمام وتعلق القطيفي بالارض وهي جزء من حياته وروحه
لا تجد عقد رعاية مزارع في الوقت الحالي بهذه الدقة وكذلك الألقاب بالاكرم والاحقر
عموما موضوع رائع جدا وشيق
وفقكم الله لكم خير