العلم والدين: تصادم أم تكامل..؟ مباني رؤية الهلال نموذجاً

المهندس ناجي عبدالله العيثان

  • اليوم الشرعي هو الأساس ومدته أربعة وعشرون ساعة والشمس والقمر يحددان أوقات العبادات على الأرض
  • الفلكيون لا يستطيعون تحديد بداية الشهر الفلكي أو الشرعي بدون مباني أو معايير من الفقهاء
  • الفقهاء لا يستطيعون تحديد بداية الشهر الشرعي بمعزل عن الفلكيين والا وقعوا في الخطأ
  • باعتماد السيد فضل الله والسيد الحيدري المطلق على الحسابات الفلكية في الرؤية حصل بينهما اختلاف
  • بإغفال اليوم الشرعي يكون العيد يومين وبإغفال اليوم والشهر الشرعيين يكون العيد أربعة أيام
  • بضرس قاطع، مبنى اختلاف الأفق/المطالع هو الصحيح والآخر فيه اجتماع نقيضين

                  

قد تبدو العناوين صادمة لمن يدعون الى الاعتماد على الشهر الفلكي في تحديد بداية الشهور ولكن بالبحث أو بالرجوع الى المتخصصين في علم الفلك ربما يغيرون رأيهم. علم الفلك من العلوم المعقدة ولكن بوسع غير المتخصصين والمتطفلين (وأنا واحد منهم) أن يحصن نفسه ضد الشائعات والشبهات بقليل من المعرفة المبسطة ذات العلاقة.

بداية الهلال الفلكي (الشهر الفلكي)

يبدأ الهلال الفلكي بعد لحظة المحاق (الاقتران) وعمر الهلال صفرا ويعتبر أن الأرض والشمس والقمر عبارة عن نقاط (وهي المراكز) تسير في الفضاء، فإذا ما التقت هذه المراكز على استقامة واحدة وكان القمر في المنتصف، حدث الاقتران، ولحظة الاقتران المركزي هي لحظة عالمية واحدة ويحدث ذلك في أية لحظة من الليل أو النهار، إذ لا علاقة للموقع الجغرافي في ذلك.

ومجازا هناك اصطلاح الاقتران السطحي لأن عملية رصد الهلال تتم من على سطح الأرض وليس من مركزها وإلا هما اقتران واحد. بالطبع فإن لكل منطقة على سطح الأرض موعدها المختلف لحدوث الاقتران، وخير دليل على ذلك هو كسوف الشمس، فهو اقتران مرئي، ومن المعروف أن مواعيد الكسوف تختلف من منطقة لأخرى ويبلغ أقصى فرق بين الاقتران المركزي والسطحي حوالي ساعتين، في حين يبلغ أقصى فرق في الاقتران السطحي بين منطقتين مختلفتين لنفس الشهر حوالي أربع ساعات.

وبما أن الشهر الفلكي يعتمد أساسا على الاقتران سوف نأخذ وقت لحظة الاقتران لشهر شوال 1442 في عدد من البلدان (مرتبة من الغرب إلى الشرق) للتوضيح:

البلد: وقت الاقتران (التوقيت المحلي)

  • ديترويت أمريكا:  الثلاثاء 14:00
  • بيروت: الثلاثاء 21:00
  • الاحساء: الثلاثاء 22:00
  • أبو ظبي: الثلاثاء 23:00
  • طوكيو اليابان: الأربعاء 04:00
  • سدني استراليا: الأربعاء 05:00

وهناك معايير تستخدمها بعض البلدان لتحديد بداية الشهر الفلكي منها:

  • بداية اليوم الأول من غروب الشمس الذي يلي المحاق
  • بداية اليوم الأول من طلوع الفجر الذي يلي المحاق
  • بداية اليوم الساعة ١٢ مساءً الذي يلي المحاق
  • حساب الاقتران السطحي
  • حساب الاقتران المركزي

ويتضح أن هذه المعايير لا تستند إلى مقياس فلكي أو شرعي لبداية الشهر الفلكي، وفعليا الشهر الفلكي قابل أن يكون شهرا شرعيا فمثلا في المعيار الأول لو حدث المحاق بعد غروب الشمس مباشرة سوف يبدأ الشهر الفلكي بعد 24 ساعة تقريبا من المحاق.

أيضا “غالباً يصل الفرق في الشهر الفلكي إلى ثلاثة أيام وأحيانا أربعة أيام مثل ما حصل في شهر شوال 1442 وشوال 1426 ورمضان 1427 ونادراً ما يكون الفرق يومين ولكن لم نجد خلال السبعين سنة الماضية أن اتحدت دول العالم الإسلامي في أن تبدأ صيامها في اليوم نفسه أو تبدأ عيد الفطر المبارك في يوم واحد، إذ تشير النتائج السابقة إلى أن الفروق تراوحت بين ثلاثة إلى أربعة أيام” د. حميد النعيمي عميد كلية الآداب والعلوم في جامعة الشارقة: 31 يوليو 2008

 بداية الشهر الشرعي عند الفلكيين

يبدأ إذا ابتعد القمر بعد لحظة المحاق بزاوية مناسبة عن الشمس بحيث يصبح قادراً على عكس ضوء الشمس إلى الأرض ليُرَى بشكل هلال نحيل أي يصبح بالفعل مرئياً للمشاهد وهي الطريقة الصحيحة فقهياً وفلكياً لرؤية الهلال، ويُتَحرى الهلال بعد غروب الشمس. والغروب لا يحدث في الكرة الأرضية في وقت واحد بل يحتاج إلى أربع وعشرين ساعة، فإن اليوم يدخل في كل الكرة الأرضية خلال أربع وعشرين ساعة، وبذلك يكون المسلمون جميعا في كل مكان قد صاموا وأفطروا في اليوم نفسه بالمعنى الشرعي، وليس بالمعنى الجغرافي لليوم الذي يبدأ في الساعة الثانية عشرة ليلا وهو اصطلاحي حدد بخط وهمي على الكرة الأرضية لاعتبارات تنظيمية. فتحري الهلال يكون بعد غروب الشمس بغض النظر عن الموقع الجغرافي والصوم والافطار يكون يوما واحدا بالمعنى الشرعي لليوم.

وهذا ما ذهب أو يذهب إليه معظم أساطين الفقهاء.

وأما الفريق الآخر من الفقهاء (اجتهدوا مقابل النص الفلكي) في تحديد بداية الشهر الشرعي في حين أن اليوم الشرعي هو الأساس. هم أخذوا بالهلال الشرعي واجتهدوا في تحديد بداية الشهر فجاءت تفريعات الأفق الواحد بين الاشتراك بجزء من الليل ومنتصف الليل والبلاد القديمة وغيرها فأصبح بداية الصوم يومين والعيد يومين. وآخرون لم يأخذوا باليوم الشرعي ولا بالهلال الشرعي فوصل بداية الصوم والعيد الى أربعة أيام. والبعض أوصله اجتهاده أن يشكل على مبنى اختلاف الأفق بأنه غير قابل للتطبيق بسبب أن الأرض كروية واستشهد بأدلة كثيرة على كروية الأرض ولو أن الأرض مسطحة لأصبح قابلا للتطبيق.

والسبب الرئيسي في عدم معرفة اليوم الشرعي هو الاعتماد على خط وهمي متعرج يمينا وشمالا منبوذ عن الجزر الآهلة بالسكان القريبة منه جاثم على الكرة الأرضية وعلى صدورنا وبسببه عشنا في دوامة طيلة السنين الماضية اختير في موقعه لأسباب تنظيمية هو خط التاريخ الدولي. في هذا الشهر كان العيد معنا يوم الخميس (على مبنى اتحاد الأفق) وفي استراليا يوم الجمعة ولو كان موقع الخط الوهمي على خط طول صفر لأسباب تنظيمية لكان يوم العيد في استراليا الخميس ومعنا الجمعة وفي كلا الحالتين يومين شرعيين ولو ألغي هذا الخط للأبد سيصبح العيد يوما واحدا شرعيا ولا وجود لليومين الجغرافيين.

يقول الله تعالى “الشمس والقمر بحسبان” فالشمس والقمر يحددان أوقات الفرائض على الأرض موطن العباد، فالشمس لتحديد أوقات الصلاة والقمر لتحديد بداية الصوم والأعياد والحج وللقمر مطالع كما للشمس.

الخلاصة: ينبغي الآن أن تضيق دائرة الإختلاف وتبقى المنطقة الرمادية التي يصعب فيها توقع رؤية الهلال وهذه تحتاج إلى الرؤية الحسية، لا الإعتماد على الفلكيين لأن معايير الفلكيين مختلفة (وهذا ليس قصور في علم الفلك وإنما بسبب عوامل أخرى) وهذا سبب الاختلاف بين السيد فضل الله والسيد الحيدري في تحديد بداية شهر شوال 1440. السيد فضل الله يعتمد على معيار عودة فقط والسيد الحيدري يعتمد على الاتفاق بين معياري عودة ويالوب، وعند اختلافهم ينتقل إلى اكمال العدة. والمقصود بالرؤية الحسية، العين المجردة والعين المسلحة وتفرعاتها وهذا لا شأن للفلكيين فيه. وأما رأيي الشخصي والمنطقي أن العين المجردة مقياسها العين البشرية وحتى العين الخارقة للعادة لا تُقبل للشهادة إذا رآه واحد رآه خمسون. وأما العين المسلحة لا يوجد لها مقياس ولذلك وقع الاختلاف بين الفقهاء في درجة الرؤية المطلوبة في ثبوت الهلال هل هو المنظار أو المرقب أو السي سي دي كاميرا (CCD)  وتأتي معها الوسائل الإضافية كطائرة الهليكوبتر وعلى أي ارتفاع والباب مفتوح.

بدون علم الفلك المكلف لا يستطيع تحديد القبلة اذا كان في الصحراء وعليه الصلاة في أربع اتجاهات ولا أعتقد يوجد نص قطعي وشرعي يعارض مبنى اختلاف الأفق وإلا أصبح فيه تصادم بين الدين والعلم، ومبنى اتحاد الأفق قطعا غير صحيحة لأن أساسها خط وهمي.

عدم الإعتماد على البيانات الفردية فيما يخص رؤية الهلال وإن كانت من رجال الدين فقد يقع الإشتباه والإعتماد على لجان الإستهلال الموجودة في المنطقة. تكرر هذا العام الادعاء برؤية الهلال بالعين المجردة في حين لم يُرَ بتلسكوبات لجان الاستهلال الذين هم أيضا يتواصلون مع لجان أخرى خارج منطقة الأحساء والقطيف كالنجف وقم والبحرين والمدينة المنورة (وكل لجنة تتكون من عدة فرق) إلا بصعوبة في بعض الأماكن وبالعين المجردة في أمريكا.

أرجو أن يصل هذا المقال للعلماء الأفاضل للرد عليه من قبلهم مباشرة أو بالتنسيق مع أحد مكاتب السيد الخوئي فيما يتعلق في مبنى وحدة الأفق وإلا اعتماد المبنى الآخر.

‫2 تعليقات

  1. للتوضيح فقط

    اليوم الشرعي مدته ٢٤ ساعة “ويبدأ من غروب الشمس” وإن كان واضحا من خلال السياق

    وأنا ذكرت أن الخط الوهمي منبوذ لأنه يسبب مشاكل للساكنين حوله وسؤالي للعلماء والمشايخ الفضلاء

    لو فرضا كان هناك بارجة جزء منها شرق الخط الوهمي والجزء الآخر غربه، أي يوم كان العيد في البارجة

    انتظر الإجابة قبل بداية ذي الحجة القادم

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×