بسطة حسن.. رواق المشائين
عبدالإله التاروتي
” بسطة كتب” هكذا كانت البداية وهكذا تلقى الناس المشروع فكرة وممارسة.
ويبدو أن هذه التجربة المعنونة بالاسم السابق سرعان ما تدخل المتلقي – وهنا – هم رواد البسطة ليفرض اسما اخر؛ لم يختره صاحب المشروع نفسه؛ بل ربما كان مجالا خصبا للاستفسار عن عدم الثبات على الاسم؛ وكانت إجابته على السؤال هذا العنوان لم أتبناه، بل لم يدر بخلدي أن أصبغه بعنوان بسطة حسن.
وهنا علينا أن نقرأ هذه التجربة من خلال هذه الحركة التفاعلية فيما بين المرسل والمتلقي؛ بين مدير المشروع؛ والمخاطب بهذه الفكرة وهم الناس فرد/ مجتمع.
إذ تحول من مجرد متلقي ومستقبل وحسب؛ إلى شريك في هذا التجربة بل قد تتحول هذه المشاركة في مدياتها المتوسطة والبعيدة وبفعل الصيرورة إلى ذاكرة اجتماعية تأخذ مفاعيلها وتداعياتها الإيجابية في الساحة الثقافية إن على مستوى تجربة الأفراد أو على صعيد الفعل والحراك الاجتماعي، طبعا ضمن متغيرات اللحظة الزمنية والإمكانات المتاحة لدى صاحب المشروع بوصفه فردا لا مؤسسة.
وهذا المتغير علينا أن لا نغيبه عن الذهن ونحن في سياق قراءة تجربة “بسطة حسن”.
وفي ظني لقد التقط الأخ والصديق العزيز الأستاذ حسن آل حمادة هذه اللقطة والعلامة الفارقة في مشروعه عندما وجد مقدار التفاعل وإن شئت فقل: فائض الحب الذي صاحب البسطة من يوم خروج الفكرة من القوة إلى الفعل والتنفيذ، ولا تزال هذه الجرعة تتلمس طريقها بفعل هذا الأكسير المتجدد من الحب!.
أقول: اقتنص “آل حمادة” هذه اللحظة المدهشة لذا تراه يترجم هذا التناغم في العديد من الآليات الميدانية من خلال الاستفادة مما يمكن تسميتها بتقنية (مهارة المشورة)؛ وهنا لا أكشف سرا إن قلت بأن ممارسة الأستاذ حسن لهذا التكتيك وهذه المهارة أتاحت له فرصة ثمينة ليربط أبناء المجتمع بمشروعه وبذلك بأن يوجد حالة من التبني للفكرة مما يعطيها فرصة النمو والارتقاء على صعيد تطويرالفكرة بل وتمددها في أكثر من مساحة وموقع جغرافي.
على سبيل المثال: فكرة عش الكتب هذه الفكرة الرائدة لم تنزل من السماء هكذا دون مقدمات كانت الأساس في تدشين الفكرة.
وبدايتها كانت إهداء من قبل إحدى الأخوات للصندوق الذي يشغل الآن موقعه على حائط منزل الأستاذ حسن تحت مسمى (عش الكتب)؛ حيث قدمته للأستاذ حسن كي يوظفه ويستفيد منه حسب ما يراه مناسبا؛ وحيث أنه يجعل من التواصل الإنساني خير وسيلة لدعم الفكرة والمشروع فقد تقبل الإهداء واشتغل على الاستثمار الأمثل بالشكل الذي يخدم مسيرة تجربته في إشاعة مناخات القراءة والكتاب كواحد من مجموعة خطوات سابقة كان قد اشتغل عليها ولا يزال على ذات الشوكة.
فما كان منه إلا أن طرح مسألة اختيار اسم يطلقه على الصندوق شرط أن يحكي واقع الحال مع متصل مشروعه مع الكتاب.
وهذا ما تم فعلا حيث اقترح عليه أحد الأصدقاء بأن يطلق على مشروعه اسم (عش الكتب) وهنا باشر الأستاذ حسن ليدشن مشروع عش الكتب في لحظة وطنية غالية على كل مواطن ألا وهي (اليوم الوطني) موزعا فيه عددا من الكتب بالمجان.
ومن تلك اللحظة الوطنية.. أعطى عش الكتب امتدادا تصاعديا آخر ألا وهو تحويل (عش الكتب) إلى شبه معرض دائم للكتاب؛ ليس كما هو السائد في الصالات المغلقة بل من خلال مشاركة رواد العش إلى أخذ كتاب مع مقترح لطيف يتضمن تزويد العش بالإهداء من قبل مرتاديه عبر رفده بالكتب التي ليسوا في حاجة إليها لسبب أو آخر؛ إذ لعل هناك مستفيد آخر من القراء أوالمهتمين بموضوع الإصدار يبحث عنه فلا يجده. وهنا أيضا نجد الإضافة الإنسانية الجديدة في خط إنتاج مشروع العش وهو ما يعني بأن (عش الكتب) تحول إلى منصة اقتناء واهداءات متبادلة بشكل عفوي وانسيابي يعكس في محتواه مقدار التناغم فيما بين الفكرة والجمهور؛ ولعل هذه هي من أهم أدوات نجاح أي مشروع ثقافي تنموي؛ لأن أي مشروع أو فكرة هي لا تنطلق من وإلى المجهول؛ كما أنها لا تعني بمن هم خارج نطاق الاستفادة؛ بل نجاحه يتحقق بمقدار ارتباط هذا المشروع أو ذاك باهتمامات الناس وتلبية احتياجاتهم.
وفي العموم قد صاحب عزيزنا الأستاذ حسن آل حمادة حظ وافر من هذا التوفيق فيما يطرحه من رؤى وأفكار تطبيقية غير تنظيرية في الساحة الثقافية. دعم ذلك كله وعززه كونه كاتبا ومؤلفا؛ حيث أعطته هذه الخاصية قدرة على الاستجابة الواعية لقراءة الواقع الثقافي وما تتطلبه الساحة من تجارب ستجد قبولا من لدن الناس ومتلقي هذه التجربة أو تلك.
ومن منصة حس المؤلف والكاتب؛ فقد خرج بمشروع بسطة حسن إلى فضاء الكلمة المنشورة حيث انبثقت من رواق البسطة المفتوح عدة كتب واصدارات بعضها يطبع الطبعة الأولى والبعض الاخر إعادة طباعة…
وقد ساعد آل حمادة إلى تحقيق هذا المنجز الثقافي – حسب التصور – مجموعة من الأمور تأخذ مفاعيلها بشكل كلي تكاملي من حيث المقدمة والنتيجة ومنها:
▪︎ الروح المبادرة
من يتعرف على الأستاذ حسن عن قرب يجد هذه الخاصية متوفرة لديه بشكل ملحوظ على صعيد العناية بالكتاب تبشيرا به أو المساعدة في تبصير من يرغب من الكتاب والأدباء في طباعة ونشر ما بحوزتهم من نتاج تعوزهم الخبرة في إدارة النشر والطباعة وما تتطلبه من إجراءات رسمية، وهنا لا يبخل الأستاذ حسن آل حمادة في امداهم بما توفر لديه من تجربة في هذا السبيل.
ومن باب المصداق العملي على هذا المدعى؛ أحب أن أشير إلى تجربتي الشخصية في هذا الأمر؛ وذلك فيما يتصل بإصدار وطباعة كتابي (الشيخ علي المرهون رواية مجتمع وتجربة حياة) الصادر عن دار القاريء- بيروت- لبنان 1429 – 2008 .
إذ سرعان ما تناهى إلى علمه عملية الانتهاء من عملية صف وإخراج الكتاب حتى بادر بمد يد المساعدة في فتح خط اتصال فيما بيني وبين صاحب الدار البيروتية؛ حيث تم التواصل واتمام عملية الطباعة ولله الحمد. وفي ذات السياق مع ذات الكتاب فقد كان صاحب المقترح المتصل بعملية توقيع الكتاب في مسجد العلامة الشيخ علي المرهون على أن تكون بعد صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبدالغني العباس – حفظه الله – إذ تم تنفيذ الفعالية في 13ربيع اول 1429
وقد تناولت، في حينها، وسائل الإعلام هذه الفعالية باعتبارها أول حفل توقيع لكتاب خارج أروقة المعارض والصالات المغلقة.
أقول: ما جاءت فعالية توقيع الكتاب إلا بفضل مبادرته في الاقتراح الدافع نحو المزيد من الحراك الثقافي الفاعل.
وما نشاهده بين الفينة والأخرى من استضافة (بسطة حسن) لعملية توقيع لإصدار من قبل أحد المؤلفين أو المؤلفات إلا تعبيرا عن هذه الروح الجميلة.
▪︎ التخصص الجامعي
شغل الأستاذ حسن آل حمادة وظيفة معلم بحث ومكتبات؛ تبعا لتخصصه الجامعي (علوم المكتبات) وهذا يعني أنه يتحرك في مشروعه من أرضية تخصصية وليست من موقع الهواية أو تزجية الوقت. وهذا يعني أنه ومن موقعه كمعلم وجد فيما يشغله من دور يستلزم غرس حب الكتاب والقراءة في نفوس الجيل الناشىء من طلاب المرحلة الثانوية وغيرهم من المراحل التعليمية الأخرى؛ فمضافا إلى الوفاء بمتطلبات المقرر الدراسي؛ عمد إلى تحفيزهم وتدريبهم على كتابة المقال أو القصة أو أي نشاط كتابي يقوم به الطلاب حتى ولو على مستوى إلقاء نص قد راق لهذا الطالب أو ذاك.
▪︎ علاقاته الإنسانية
من سمات الأستاذ حسن آل حمادة تمتعه بشبكة علاقات إنسانية طيبة استطاع عبر توظيفها التوظيف الأمثل في مشروعه الذي يشتغل عليه وذلك من خلال دماثة خلقه؛ الأمر الذي سهل له الانطلاق في مد جسور التواصل بكل يسر وأريحية دون أن يصاحب ذلك تكلف أو رسمية تقف حائلا دون الأهداف الجميلة. كما وعلى ذات متصل العلاقة الإنسانية نجده قد استفاد كذلك من الشبكة العنكبوتية عبر المواقع الافتراضية تويتر؛ فيس بوك؛ استغرام وغيرها من الوسائل مستفيدا من إمكاناتها المفتوحة والعالية في وضع ثقافة القراءة والكتاب على تماس مباشر مع المشترك معهم في الحسابات الافتراضية المذكورة، باتحافهم تارة بالتعريف بإصدار جديد؛ أو التنويه بكتاب في سياق معرفي متنوع؛ أو التعليق على معلومة قد ظفر بها أثناء مطالعة أو من خلال حوار ومثاقفة. لذا فالحالة الإنسانية في ممارسة الأستاذ حسن آل حمادة؛ سمة بارزة كان لها دور هام وأصيل في تعزيز فرص نجاح مشروعه الذي يديره.
▪︎ زيارة معارض الكتاب:
اهتمامه في زيارة المعارض المحلية كمعرض الرياض الدولي؛ والخارجية كمعرض البحرين الدولي؛ ومعرض دبي للكتاب. أعطته فرصة ليراكم من خلالها تجربته مع الكتاب كقارىء ومؤلف وناشر؛ وفي مرحله لاحقة يدير (بسطة كتب) لعرض وتسويق الكتاب ضمن أسعار هي في متناول يد الجميع بل ويتسامح في كثير من الأحيان.
وعملية حضور المعارض عملية مهمة خصوصا فيما يتصل برصد المنتج الثقافي لما له من انعكاسات وتجليات على أكثر من صعيد تنموي اجتماعي.
▪︎ تقديم الدورات وورش العمل
يتحرك الأستاذ حسن في إدارة مشروعه من خلال اقتناعه بضرورة الاستفادة بأكبر قدر ممكن من الفرص المتاحة التي تتوفر لديه ومنها الدورات، ورش العمل التي يقيمها بين فترة وأخرى في أكثر من موسم ثقافي على المستوى المحلي أو من خلال الدعوات التي توجه إليه لإقامة ورشة عمل حسب الفئة العمرية المراد توجيه ورشة العمل أو اللقاء لها؛ أو عبر الواقع الافتراضي خلال جائحة كورونا.
وبذلك فقد رسم خطا تصاعديا في القرب من الناس وهو ما يساعد من دون شك في شرح وجهات نظره حول مشروعه الذي يمارسه؛ وكذلك يساهم هذا الحضور الميداني في تقريب وجهة نظره لمن لم يكن على اطلاع على أصل التجربة وأبعادها المرجوة. وهو ما يعني الدفع نحو الدعوة في استنساخ التجربة لتكون حاضرة في كل زاوية وكل شارع وكل مكان عام؛ فهو وهو يعقد ورشة العمل فإنه لا يخرجها عن الواقعية وإمكانية التطبيق للفكرة مهما بدت صغيرة في أول أمرها إذ سرعان ما تكبر وتدهش المشاهد للمستوى الذي وصلت اليه.
ختاما …تجربة الأستاذ حسن آل حمادة على صعيد خلق المناخات الإيجابية نحو الاشتغال بالكتاب باعتباره وعاء حضاريا متقدما؛ من التجارب الحيوية والمهمة والتي تمثل قيمة مضافة تضاف إلى رصيده الشخصي، وفي ذات الوقت تعكس الروح الإيجابية التي صاحبته من قبل أبناء مجتمعه في القطيف ومن مختلف الأعمار والمستويات التعليمية والاهتمام الثقافي المتنوع باعتبارها الحاضنة الطبيعية التي تضاف إلى حقيبة المكتسبات التي أفرزتها تجربة الاستاذ حسن في (بسطة حسن) كواحدة من المحطات التي تقيس بدرجة أو أخرى؛ درجة الاهتمام بالكتاب مطالعة وتأليفا في الوسط الاجتماعي الثقافي في مجتمع القطيف؛ وهي علامة فارقة تسجل لبسطة حسن؛ ولمناشط ثقافية أخرى ساهمت ولا تزال ترفد هذا الوسط بما يزيد من مفاعيل الكتاب كفعل حضاري متقدم؛ ولنكتب من جديد (بسطة حسن.. رواق المشائين).