[the_ad_group id="83"]
[the_ad_group id="90"]

[7] قبس من سماء رمضان

[the_ad_group id="91"]

الدكتورة رانية الشريف العرضاوي*

 

[the_ad_group id="92"]

{وألقى الألواحَ وأخذَ بِرأسِ أخيهِ يجرُّهُ إليه قالَ ابنَ أُمَّ إنّ القومَ استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تُشمت بيَ الأعداءَ}.الأعراف/150:

لمّا رجع كليم الله من ميعاد ربه بعد أربعين يوما، وقد أُعطي الألواح السبعة على أصح الأقوال، وفيها تشريع لبني إسرائيل، كان أن وجد قومه قد فتنوا بعبادة العجل الذهبي بإمامة السامري، وكان نبي الله هارون مستخلفا فيهم.

[the_ad_group id="100"]

[the_ad_group id="93"]

وكان أن غضب موسى عليه السلام وحزن ودُهش من فعلهم، حتى ألقى الألواح أو سقطت من يده فتكسّر منها جزء، وسلِم الباقي. والألواح هي ما يُكتب عليه من خشب ونحوه، أو ما يكون في بناء السفينة. واللوح: العطَش، فكأنّ الخشب في عطش للمداد ليُكتَب عليه به، أو في عطش للماء فيكون لوحا في سفينة. وجاء المشهد الموصوف في الآية الكريمة ليصوّر بلوغ كليم الله مبلغ الغضب والانفعال حدّ تساقط الألواح من يده. وحدّ موقفه العاتب من أخيه النبي هارون عليه السلام : (وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه).

 وفي ذلك مشهد حاصل بين أخ غاضب ظنّ تقصيرا من أخيه – الذي يكبره بثلاثين سنة – في القيام بمهمّة حفظ القوم، ومن جهة أخرى، أخ عُلمت رحمته ولينه :(ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا). فتأتي الصورة مكينة متحركة بينهما: طرف موسى الغاضب الحزين الأسيف، وطرف هارون الرحيم المُلام. ويظهر هنا مقام حواريّ في خطاب الأخوّة، فالأخ الأصغر عمرا، الأعظم نبوّة، الأكثر بركة على أخيه بطلبه للنبوة: (وأخي هارون أفصح مني لسانا فأرسله معي) هو الطرف الأول، والطرف الثاني الأخ المساند الرحيم الذي وقع تحت عتب شديد من أخيه وبدأ بالتوضيح متجنبا الشماتة. ويظهر في خطاب الأخوة هذا الكلمة العجيبة التي غيّرت مجرى غضب الكليم وهدّأت منه وأنهت الحال: ( ابن أُمّ). إذ يتقدّم كلام هارون بها مصورا صيغة بلاغية، فالنداء في الجملة معلوم على حذف (يا) النداء لمناسبة مقام الانفعال وموقف تهدئة الغضب، وهو مقام سرعة القول باختيار أقل الكلمات وأوفى المعاني. ثم انظر إلى (ابن أُمّ) وما فيها من معان عجيبة، أولها يظهر من أحد وجهيها في الإعراب الذي يرى بأنها اسم مركب مبني على فتح الجزأين في محل نصب على النداء.

فتغدو اسما واحدا له جزآن : ابن وأمّ، وذلك يدل على تلازمية بنوة موسى لأمه من جهة، وتلازمية أخوة موسى لهارون من جهة أخرى. ويكون التذكير بأمه استجلابا للحنان والرحمة والرقة، فهي المحضن لكليهما، وهي أمه التي عُلم صبرها وفعلها واحتسابها ويقينها بربها، (وتفصيل ذلك في سورة القصص). فيكون ذكر الأخوّة بطرف الأم استجلابا للرحمة، بينما لو ذَكر الأخوّة بطرف الأب لكان استجلابا للقوة والتعصيب.

وهو في مقام عتب شديد وغضب عارم من أخيه، والغضب قوة علاجها مرات يكون باستدرار الحنان والمحبة وليس القوة المواجهة. فجاءت صيغة (ابن أمّ) مناسبة تماما بلطف خطاب الأخ لأخيه الذي هو شقيقه.

وفي هذا التناسب كذلك تذكير لموسى بأصله الأول المتمثل في قصة مولده وبطولة أمه فيها؛ خاصة وأنّ من  معاني (الأم) القصد والأصل، وكذلك الاتباع. ففي هكذا خطاب يكون الاستمطار لرحمة موسى بأخيه، والاستحضار لحنوٍّ مرجوٍّ بين الأخوين بذكر مصدر وعَلَم الحنان أي الأم. ثم انظر إلى اللطيفة في صورة العتب بين الأخوين الكريمين: (أخذ برأس أخيه يجرّه إليه) ففعل الأخذ هنا على ما فيه من معنى الجذب الشديد خاصة مع اقترانه بالجر، هو يحمل صورة الحميمية بينهما عليهما السلام؛ فموسى هنا يُسارر أخاه هارون، ويضمّه إليه بجذب شديد ليستفهم منه، وذلك تصوير بجملة الحال (وأخذ برأس أخيه) فحاله في الكلام مع أخيه حال المسارر بسر وليس المعلن به.

وهذا يحصل بين الأخوة في ركوب أطباق الحياة المختلفة. ورغم شدة الموقف، كان من هارون التلطف والتحنّن على تقدّم سنّه. وفي ذلك طرح لخصائص خطاب الأخوة، فإن برزت جهة الشد تكون جهة التحنّن في مقابلها. وإن سبق العتب على الاستيضاح، كان التوضيح البليغ بالتذكير برباط الأخوة من جهة الأم أو الأب طريقا ناجعا للعلاج.

والدليل انتقال مقام العتاب والفعل الغاضب من موسى إلى مقام الاستغفار على ذلك : (اغفر لي) على فعلي بأخي، فحسنات الأبرار سيئات المقربين كما يقال، ثم (ولأخي) لتشمله بركة دعوة النبي التي ختمت باستدرار الرحمة عبر الدخول في كنف أرحم الراحمين : ( وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين). ومثل هكذا عرض لخطاب الأخوة، فيه من دروس العفو والرحمة وحسن الظن والإحسان والاعتراف بالاقتراف والعودة ما فيه. وهي دروس يمكن أن نجد تفصيلها أكثر في خطاب الأخوّة بين يوسف عليه السلام وإخوته في مقام آخر إن شاء الله. وهنا يمكن القول بأنّ خطاب الأخوة بين النبيين الكريمين عرَض سياقا واقعا في يومياتنا بين الأخوة ولكن بمراتب مختلفة ودرجات متفاوتة، بيد أننا في عوز شديد لإنهاء أطراف غضبه وعتبه وخلافه بالدخول في رحمة أرحم الراحمين، اقتداء بفعل النبيين الكريمين عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام.

والله أعلم

——-

* أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية، جامعة الملك عبدالعزيز.

[the_ad_group id="94"]

[the_ad_group id="95"]

[the_ad_group id="96"]

[the_ad_group id="97"]

[the_ad_group id="98"]

[the_ad_group id="99"]

[the_ad_group id="105"]

[the_ad_group id="106"]

[the_ad_group id="107"]

[the_ad_group id="108"]

[the_ad_group id="881"]

[the_ad_group id="882"]

[the_ad_group id="883"]

[the_ad_group id="884"]

[the_ad_group id="885"]

[the_ad id="78557"]
زر الذهاب إلى الأعلى