أزمة “اقتصاد لغوي” في جيل القطيف الجديد: إلْقَيمات..؟ أم قَيْمات..؟
القطيف: صُبرة
الموضوع ليس سطحياً مطلقاً، وليس احتجاجاً عابراً أفصح عنه شابٌّ تاروتي من مستخدمي فضاء “فيس بوك”. بل هو موضوع علميٌّ حقيقي، يعرفه علماء اللسانيات بـ “الاقتصاد اللغوي”..!
أين الصواب في استخدام الوجبة الرمضانية الشهيرة: هل هو إلْقيمات..؟ أم قيمات..؟ ولماذا..؟ وهل هناك خطأٌ في أحد الاستخدامين..؟
علي العرادي، شابٌّ من جزيرة تاروت، عمره 33 سنة. كتب في صفحته الشخصية بـ “فيس بوك” منشوراً قصيراً جداً، قال فيه:
ياجماعه الخير الناس الي تسمي لقيمات..؟ ترا اسمه قيمات قيمات قيمات من وين طالعين لقيمات”. الشاب قال لـ “صُبرة” إنه ـ منذ نشأ ـ لم يعرف هذه الوجبة إلا باسم “قيمات”. لكنه في السنوات الأخيرة؛ لاحظ أن الناس يسمونها “إلقيمات”.. وهذا هو محلّ استغرابه..!
المنشور القصير جداً؛ جرّ ـ حتى الآن ـ 29 تعليقاً، لم يُناصره حد فيها إلا اثنان. هما رياض الدغام الذي علّق على العرادي بقوه “أحسنت قيمات”، وحسين حسين عبدالله الناصر الذي قال “احنا عندنا اسمه قيمات”.
ضد الـ “قيمات”..!
أما الباقون؛ فكانوا في الضدّ.. هناك أمينة المسكين التي ردت حازمة “اسمه لقيمات.. جمع لقمة.. يا أخ علي العرادي.. انتو من وين جايبين قيمات؟!”. ومثله قصي النجار “لقيمات أصح، وحذفت اللام للتخفيف”.
وحاول فاضل البكري الذي مازح العرادي بقول “ما عليه سامحهم..لقيمات أصح.. قيمات دي لهجتنا المحليه الجميلة”. وحسم حسن العوامي قائلاً “اسمه الْقَيْماتْ”.
التاروتي محمد آل حماد، علّق بقوله “إلقيمات.. وليس قيمات حبيبي ابو حسن”.. ونصحه بالعودة إلى سكان تاروت فقال “تأكد من أهل الوقف.. ترى يسموه إلقيمات”.
وتواصلت الردود؛ مُرجعة التسمية إلى أصلها اللغوي: “لُقمة” التي تُصغّر إلى “لُقيمة”، ومن ثم جمع الاسم المصغّر ليكون “لُقيمات”.
ولأن الأسماء المصغّرة ـ في القطيف ـ يتحوّل فيها الحرف الأول المضموم إلى “ال” بهمزة وصل، صار اسم الوجبة “إلقيمات”، تماماً مثلما يحدث مع كلمات كثيرة: بُكيرة، بُكيرات: ابكيرات، وُرقيقة، وريقات: اوريقات، عمّة، عُميمة: اعميمات، حبّة، حُبيبة: احبيبات، قطرة، قُطيرة: اقطيرات.. إلخ
سماعية
مدوّن آخر اسمه مهدي حسن خاطب العرادي “علاوي المشكلة ممكن سماعية أو لأن كبار السن يسمون باختصار ال التعريف ولكن اسمه المتعارف عليه القيمات”. وقالت سهى خليفة “احنا نسميه لقيمات، والصح لقيمات، من لقمة القاضي مو صح قيمات”.
أما علي عاشور فاحتج ضاحكاً فقال “الصحيح إلقيمات.. لا قيمات ولا لقيمات”. وحسين المغيزل رد “ليش قيمات.. الأصح انها لُقَيمَات؛ تصغير جمع لُقْمَة؛ لُقَيمَة. والله اعلم”. وأضاف مُشيراً إلى أهزوجة طفولية “ماسمعت أنشودة: اماه امبى لقمة واللقمة من البرمة”.
أما أمين صفوان؛ فقدم شرحاً لا يخول من طرافة بقوله “في الأساس كانت لقيمات ولكن مع ضريبة القيمة المضافة صارت قيمات”..!
ومثله الشاعر الشعبي محمد سعيد الدبيسي الذي كتب مازحاً “استهدوا بالله .. نحتاج محكمة لفك الخلاف”.
واحتجّ جميل السادة بالحديث النبوي القائل “حسب بني آدم لقيمات يقمن صلبه”.
لكن حسن علي الجشي علّق بتعليق لافت جداً.. بقوله “لا القيمات ولا قيمات.. اسمه القديم تلاقيم”، وهي إشارة خبير إلى اصطلاح كان متداولاً في القطيف، ثم اختفى..!
تعليق علمي
التعليق الوحيد الذي التفت إلى جوهر الاستخدام اللغوي صاحبه عبدالجبار علي.. هذا المدون كتب “اسمه الصحيح لقيمات.. بس حنا لان اهل القطيف قيمات اسهل لينا بالنطق”. هذه التلميحة هي الإشارة العلمية اللسانية الأقرب إلى تفسير طريقة نطق الكلمة..
كيف..؟
يعرف علماء اللسانيات ظاهرة عالمية تُسمّى “الاقتصاد اللغوي”. وتعريفها المبسّط يقول إنها “بذل الجهد الأدنى”. أي أن الناس يفضلون بذل جهد أقلّ في الكلام، فيحذفون بعض حروف الكلمة، أو يدمجون كلمات في كلمة واحدة. ولا يحدث ذلك بين ليلة وضحاها بالطبع، بل تتطلّب زماناً طويلاً من التناول والتداول المتسارع في حياة الناس.
كلمة “لُقيمات” التي تُنطق ـ شعبياً ـ في الصيغة الصوتية “إلقيمات”؛ بدأت تفقد الجزء “ال” من الكلمة. وصاحب المنشور علي العرادي، عاش 33 سنة؛ ولا يعرف الوجبة إلا باسم “قيمات”. وهذا يعني أن الكلمة بدأت تتآكل في استخدام الناس.. وليس غريباً أن يصبح الاسم السائد بين الناس بعد أجيال “قيمات”، لا “القيمات”..!
نماذج أخرى للاقتصاد اللغوي في لهجة القطيف:
- هداويش: هذا أي شيء.
- دكلحين: ذلك الحين.
- دوّهْ: هذا هو.
- هَدُوهُوه: هذا هو.
- هَدِهِيه: هذه هي.
- وَشْرَنْقُه: أي شيء رنقه (لونه)
النماذج كثيرة.. وفوق الحصر.
أتفق مع الأخ حسن علي الجشي بأن التسمية الصحيحة هي تلاقيم. ولعلها تسمية خاصة بأهل القلعة.