تجربة محافظة العُلا وتطوير السياحة في القطيف
حبيب محمود
بدعوة مشكورة من الهيئة الملكية لمحافظة العُلا؛ حصلت على 3 أيام ونصف يوم؛ في أحضان جبال هذا الجزء الثمين جداً من وطننا الكبير. ففي الأيام الأخيرة من شعبان؛ أطلق سمو ولي العهد مشروع تخطيط العلا، ضمن مشروع مستقبل كبير، أطلقه سموه قبل أكثر من عامين.
عدتُ مُنهكاً لكثرة ما مشيتُ على قدميّ في الحِجر ومملكة دادان وجبل عكمة، والديرة القديمة، ومسرح المرايا، ومسارات الفن والثقافة والريف.. ومحاورة الناس..!
احتجتُ إلى أيام مماثلة لأتخفف من آلام النصف الأسفل من جسدي، بعد كل ما مشيتُ وتجوّلتُ ووقفتُ لأصغي إلى “راويات” مواقع الآثار، بنات العُلا الكريمات، وهنّ يتحدثن عن إرثهنّ التاريخي والأثري بحبٍّ وشغف ومعرفة، وبلغاتٍ متعددة..!
الدهشات مؤكدة، والنشوات مركّبة؛ إعجاباً بما شاهدتْ أمُّ عيني، خاصةً أن الرفقة مثقّفة، ومشروكة بقيادات إعلامية وأساتذة جامعات ومثقفين لهم أثرهم في الوطن…!
وعلى ما كان التعبُ الجسدي يُشاغبني؛ كنتُ أرى القطيف في العُلا. رأيتُ أرضها الغنية بالنخيل والحمضيات، سكانها الطيبين، شبّانها المتحمسين، بناتها المشرِّفات.. كلُّ ذلك أراني مسقط رأسي ـ القطيف ـ المتكئة على خليج أزرق في الناحية الشرقية من وطننا.
صحيح إن القطيف ليس لديها 111 مدفناً مثلما هو مكتشف في جبال “الحِجر”، ولا محفورات جبلية كما في دادان، ولا نقوش وكتابات تعود إلى العصر الحجري؛ كما في جبل عكمة..
مع ذلك؛ في القطيف مُقوّماتٌ أثرية وتاريخية محلّ تقدير حقيقي من قبل أجهزة الدولة في المنطقة، وموضع اعتزاز لسكان المحافظة الرابضة على تاريخ 5 آلاف سنة.
ويمكن وضع محافظة العُلا، والتجربة الثرية للهيئة الملكية فيها، كدرسٍ للمسؤولين عن السياحة والآثار والخدمات ومشاريع التنمية في المنطقة الشرقية عموماً، وفي محافظة القطيف بوجه خاص.
هناك مفرداتٌ واعدة جداً ومرئية في القطيف، في اتجاه العناية بالمناطق التاريخية والأثرية، والريفية، والشواطيء، وأنشطة السياحة الداعمة. هناك تسهيلات جريئة قدّمتها أجهزة في المحافظة، لمؤازرة الشباب في المشاريع الصغيرة في الشواطيء والمواقع كثيفة التنزُّه، وهناك أفكار في طريقها إلى التنفيذ، حسبما يصدر عن بعض مسؤولي المحافظة بين آونة وأخرى..
هذا كله موجود؛ وجدير بالاعتراف به، بوصفه من أيادي الوطن البيضاء في هذا الجزء الساحلي الريفي العريق من بلادنا.
مع ذلك؛ يجدر بالعاملين على تطوير المحافظة ـ سياحياً بالذات ـ أن يدرسوا تجربة الهيئة الملكية في محافظة العُلا، وأن يطّلعوا على تفاصيلها عن كثبٍ، وأن يشاهدوا تلك المفردات الصغيرة رأي العين. فعلى الرغم من ضخامة مشاريع تطوير العُلا، واستهداف 38 ألفاً من سكّانها ليكونوا المشغلين الفعليين لأنشطتها بحلول عام 2035؛ على الرغم من ذلك؛ لم يغب حتى “سعف النخيل” عن الواجهة في رسم هوية المحافظة أمام السياح..!
حتى سعف النخيل لا يُستغنى عنه في العُلا، حتى أغصان الإثل لها من يستخدمها، حتى الطين، حتى حتى حتى.. إلى آخر ما يُدهش ويُبهج وتأسف معه على أن تُغادر أرضاً تُحَبُّ؛ مثل هذه الواجهة التي أصبحت بمثابة “بئر نفط” اقتصادياً وثقافياً وحضارياً وإنسانياً..!
المسؤولون في القطيف قادرون على صناعة الكثير، وهم ينشطون على ذلك، وجهدهم مقدَّرٌ ومحمول على الشكر. لكنني أدعوهم إلى تشكيل فريق من كلّ جهازٍ معني، ليزور العُلا ويدوّن الدروس المفيدة من هذه التجربة الوطنية الجديرة بالإعجاب.
اقتراح جميل من الأستاذ حبيب، نأمل أن تتجاوب معه الجهات المعنية خصوصاً وأن مشروع توسعة شارع الملك عيد العزيز قد يتسبب بإزالة بعض المباني القديمة بحي القلعة لها قيمة تاريخية وتشكل عامل جذب سياحي، لذا نناشد المسؤولين-عبر هذه الصحيفة الموقرة- بالمحافظة عليها وترميمها وتطوير المنطقة المحيطة بها. ستدر ذهباً.