ما أوجع الفقد يا خليصي.. !
ليلى العوامي
ظهيرة الثلاثاء ٢ يناير٢٠١٨م فقدت خليصي محمد (أبا جواد) الذي أوجعنا فقده وكسر ظهورنا وكبّلَ حياتنا بالألم، وأصبحنا نبتسم لنحيا، ونكذب على أنفسنا بأن الحياة جميلة واليوم وفي ذات اليوم وذات الظهيرة أثبتت لنا الحياة فعلاً بأنها الجميلة القبيحة.
ظهيرة الثلاثاء ٩ فبراير ٢٠٢١م أفقد أخي الثاني حسين “أبوعلي” يا رب ما أوجع الخبر..!، وما أصعب التصديق..!
لم أستوعب العبارات التي خرجت من لسان زوجي وهو يقول لي ” ما أدري كيف أقول لك الخبر ولكن يقولون أخوك حسين توفى”.
“توفى”..!؛ خرجت من لسانه كالرصاصة لتصيبني، لحظة وقوع الكلمة في سمعي شعرت أن روحي تنسل من جسدي، لقد أصاب القدر روحي يا أبا باسل بلسانك، عادت روحي لكنها كالطير الذبيح، وبقي جسدي بلا حراك، أو قدرة على البكاء والصراخ.
حينها ضربت ضربتين بيدي على طاولتي وأزحت الكرسي الذي أمامي حتى سقط على الأرض حزينًا لحزني.
قلت لزوجي ” كيف يرحل الثاني؟ كيف له أن يرحل وأنا لم أنس الأول بعد؟”.. كأني هنا كنت قاسية وضعيفة الإيمان حاولت جاهدة أن أصل لمكان آخر كي أجلس، كي أصحو من كابوس باغتني فجأة وأنا مستيقظة، يا رب.. كيف للكوابيس أن تأتي بلا نوم..!.
كذّبت الخبر، “حسين مات” كيف؟ كنت أحادثه البارحة وكان يضحك معي، وقال لي: “خية.. رجعتي من العمرة؟، تقبل الله ” قلت له: نعم، ودعوت لك بطول العمر والرزق.
ضحك وقال: رسلتي ليي رسالة يوم الخميس تطلبي براءة الذمة، ما يحتاج تطلبي مني براءة الذمة؛ فأنا من يسألك براءة الذمة”
وفي نهاية المكالمة قال لي:” خية تحتاجي شي؟ “، ضحكت وقلت له: يسلم راسك، أريدك سالماً”
كان هذا آخر ما تحدثنا به ليلة الثلاثاء.
تلك الدموع التي سقطت تباعًا على خدي بعد سماع خبر رحيله لم تكن عادية، فقد شكلت أخدودًا من الألم، وزرعت أشواكًا لا تستطيع بسببها قدماي أن تمشي على الأرض، فقدت السيطرة على الحركة والحديث، حتى البكاء كان يرفض البوح.
رحيل محمد لم ننسه أبدًا وإن لم نستمر في البكاء، ولكننا كنا نتحسر كل يوم وكل لحظة، والآن ازددنا حسرة أخرى وألمًا آخر.
ياااااه ما أوجع ضربات الموت على قلوب الأحبة..! وما أعجب الذكريات حينما تأتيك شريطًا باللون الرمادي وتحاول أن تتبع سنواتك السابقة، لكنّ هناك غمامة على عينيك لا تعرف لماذا؟ أو تعرف لماذا ولكنك تكذب”
موجع رحيلك أبو علي، لقد أعدت لي شريط الذكريات، ذكريات الطفولة الجميلة واللَّعب سويًا والصراخ والبكاء.
عادت بي الذكريات حينما كنت أرى دمعتك، تلك التي تنحدر سريعاً لأي شيء يحدث في العائلة، لفرح كان أو حزن.. أيها الطيب بصمت، الحنون الذي تنجذب إليه عروقنا دون أن نشعر.
أمي ماتت ملامحها حزناً على أخونا محمد، واليوم زادت تجاعيد ألمها حزًنا عليك. ولا أخفي عليك حال أخواتك فأنت تعلم سر لا يعلمه أحد، تعلم كيف نحزن، وكيف نبكي، لذا أترك الوصف بلا تعبير.
أخوك علي بقي وحيداً، أخواه وسنده رحلا عنه، فبقي يجابه الحياة وحده، يبكيكما وحيداً، وودعكما وحيدًا، وشيعكما وحيداً، وصرخ يا الله وحيداً.
أولادك البارحة كانوا يبكون، رضا الصغير لم يعد صغيراً، وعلي بدا أكبر منا سناً، وكوثر حبيبتي التي ذاقت طعم اليتم، كانت كالذبيح على الأرض، تنعاك بدموعها وصوتها اليافع وتتحسر (أبويي مات وما فرح بتخرجي من الثانوية) (أبويي كان فرحان إني بتخرج وينتظر هاليوم) (لكن أبويي مات)، عبارات أحسست أنها تنهش قلبي، ها هي الشابة الحالمة تجلس القرفصاء بين خالاتها وتبكي أباها.
حسين..
تعال في حلمي ياخليصي وأخبرني: أكنت تستعد لأن تلحق بأخينا محمد دون أن تُخبرُنا؟
الله يرحمه برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان..
انا لله وانا اليه راجعون
عظم الله اجركم واحسن عزاكم .وان لله وانا اليه راجعون.
إنا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
عظم الله أجوركم ورحم الله الفقيد بواسع رحمته.
الله يرحمه بواسع رحمته ويصبركم ع فراقهم .. الفقد صعب ومؤلم وليس بيدنا الا التسليم والرضا . ان لله وان اليه راجعون?
الله يعطيكم الصبر على قدر مصيبتكم. وهذه هي الدنيا قادم ومرتحل.
رحمهما الله بواسع رحمته وأعظم لكم الأجر.