[تعقيب] الجنبي يؤكد أمانة القبائل السنية مع الشيعة.. ويوضح: أملاك أسرة “أبو السعود” سلبها آل حُميد وصف زمن الدولة العثمانية بالطغيان على سكان القطيف والأحساء.. وتأسيس الإقطاع الزراعي

ملاحظات حول مقال الأستاذ عدنان العوامي

أملاك أسرة آل أبي السعود سُلبت في حقبة حكم آل حُمَيْد وليس في حقبة حكم العثمانيين، والوثائق تؤكد

العفالق والعميري كانا عند حسن ظنّ الأسرة عندما ائتمنتهم على بساتينهم، فأرجعوها بكل أمانة عند زوال حكم آل حُميد ومجيء حكم الدولة السعودية الأولى

عبدالخالق عبدالجليل الجنبي

بداية أحبُّ أن أشير إلى جهود الأستاذ عدنان العوامي الواضحة في عملية التنوير التاريخي التي يقوم بها فيما كتبه وما يكتبه حتى الآن، وهو عَلَمٌ في ذلك لا يحتاج إلى شهادة مثلي بحقه، وما سأكتبه هنا هو من باب الاختلاف في الرأي الذي لا يُفسد للودّ قضية.

كما لا يفوتني أن أشير إلى انّ وُلاة الدولة العثمانية عند احتلالهم للقطيف والأحساء قاموا بأعمال فظيعة جداً من قتلٍ لسكان الواحتين، وسلب أملاك الكثيرين منهم، وهو أمرٌ موثّقٌ في أرشيفها من خلال الكمّ الكبير لرسائل السكان المتظلمين من ذلك؛ كما إنّ هؤلاء الولاة استخدموا أثناء هذا الاحتلال نظام الإقطاع الجائر الذي امتصّوا من خلاله أموال القطيفيين والأحسائيين على السواء دون رحمة.

أمانة أخواننا السنة

ولا يفوتني أيضاً أنْ أشير إلى تلك المبادرات الشجاعة، والأمانة التي أبدتها بعض الأسر والأفراد من المكوّن السنّي في المنطقة لحفظ أملاك بعض القطيفيين الشيعة، وذلك بالاتفاق مع رجال الأسرة على نقل ملكيتها لهم بشكل صُوَرِيّ، ثم إرجاعهم لهذه الأملاك إلى أهلها بكل أمانة، وبصورة تعكس ما كان عليه سكان المنطقة شيعة وسنة من تصافٍ وتآخٍ ومودّة حينها.

إلا أنّ الإنصاف وتحرّي الدقة في كتابة تاريخ المنطقة يجعلني أطرح رأيي في أنّ الوثائق التي عرضها الأستاذ العوامي في صحيفة صُبرة الإلكترونية بتاريخ 14 يناير 2021م؛ في بحثه المعنون بـ:

[وثائق] قبائل سنيّة حمت أملاك شيعة القطيف من اضطهاد الأتراك؛

اشتروا بساتينهم صُوريّاً .. حتى لا يصادرها العثمانيون .. ثم أعادوها إلى أصحابها بعد انجلاء الغُمّة).

هي وثائق لا تشير إلى سلب العثمانيين لهذه الأملاك من آل أبي السعود، ولا تعنيهم أصلاً، فالاحتلال العثماني لم يكن له وجود أثناء تكوّن هذه الأسرة الكريمة، والتي تكوّنت بعد سقوط الدولة العثمانية بعقدٍ أو أكثر؛ كما إنّ احتلال العثمانيين الثاني للأحساء والقطيف تمّ بعد سقوط الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ، وهو تاريخ متأخر عن تاريخ كتابة هذه الوثائق كما سنرى، وبالتالي فإنّ تاريخ هذه الوثائق والأحداث التي ذكرت فيها يقعان خارج نطاق السيطرة العثمانية على المنطقة، وإنما كان ذلك في فترة حكم آل حُميْد للقطيف، والتي امتدت من العام 1082هـ وحتى العام 1211هـ.

وثائق أسرة أبي السعود

والوثائق الثلاث التي عرضها الأستاذ عدنان في بحثه المشار إليه كلها تخصُّ الأسرة القطيفية الكريمة (آل أبي السعود)، وآلُ أبي السعود ينتسبون إلى جدّهم أبي السعود (الأول) بن محمد بن بيات، وبيات جدُّ أبي السعود كان حيّاً وزعيماً في العام 1040هـ بدلالة وثيقة كتبت في هذا العام، ولا زالت محفوظة حتى الآن،[1] وهذا يعني أنّ وفاته كانت بعد هذا التاريخ، ويعني أيضاً أنّ ابنه محمداً كان من أهل النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، وكذلك حفيده أبو السعود (الأول) الجد الأعلى للأسرة؛ الذي يُفترض أن يكون مولده في هذا النصف، وأدرك القرن الثاني عشر؛ بدلالة أنّ أخاه محمد بن محمد بن بيات ورد كشاهد في وثيقة وقف لأحد أفراد أسرة آل عمران كتبت في 1111هـ.[2]

ولم يخلف أبو السعود (الأول) سوى ولدٍ واحدٍ فقط انحصر نسله فيه، وإليه يعود جميعُ آل أبي السعود الموجودون الآن في القطيف؛ ألا وهو عز الدين بن أبي السعود؛[3] الذي كان حيّاً سنة 1119هـ لأنه في هذا العام تصدّق ببعض أملاكه على رجل اسمه موسى بن حسن آل دارين ليوقفها هذا الأخير عليه – أيّ على عز الدين – وعلى أولاده وبناته بعده؛ كما هو مذكور في وثيقتين كُتبتا في يومٍ واحد؛ هو اليوم العاشر من ذي القعدة لعام 1119هـ،[4] وهو ما يبدو أنها حيلة شرعية عمل بها عز الدين بن أبي السعود ليحرز بساتينه الكثيرة الجليلة التي ورثها من أبيه أبي السعود عن يد بعض المتنفذين في هذا التاريخ المكتوب في هاتين الوثيقتين، والذي يصادف مرور 37 سنة على استيلاء آل حُميد الخالديين على حكم القطيف بعد إزالتهم لحكم الدولة العثمانية عام 1082هـ، ويقع – على وجه التحديد – في فترة حكم سعدون بن محمد بن غرير آل حميد؛ الذي حكم في الفترة (1103 – 1135هـ)، وقد دوّن القطيفيون عموماً ما أصابهم من ظلم من حكام آل حميد، ومن ذلك البيتان الشهيران اللذان ذكرهما ابن بشر[5] لأحد أدباء القطيف وقتها، والذي يقول فيهما:

رأيت البدو آل حــمـيد لمـــا

تولوا أحدثوا في الخط ظلمآ

أتى تاريخهم لما تـولـــــــوا

كفانا الله شرّهم (طغى الما)

وتذكر الوثائق الثلاث التي عرضها الأستاذ العوّامي أسماء نخيل كان أفراد من آل أبي السعود قد نقلوا ملكيتها إلى أفرادٍ كانوا يثقون بهم من أبناء السُّنّة حتى ينقذوها من استيلاء بعض حكام آل حُميد عليها آملين أن يسترجعوها من هؤلاء الأشخاص في وقت لاحق إذا تغيّرت الأحوال إلى الأحسن، وكل هذا الذي ذكرته يمكن الاستدلال عليه من هذه الوثائق ذاتها، فهو واضحٌ فيها كلّ الوضوح كما سنرى من هذه الدراسة الخاصة لها، والتي تحاول تسليط الضوء على تاريخ إنشائها، وما ورد فيها من أحداث تاريخية، وسأتحدث عنها وفق ترتيب الأستاذ العوامي لها في مقاله.

الوثيقة الأولى:

وهي وثيقة غير مؤرخة، ولكن ورد فيها أسماء ستة بساتين نخيل لآل أبي السعود، وهي:

  1. البدراني: (وهو نخلٌ معروف غربي الجارودية).
  2. شطيب الحَلّا[و]: (يقع في سيحة بردان التابعة لسيهات).
  3. العمارة: (يقع في سيحة الهليلية غربي الجش).
  4. القليتي: (لا أعرف موضعه؛ إلا إذا كان محرّفاً عن الفنيني، فهو في سيحة السلاحف غربي أم الحمام الآن).
  5. الغرسات: (لا أعرف موضعه).
  6. الكليبي: (يقع في سيحة الجش).

كما ورد فيها اسما رجلين نعرف على الأقل الحقبة التي عاشا فيها؛ أولهما: “عبد الرحمن بن محمد ابن عفالق“، وهو الذي نُقلت أملاك البساتين تحت اسمه، وثانيهما: “أبو السعود” فقط من غير زيادة، وهو المالك الأصلي لهذه البساتين.

وعبد الرحمن بن محمد بن عفالق هو – على الأرجح – ابن الشيخ الذائع الصيت محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل عفالق المبرَّزيّ الأحْسَائيّ المتوفى عام 1163هـ، وعلى ذلك يكون ابنه عبد الرحمن من رجالات النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري (1150 – 1199هـ)، وأما الرجل الثاني، فهو أبو السعود (الثاني) بن أبي القاسم بن عزّ الدين بن أبي السعود الأول؛ الجدّ الأعلى لآل أبي السعود كما سبق وذكرت، وأبو السعود الثاني هذا ورد اسمه في حال حياته؛ في وصيّة عمّته فاطمة بنت عز الدين بن أبي السعود (الأول)، والتي كُتبت عام 1156هـ؛[6] كما ورد كشاهد في وثيقة التصدّق الوهمي لابن عمه الشيخ حسين بن إبراهيم بن محمد بن بيات المدوّنة عام 1179هـ،[7] وأبو السعود (الثاني) هذا هو والد نصر الله الجد الأعلى لآل نصر الله من آل أبي السعود، وكان زعيم أسرة آل أبي السعود في وقته، وهو أيضاً المعني بقول العفالق في هذه الوثيقة:

النخيل المنتقلات من أبي السعود إلي“.

وقوله فيها أيضاً عن هذه النخيل وبيعها له:

وإنما هذا مواطاة على صورة قصدنا بها نفع أبا السعود عن يدٍ غاشمة تخرج نخيل أبا السعود من يده“.

وشهد على هذه الوثيقة ثلاثة شهود، وهم:

  1. محمد بن حسين بن عفالق.
  2. عبد الله بن محمد بن عفالق.
  3. علي بن عبد النبي بن عمران.[8]

وعلى ضوء ما تقدم يكون تاريخ إنشاء هذه الوثيقة في بداية دخول القرن الثالث عشر الهجري، وقد تكون بالتحديد بعد العام 1200هـ وهو العام الذي تولّى فيه عبد المحسن بن سرداح حكم القطيف باسم ابن أخته دويحس بن عريعر، وقام بإعادة أملاك آل أبي السعود المغصوبة إليهم كما سنرى لأنه من غير المعقول أن يقوم ابن عفالق بردّ بساتين آل أبي السعود إليهم قبل تولي عبد المحسن وقيامه برد أملاكهم الأخرى إليهم.

من أبي السعود إلى العفالق

وأما تاريخ تحويل هذه النخيل من قبل أبي السعود بن أبي القاسم بن عزّ الدين بن أبي السعود إلى العفالق، فأرى أنّه هو ذاته – أو قريباً من – تاريخ وثيقة التصدّق الوهمي لابن عمه الشيخ حسين بن إبراهيم بن محمد آل بيات، وهو العام 1179هـ،[9] والتي أرى أنها كُتبت لذات السبب، وهو الخوف من سلب النخيل المذكورة فيها من قبل عدوٍّ متنفذ، وعلى ذلك يكون الخوف على سلب هذه النخيل قد تمّ في عهد الحاكم عريعر بن دجين بن سعدون بن محمد آل حُميد الذي حكم بين (1166 – 1188هـ)، وشهدت فترة حكمه نزاعاً دموياً بينه وبين رجل يسميه بعض المؤرخين: حمادة، وبعضهم يسمّيه: حميدة من فخذه آل حميد، وقد وصل الأمر إلى أن تمكّن هذا الرجل من طرد عريعر من القطيف والأحساء، فهرب إلى جلاجل، ولكنه عاد بعد مدة واسترد البلدين من هذا الرجل، فلعل أبا السعود وابن عمّه الشيخ حسين البيات انحازا إلى حمادة أو حميدة الحميدي هذا بعد طرده لعُريعر بن دجين مما هيّج سخط عريعر عليهما بعد انتصاره واسترداده للقطيف والأحساء منه، ولعل أبا السعود وابن عمّه البيات أحسّا بذلك منه، فقام الأول بنقل ملكية بساتينه إلى عبد الرحمن العفالق كما في هذه الوثيقة وغيره كما في وثيقة العميري الآتية، وقام ابنُ عمّه الشيخ حسين بكتابة وثيقة التصدُّق الوهمي بحيث إنه باع بعض أهم بساتينه على رجل من القطيف اسمه محمد بن عبد الله أبو عزيز على أن يوقف هذا الأخير تلك البساتين على الشيخ حسين وأولاده بعده لأنّ الوقف كان له قداسة خاصة تمنع أي حاكم من أخذه بعكس الإرث، وهو ما سبق وفعله عز الدين بن أبي السعود قبل ستين عاماً في الكثير من بساتينه خوفاً من استيلاء سعدون بن محمد بن غرير ثالث حكّام آل حميد عليها كما يدلُّ عليه الوثيقتان المشار إليهما في أول البحث.

الوثيقة الثانية[10]

وهي وثيقة غير مؤرخة أيضاً، ولكنّ ما في باطنها يشي بتاريخها، فقد ورد فيها ما هذا نصُّه:

أما بعد، فمن كانت عنده شهادة قاطعة جازمة بأنّ النخيلات التي اغتُصِبَت من آل أبي السعود، فصارت تحت يد خالد آل خالد على جهة الغصْبيّة؛ لمّا حكم عبد المحسن القطيف رجَّعَها على آل ابي السعود، وقبَّضَهُم إياها، وصرَّفَهمْ فيها، فصارت في أيديهم، فأسلموا عليها، وهي في أيديهم، وفي تصرّفهم، وتحت قبضتهم، ولمّا منَّ الله عليهم بالاجتماع بأمير المسلمين سعود آل عبد العزيز – الله يسلمه – وعاهدوه على دين الله ورسوله أقرّهم على النخيلات المذكورة، وأعطاهم بها ورقة منعٍ ممهورة بمهره الله يحفظه“.

فهذا النصّ واضح في ذكره لأمور أربعة، وهي:

  1. وجود نخيل لآل أبي السعود مغصوبة، وهو ما نصّتْ عليه هذه الوثيقة وأكّدته الوثيقتان الأخريان المذكورتان معها في هذا البحث.
  2. إنّ الذي اغتصب هذه النخيل أسمته الوثيقة خالد آل خالد، ولم أجد لهذا الرجل ذكراً فيما لديّ من مصادر، ولعله كان المُوَلّىْ على القطيف من قبل آل حميد حينها.
  3. إنّ الذي قام بإرجاع هذه النخيل إلى آل أبي السعود أولاً هو عبد المحسن عندما حكم القطيف، وعبد المحسن هذا هو عبد المحسن بن سرداح من فرع آل عبيد الله من آل حميد، وقد حكم القطيف بعد أنْ أطاح بحكم ابن عمّه سعدون بن عريعر آل حميد عام 1200هـ لصالح أخيه دويحس بن عريعر الذي هو ابن أخت عبد المحسن، ولهذا كان حكم دويحس حكماً صورياً كما ذكر المؤرخون، وأما الحاكم الفعلي، ففد كان خاله عبد المحسن بن سرداح الذي لم يهنأ بالحكم مع ابن أخته طويلاً؛ إذ سرعان ما عاد زيد بن عريعر آل حميد ثائراً لأخيه سعدون، ومطالباً بالحكم، فواقعه وأخاه دويحس عام 1204هـ عند غريميل التي انهزم على أثرها عبد المحسن ودويحس، وهربا إلى المنتفق في العراق، ولم تقم لعبد المحسن بعدها قائمة في المنطقة.

عهد الدولة السعودية الأولى

وعلى ذلك يكون ما ذكَرَتهُ هذه الوثيقة من ردّ عبد المحسن بن سرداح نخيل آل أبي السعود عليهم قد تم بين العامين 1200 – 1204هـ، وأما تاريخ كتابة الوثيقة، فهو كان بعد أخذ الإمام سعود بن عبد العزيز ثالث حُكّام الدولة السعودية الأولى الأحساء والقطيف من آل حُميد، والذي تمّ بشكل مبدئي عام 1207هـ؛ بعد وقعة غريميل الثانية بينه وبين بني خالد، وذلك في حياة والده عبد العزيز؛ إلا أنّ سعوداً لم يأخذ هذين البلدين خالصة لدولة أبيه في هذا العام لأنه أوكل حكمهما لبرّاك بن عبد المحسن بن سرداح الحُميدي، ولم تصبحا خالصة للدولة السعودية الأولى إلا بعد معركة سحبة عام 1211هـ، ففي هذه المعركة انضمّ برّاك بن عبد المحسن إلى ثويني زعيم المنتفق الشهير ضد الإمام سعود ناقضاً عهده له، وبعد انتصار الإمام سعود فرّ برّاك إلى العراق، وهرب من في القطيف والأحساء من آل حُميد، ومن بقي منهم فيها أظهروا الطاعة وخضعوا للدولة الجديدة، وعندها نزل الإمام سعود شمالي الأحساء كما يقول ابن بشر، ولم يحدد اسم المكان، وعادة فإنّ الموضع الواقع شمالي الأحساء هذا، والذي كان أئمة الدولة السعودية الأولى والثانية ينزلون فيه هو موضع واحة حُليْوين التي كان اسمها في الزمن القديم: حُلوان، فصُغّرتْ، وهي التي ذكرها ابن المقرَّب في قوله:

أخذوا الحساء من الكثيب إلى محا

ديث الـعُـيون إلى نـقا حُـــــــــلوانِ

وقال الشارح عن حُلوان إنه موضع بين القطيف والأحساء، ولهذا كان ينزله المسافرون من إحدى الواحتين إلى الأخرى، وهذا ما يرجح نزول الإمام سعود فيه لأنّه أراد أن يأخذ البيعة على أهل القطيف والأحساء، فهذا المكان البرّيُّ النّفِهُ المتوسط بين الواحتين هو خير مكان لذلك، وقد نصّ ابنُ بشرٍ في تاريخه على أنّ أهل الأحساء – وأراد بهم سكان واحتي القطيف والأحساء كما هو المعروف حينها من إطلاق هذه التسمية – خرجوا إليه وهو في هذا الموضع، “وبايعوه على دين الله ورسوله، والسّمع والطاعة“،[11] وهذه الصيغة في هذه المبايعة هي ذاتها الصيغة الواردة في هذه الوثيقة قيد الدراسة، وذلك قول كاتبها عن آل أبي السعود: “ولمّا منَّ الله عليهم بالاجتماع بأمير المسلمين سعود آل عبد العزيز – الله يسلمه – وعاهدوه على دين الله ورسوله أقرّهم على النخيلات المذكورة، وأعطاهم بها ورقة ممهورة بمهره“، وعليه يكون إنشاء هذه الوثيقة هو في العام 1211هـ أو بعده بقليل حيث إنّ كبار هذه الأسرة بدأوا – بعد شعورهم بالأمن – في استرجاع نخيلهم المغصوبة، وكذلك استرجاع تلك التي نقلوا ملكيتها إلى بعض معارفهم من العماير وآل عفالق كما رأينا في الوثيقة الأولى وهذه الوثيقة وسنرى ذلك في الوثيقة الثالثة الآتي الحديث عنها.

شهادات

وفي هذه الوثيقة إمضاءات وتواقيع كثيرة لأنّ كاتبها طلب من كل من اطلع عليها في مجلس القضاء إبداء شهادتهم على إرجاع عبد المحسن لهذه النخيل إلى أهلها آل أبي السعود، وإقرار الإمام سعود لهم بذلك، ومن ضمن الموقعين بالشهادة على هذه الوثيقة: حسين بن علي بن راشد آل سنان، ووالده علي بن راشد آل سنان له هو الآخر وثيقة تصدّق وهمي لثلث نخل باشلامة بجزيرة تاروت كُتبت عام 1195هـ، أي أنها كُتبت في عهد حكم سعدون بن عريعر آل حميد (1189 – 1200هـ)، وبالتالي، فإنّ ولده حسين الموقّع في هذه الوثيقة شاهداً بإعادة نخيل آل أبي السعود إليهم هو من أهل القرن الثالث عشر.

ويوجد في هذه الوثيقة أيضاً إمضاءٌ آخر على الغاية من الأهمية، وهو باسم الزعيم القطيفي أحمد بن غانم كبير رعايا القطيف وقت إنشاء هذه الوثيقة، وهو الذي تولّى على رعايا القطيف من قبل الإمام عبد العزيز منذ العام 1211هـ، وحتى تاريخ قتله في شهر رجب عام 1218هـ، وفي توقيع أحمد بن غانم ما يدلُّ على أنّ الإمام سعود بن عبد العزيز قد أقرّ آل أبي السعود على أملاكهم التي أرجعها لهم عبد المحسن بن سرداح بين العامين 1200 – 1204هـ، فهو يقول في توقيعه:

كان ما رُصف في هذه الورقة كتبه على صفته عبدُ المحسن على نمط المزبور عنه إثبات سعود – الله يسلمه – وإقراراتي وبخطي على الوجه المرعي منه للمولى أبي سعود بشاهد؟ شهد به أحمد بن غانم“.

وكل هذا يؤكد أنّ تاريخ إنشاء هذه الوثيقة هو في العام 1211هـ بعد معركة سحبة التي أنهت الحكم الحُميدي في الأحساء والقطيف، أو بعده بقليل، ولكنّ غصب هذه البساتين كان في زمن حكم آل حميد كما قلت، وبالتالي، فهو ليس في فترة الاحتلال العثماني.

الوثيقة الثالثة

وهذه الوثيقة هي الوثيقة الوحيدة المؤرخة من الوثائق الثلاث، وتاريخها هو العام 1218هـ، وهو تاريخ إنشائها وليس تاريخ غصب البساتين، وأول ما يلاحظ عليها أنها كُتبت بعد شهرين وبضعة عشر يوماً من مقتل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود ثاني حكّام الدولة السعودية الأولى، وتولي الإمام سعود للحكم، والنخيل المسترجعة فيها كانت لدى المدعو/ فهد[12] بن برغش العميري؛ أحد وجهاء العَماير، وهي قبيلة قطيفية قديمة تعود جذورها إلى القرن الرابع الهجري الذي عاش فيه جدّهم عميرة بن سنان بن غفيلة العُقيلي إبان فترة حكم الدولة العُيونية، وكانت قبيلة العماير هي القبيلة المسيطرة على بادية البحرين قبل أن يأتي آل حميد وينتزعوا الحكم من العثمانيين، وعندها انضم العماير إلى آل حميد، وانضمّ معهم المهاشير والصبيح، فشكلوا الحلف القبلي المعروف حتى الآن باسم (بني خالد).

وفي هذه الوثيقة الثالثة نصٌّ واضح وصريح أن البساتين المدونة في هذه الوثيقة، وهي:

  1. باب أجود: في ساحة الدبَّابيّة.
  2. المحمودي: في ساحة الملاحة
  3. المزرع: في ساحة الشريقي – تقع بين الجش وسيهات –.
  4. الحواتم: في ساحة الشريقي أيضاً.

هي مما أخذه آل حُميْد من آل أبي السعود وأعطوه أسرة فهيد بن برغش العميري، ومن المفيد للبحث نقل ما ورد في هذه الوثيقة بهذا الخصوص، وهو قوله:

وأنّ النخيل المذكورة مالٌ وملك وحق طلق إلى آل ابي السعود سابقاً ولاحقاً يتوارثونه خلفاً عن سلف؛ ولداً عن والد اعترافاً صحيحاً شرعياً معتبراً مرعياً؛ أقرّ فهيد أنه صادق فيه، وأنّ ظاهر الأمر في ذلك كخافيه، وانه في ذلك أصدق صادق، وأبرّ محقٍّ ناطق، وأنه ليس على سبيل المحاباة، ولا المواطاة؛ جاء بأمر فهيد في حالي الصحة والكمال بالطوع والاختيار من غير إكراه ولا إجبار، وإنما ذلك على سبيل الإمضاء من آل حميد إلينا، فرجع الشيء إلى أهله قبل الإسلام، وهو لهم أصالة، فأسلموا والنخيل المذكورة في أيديهم، فلا معارض لهم، ولا مصادع، ولا مدعي، ولا منازع، ثمّ أقرّهم الأمير سعود على ذلك؛ هذا كله إقرار فهيد بن برغش واعترافه بطوعه واختياره“. انتهى المراد

ويلاحظ القارئ قوله عن سبب كينونة هذه النخيل في يده:
وإنما ذلك على سبيل الإمضاء من آل حميد إلينا“.

فهو واضح في أنّ بعض حكام آل حميد أخذوا هذه النخيل من مالكيها آل أبي السعود، وأعطوها لأسرة فهيد بن برغش العميري، ولكن عندما أعاد عبد المحسن بن سرداح إليهم أملاكهم الأخرى التي أقرّ بها لهم الإمام سعود بن عبد العزيز كما سبق وأوضحت، فقد قام فهيد بن برغش – وبكل أمانة – بإعادة ما لديه من أملاكهم أيضاً إليهم كما نرى من هذه الوثيقة.

السالب والمسلوب

وهكذا نرى من استقراء هذه الوثائق الثلاث أنّ بساتين آل أبي السعود المذكورة فيها لم تُسلب منهم من قبل الدولة العثمانية لأنّ هذه الدولة قد أطيح بها في العام 1082هـ، وفي هذا التاريخ إما أنّ أبا السعود بن محمد بن بيات الجد الأعلى لآل أبي السعود قاطبة لم ينجب ابنه عز الدين الذي يُعتبر بمثابة الجد الثاني للأسرة لأنه ابنُ أبي السعود الوحيد، أو أنّ عزّ الدين كان موجوداً وقت إسقاط الدولة العُثمانية من قبل آل حُميد، ولكنه كان صبياً صغيراً أو فتى يافعاً لم ينجب ابنيه أبا القاسم وعبد الله بعد، وبالتالي فإنّ بروز أسرة آل أبي السعود كان بعد استيلاء آل حميد على القطيف، وبالتالي فإنّ سلب نخيلهم المذكورة في هذه الوثائق قد تمّ في فترة حكم آل حُميد لها، وهو ما تنطق به هذه الوثائق كما رأينا.

———–

[1] محمد سعيد المسلم: واحة على ضفاف الخليج (الدمام: مطابع الرضا 2002م)؛ الصفحة 35، وانظر صورة مقتبسة عنها في آخر البحث.

[2] يوجد لدي صورة من هذه الوثيقة أهداني إياها الأستاذ عبد العظيم بن مبارك آل أبي السعود، وهي وثيقة وقف تخص يحيى بن عبد الله آل عمران.

[3] أخذت ذلك عن وثيقة في بيان تفصيل نخيل الوقف التي لآل أبي السعود؛ التي كُتبت عام 1275هـ، وأهداني صورة منها عبد العظيم بن مبارك آل أبي السعود، وله مني خالص الشكر والتقدير.

[4] انظر صورتين لهما في بحثي (عشيرة ردينة التغلبية النجدية القطيفية) على الرابط:

https://aljanabiabdulkhaleq.blogspot.com/2020/09/blog-post.html

[5] عثمان بن عبد الله بن بشر النجدي الحنبلي: عنوان المجد في تاريخ نجد؛ تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (الرياض: دارة الملك عبد العزيز 1982م)؛ ج2: 331.

[6] لدي صورة منها أهداني إياها الأستاذ عبد العظيم بن مبارك آل أبي السعود.

[7] لدي صورة منها أهداني إياها الأستاذ عبد العظيم بن مبارك آل أبي السعود.

[8] كتبها الأستاذ العوامي: “علي بن عبد الله آل عمران“.

[9] يوجد لدي صورة من هذه الوثيقة أهداني إياها الأستاذ عبد العظيم بن مبارك آل أبي السعود.

[10] حصل خلط؛ إما من صحيفة صُبرة أو من الأستاذ العوامي، فتم وضع صورة الوثيقة الثالثة مكان الثانية، وصورة الثانية مكان الثالثة.

[11] عثمان بن عبد الله بن بشر النجدي الحنبلي: عنوان المجد في تاريخ نجد؛ تحقيق: عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (الرياض: دارة الملك عبد العزيز 1982م)؛ ج1: 228.

[12] وسيرد في بقية سطور الوثيقة باسم “فهيد”.

 

اقرأ الموضوع الأصل

[وثائق] قبائل سُنّية حمت أملاك شيعة القطيف من اضطهاد الأتراك

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×