حكاية فارس.. طفل “التوحد” عاشق الديناصورات.. مشروع عالم أحافير يحفظ 250 اسماً لها يسردها بجميع أحرف الهجاء بلغات عدة وبسرعة خارقة

الأحساء: معصومة الزاهر

هل تعرفون فارس أحمد آل بن شيخ؟

هل تعرفون ماذا يعشق هذا الصبي ذو الـ11 ربيعاً؟

ماذا يخطط لمستقبله هذا المصاب بطيف التوحد؟

“صُبرة” ستصطحبكم في الدقائق التالية إلى عالم فارس، يومياته، طموحاته، قصصه، وأشياء أخرى.. باختصار هو عالم مختلف، وحكاية تستحق أن تروى.

حكاية هذا الصغير بسيطة للغاية، تتأرجح حول محورين؛ أسرة تحبه ويحبها، وديناصورات يهيم بها عشقاً، وتشكل كل عوالمه.

محدودة جداً علاقات آل بن شيخ، المولود في محافظة الأحساء عام 2009، لكن له 250 صديقاً، يعرف كل أسرارهم، أدق تفاصيل حيواتهم، هم ديناصوراته التي بدأت علاقته بهم منذ كان في الثامنة، حين تعرف على هذه الكائنات المنقرضة من عالمنا، والتي لم تنقرض من عالمه مطلقاً، هو يعيش معها، هي تعيش معه.

.. وفي الثالثة اُكتشف “التوحد”

بعد ثلاث سنوات من ولادة فارس؛ أكتشف والداه أنه مصاب بطيف التوحد، بدءوا في البحث عن طرق للتواصل معه وفهمه، نظموا له حميات غذائية تخلو من “الجيلوتين”، ولأنه لم يتمكن من النطق حتى سن الرابعة؛ لذا درباه على النطق والتواصل من خلال المرآة، شجعاه وأخوته على حفظ سور من القرآن الكريم، “كي يتفاعل معهم، ويلاقي الدعم منهم”، وفقاً لما قاله والده أحمد آل بن شيخ لـ”صُبرة”.

مُحاط هذه الفارس بأسرة “رائعة”، تربطه عُلقة قوية بوالديه، هما أقرب الأشخاص إليه، يعيشون في جو عائلي طبيعي على غرار أي عائلة سعودية أخرى، إلا أن لها طفلاً تميز منذ صغره بحب العلوم، لعله مشروع “عالم أحافير سعودي”.

حين رفضته المدرسة

فارس هو المولود الثاني لوالديه، يدرس الآن في الصف الخامس الابتدائي، بمدارس الأحساء النموذجية، تأخر عام عن من هم في مثل سنه، والسبب – كما يرويه “صديقه” الجيولوجي علي العامر، في تدوينة على “فايسبوك” – أن إدارة المدرسة رفضت إلحاقه، بسبب توحده (وفرط حركته)، وتم تأخيره عاماً كاملاً، ليلحق في برامج الدمج، وبعد أسبوع من الدراسة، تلقى والده رسالة من المدرسة تفيد بأن “فارس أذكى من أن يلحق بفصول التوحد”.

أما والده فيتذكر في هذا الصدد كلمة قالها له أحد المعلمين حينها “حب أيدك مقلوبة لو ابنك عدا الصف الأول، وإن عداه قابلني إن عدا الثاني”.

اليوم، فارس أحمد آل بن شيخ واحد من أبرز مفاخر مدرسته؛ الأحساء النموذجية، وكل محيطه.

اهتمام طفولي بالحيوانات

فارس على غرار الأطفال، بدأ يهتم في الحيوانات بشكل عادي، لكن في الثامنة اتخذ هذا الاهتمام مساراً مختلفاً، تجاه الديناصورات تحديداً، استولت على جل اهتمامه، شُغف بها، ركز عليها كثيراً، يروي والده “وجد كتاباً عنها في مكتبة جرير، وجلس على الأرض، منهمكًا يقرأ فيه بشغف”.

عن سبب اختيار الديناصورات، يقول فارس نفسه لـ”صُبرة” “لطالما شكلت الديناصورات موضوعاً جميلاً للخيال والواقع، واعطت دراستها إدراكاً جديداً للكشف عن ماضي كوكب الأرض”، الكلمات السابقة قالها فارس نصاً، لم تتدخل “صُبرة” في صوغها.

شغف بالقراءة

يقتني فارس مجموعة من الكتب قد لا تتوافر مثلها – عدداً ونوعاً – لدى من يفوقه عمراً، يحب القراءة، يحلم بتأليف كتاب يتحدث عن أولاده أو أصدقائه؛ الديناصورات، يمتلك أيضاً مجموعة من المجسمات الصغيرة لها، هو يحب الزواحف، الطيور (الطاؤوس تحديداً) والفيلة كذلك. يحلم أن يكون يوماً مثل العالم الشهير آلان غريد.

هذا الصغير، الذي كرمته الإمارات العربية المتحدة أخيراً، بجائزة “سفير الوقاية المجتمعية” يهوى أيضاً الرسم، يرسم بالألوان، بأقلام الرصاص، بأي قلم يجده، يهتم بـ”الاوريغامي” والصلصال، حتى القصدير طوعته أنامله اللدنة، والموضوع الوحيد لكل ذلك هو معشوقاته؛ الديناصورات.

لهذا الفارس أحلام فنية متعددة، فهو يحلم بإنتاج نسخة أخرى من فيلم “جوراسك وورلد”، الذي شاهدده مراراً، لو جالسته لحدثك عن أصغر تفاصيل الفيلم وشخصايته وأحداثه.

له مشاريعه أيضاً، فهو يطمح أن يكون “أول عالم أحافير سعودي”، ففي محيطه العائلي أوائل، منهم عمه حسين “أول سعودي يُقدم أطروحة الدكتوراه عن رواد الابتكار Innovation Champions ونجاح الابتكارات في الأسواق النامية Emerging Economies، ومنها السعودية“.

حماية الديناصورات من الانقراض

مازجاً بين عشقه لهذا العالم، وبعقل طفولي؛ قال “لو أنني كنت أعيش مع الديناصورات؛ لوضعتهم في حظيرة، وأنقذتهم من الانقراض”.

والده أحمد آل بن شيخ، يملك حساباً في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، يغرد من خلاله عن يوميات وتفاصيل حياة ابنه، لا يشعر الأب بـ”العار” من القول “أبني توحدي”، كلماته تنبض فخراً بهذا الفارس، يأمل وأمه “أن يحقق فارس أحلامه، ويصبح عالم أحافير سعودي، لنفخر به وبإخوانه، ويرفع اسم البلاد عالياً”، مضيفاً “تختلف الاستجابة من طفل إلى آخر بالطرق المتبعة للتعامل مع طفل التوحد، الأهم هو تقبل الطفل بكل ما فيه، فهو رزق من عند الله، احتووهم وأقضوا أوقاتكم معهم”.

مع الفنان يوسف الجراح.

صداقات في العالمين؛ الواقعي والافتراضي

من خلال حساب والده في منصة “تويتر” يُطل فارس على العالم، ويُطل الآخرون على عالمه. أنشأ علاقات بمستويات مختلفة فيه، أبرز أصدقائه المُغردة أم تهاني الغامدي، وهي أم لطفلة جميلة جداً، اسمها تهاني، “متميزة بمتلازمة داون” كما تصفها أمها.

أم تهاني الأكثر تفاعلاً مع فارسنا في العالم الافتراضي، حين تتصفح حسابها ستكتشف قصة جميلة أخرى، اسمها تهاني، ستخرج من جولتك في حسابها بشحنات من الإيجابية والتفاؤل المُفرط.

في الحساب “التويتري” أشياء طفولية، مواقف صغيرة مُضحكة، حكايات ظريفة، فيديوهات تلتقطها كاميرا جوال والده ليومياته، أغان يترنم بها بلغات مختلفة، أقربها إلى قلبه “تسوباسا“، تحدياته مع والده في السرعة بتركيب قطع البازل، مقاطع وصور لرحلاته القصيرة والطويلة، برفقة والده إلى المعارض والمتحف. هناك الكثير من “سوالف الشوارع” بين أب وابنه، قصة الجراحة التي خضع لها لإزالة اللحمية، بكى طويلاً فارس يومها، خصوصاً حين أخذوا منه عينة الدم.

حين تتصفح يومياته؛ قد تشكك أنه “توحدي”، أو تشكك في فهمك لـ”التوحد”، هو يتفاعل مع كل الأحداث من حوله، آخرها اليوم الوطني الـ90 لبلاده، الذكرى السادسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بث مقاطع عدة تحوي نصائح لتجاوز جائحة كورونا، مستعيداً فيه التدابير الصحية للوقاية من الفيروس.

مع عالم الأحافير الدكتور يحيى آل مفرح.

صديقه الآخر، ولكن هذه المرة في العالم الواقعي؛ على العامر كتب عن قصة أول لقاء جمع بينهما قبل أيام:

كتب هذا الجيولوجي “قبل أسابيع دخل الدكان الذي أعمل فيه وقت الفراغ، طفل صغير يحمل في يده كتاب عن الديناصورات من دار DK، هي أفضل دار لكتب الأطفال العلمية المحترمة، سواءً باللغة العربية أو الإنجليزية، بمجرد دخوله عرفت أنه طفل توحدي.

سألته مباشرة: تحب الديناصورات وتبحث عن لعبة أو كتاب متعلق بالديناصورات هنا، صحيح؟

تبين أن فارس آل بن الشيخ مهوس بالديناصورات، يحفظ 250 اسماً، ويستطيع سرد الديناصورات بجميع أحرف الهجاء بسرعة خارقة (أنا الجيولوجي صاحب التخصص لا أحفظ هذا الكم)، ويمتلك معلومات دقيقة، حينها وجدت شخصاً آخر استطيع الثرثرة معه عن معلومات دقيقة جداً عن الديناصورات، رغم الفارق العمري بيننا.

أتمنى أن ألتقي بعالم الأحافير الصغير في المستقبل القريب.

هنا رسمة تشريحية للجهاز الهضمي والعين للديناصور من رسم فارس أحمد آل بن الشيخ.

ختاماً؛ حكايتك يا فارس أحمد آل بن شيخ لم تنته في هذا السطر، هي بدأت..

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×