[3] حسن الشيخ فرج العمران.. شاعر ذكرته الأزهار ونسيه الرواة [19] بستان السيحة وسمر في الذاكرة

عدنان السيد محمد العوامي

بواقي الموافقات

اتفقنا في حبِّنا للشجرة والزهرة.

 فكتب هو([1]):

    لم أرَ فردًا – في الوَرَى آثمًا

    مثلَ الذي يقتطف الزهْرا

    جاء إلى الزهرة في كُمِّها

    فأبرزت من كمها العِطْرا

    وزوَّدته بالذي يشتهي

    ولم يزل يرمُقُها شَزْرا

    فابتسمت في وجهه واغتدت

    وجنتُها ضاحكةً حمرا

    قالت له: إن كان ذنبي بدا

    منِّي فإني أطلُب العُذرا

    قال لها: لا ذنبَ، لكنني

    أُعمل في إهْلاكِك الفِكَرا

    فقهقهت من عزمه وارتمت

    مبهوتةً، والِهَةَ، حَيرى

    لكنها مذ يئست من وفا

    قاطفِها؛ أعلنت البِشرا

    وعبَّقتهُ بأريج الشذا

    وأودعت في قلبه سرَّا

    من يعمل المعروف في أحمق

    ليس غريبًا إن جنى شرَّا

ليست الزهرة وحدها تفعل ذلك، فكل الشجر هكذا، حتى الذي زوَّده الله بالشوك، فالنخلة مثلاً، بها شوك كثير مؤذٍ، ومع ذلك لا تستعمله إلاَّ للنفع، والحماية من المخرِّب، كالجراد، أما مع غيره فرغد وظل وبركة، كما قلت عنها ذات ومضة([2]):

هذه ضَفَّة الصَّباباتِِ تَشْكُو

لَكَ من جَفْنِها المُقَرَّحِ سُهْدَا

حَيْثُ تَصْلى الهوىٰ يُجَارُ عليها

في صباباتها، ويُعْدَى، ويُعْدَى

غَيْرَ أنَّ الهوى تَمَكَّن منها

ليس في وُسْعها تُكافِئ صَدَّا

ليس من خِيْمها الجَفاءُ وإن كا

ن المُجَافِي مُغَلَّفَ القَلْبِ وَغْدا

أتْقَنَتْ شِيْمَةَ النَّخِيْلِ فَتَرْمِى

لِحَشا الرَّاجِمِيْنَ بالتمْر رِفْدا

* * *

يابْنَ عِبْدِ العَزِيْزِ، هَذِي نَخِيلٌ

هل رأيتَ النخيلَ تُضْمِرُ حِقْدا؟

عُمْرَها تَذْرِفُ (الخَلالَ) وتَدْرِي

أنَّها في نِهايَةِ العُمْرِ تُرْدَى

وفي النخلة أيضًا قلت([3]):

من دار خَولةَ حيَّتك الأغاريد

ورفَّ حولك من أطيافها العيدُ

وطارحتك الهوى عينٌ مدلَّهة

وجدول مترف الموَّال غِرِّيد

ونخلة تغزل الألوان مَرْيلةً

كأنها – تحت لألاء السنا -رُودُ

تَمِيسُ مَيْسَ العذارى شفَّها وَلَهٌ

وبرَّحتها صباباتٌ وتسهيد

وهزَّها العشقُ حتى صرت تحسبُها

سَكْرى، ولكنها من وجدها مِيْد

* * *

يا من رأيتَ مَها الشُّطآن مُسفرةً

لها بذاكرة العشاق تخليد

مفتونةً بهوى الغدران مُسْهبةً

كأنَّ فوق ذُراها الصحوَ معقود

بالله خلِّ عصا التَّرحال ناحيةً!

 فالعيش في شظف الترحال تنكيد

أنت الملوم إذا  فارقْتَ شاطئها

فما على الأرض إلا خُودَها خُودُ

الليلَ  تفترشُ الأنْداءُ مِئزرَها

ويستريح على أردانِها العُود

والصبحَ موعدُها بوحٌ وتمتمةٌ

وصَبوةٌ، وتباريحٌ وتنهيد

وأدمعٌ في ضفاف الشمس مُسدلةٌ

صفرٌ، ولُعْسٌ، و -يا وَيْحَ اللَّمى – سُود

أما إذا الصيفُ رشَّ الجمرَ فاحتُضِرَت

رُبىً، وذاق الأذى تلٌّ وأخدود

رفَّت على عَنَتِ الرمضاء يؤنِسها

ظِلٌّ على وهج الكثبان ممدود

فارفق برحلك، لا تعجل، فأنت هنا

ضيفٌ على الشمس والشطآن محسود

ضيف على أرَجِ الليمون يسكُبُه

مرجٌ، ويذرفُه طلٌّ وأملود

خلِّ الركاب، ألا يغريك مُبترَدٌ

صبٌّ، وساقية، ولهى، وعنقود؟

وموسمٌ وعدْه رَغْد، ونائلُه

ظِلٌّ، ونَقْرَةُ عصفور، وقِنديد

وسالفٌ كجبين الشمس مؤتلقٌ

تفنى القرون، ولا يُلوى له جيد

أرأيت؟ اتفقنا في حبِّ الشجرة، وافترقنا في الموقف منها، فجئتُ متغزِّلاً  بها، مأسورًا بمفاتنها، ومع أن شدة مقتي لأعدائها دفعتني لرفع قضيتها إلى أعلى مقام في الدولة هو مقام الملك عبد الله بن عبد العزيز (رحمه الله)، لكنني جبنت عن التعرض للكائدين المتربصين من أعدائها مغضيًا عما اقترفوا من ظلم لها وجور عليها؛ على حين جاء هو صُلبًا عنيفًا في مواجهة أولئك المجرمين، قتلة الحياة في الأشجار والأزهار، نعمة الله في أرضه، وبركته على خلقه.

واتفقنا في المشاركة في الاحتفالات.

المناخ زمن الاحتفالات

في الحلقة الثامنة عشرة من هذه السلسلة التي سامرَنا فيها السيد حسن السيد باقر العوامي (رحمه الله)، ألقيت نظرة على حِقبة السبعينيات من القرن الهجري المنصرم، الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي مشيرًا إلى بدايات التغيير الثقافي بمقوماته وعناصره كافة؛ الأدبي والعلمي والسياسي والاجتماعي، وبداية تجاوز مرحلة التبلور إلى سطوع التوهج، والتجلي، والانطلاق من أسوار المحلية الضيقة إلى الفضاء الأرحب، بعد ظهور النفط في المنطقة، وما رافقه من تسرب أفكار سياسية امتزج فيها الوطني، بالقومي، والحقوقي، والنقابي، وفدت مع توافد الناس من كل جهات الأرض إليها، تلا ذلك نشوب الحرب العالمية الثانية متبوعة بنكبة فلسطين، ودور الغرب المستعمر فيها، ثم قيام ثورة يوليو في مصر، إلى آخر ما استجد على المنطقة وتسرب التيارات والاتجاهات السياسية، المختلفة، المتصارعة، وظهر الانتماء الحزبي للعلن، بعد أن كان إيماءً وتلميحًا، فاستشعرت فئة من الشباب مخاطر تلك الأفكار أن تمس قيم المجتمع وأعرافه، فتصدت لمناهضتها بما يناسب تلك المرحلة من تطوير أساليب  التصدي، ومنها تطوير الاحتفالات الدينية، والخروج بها عن نمطيتها القديمة. ذلك هو المناخ الذي كتب فيه حسن قصيدته في تأبين المصلح الكبير الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، وقصيدة في رثائه عنوانها (الإمام البطل) قال فيها([4]):

مع روح الإيمان في جثمانه([5])

أدرِجوه، والحقَّ، في أكفانه

واحملوه، والعلمَ والحِلمَ والصد

قَ جميعًا إلى مقرِّ أمانه

واعقدوا ناديَ التهانيَ لا الحزْ

نَ وهنُّوا الهداة من أقرانه

لا تنوحوا فإنه خالدُ الذكـ

ـرِ وباقٍ على ممرِّ زمانه

أسس المجد والفخار أبو المجـ

ـدِ وغذَّى الشباب في عنفوانه

عاش لا يرتضي سوى الحقِّ شيئًا

فحماه بقلبه ولسانه

في يديه لِوا الزعامة يهتَـ

ـزُّ، فكل القلوب طوعُ بنانه

سئمت روحُه العناءَ فطارت

وإلى الله  حلَّقت في جِنانه

مذ أشاع المذياعُ فقدك في الشرْ

قِ تهادى يموج في أحزانه

وبكاك العراق والبلد المنـ

ـكوبُ يذري الدموع من أجفانه

موئل الشرقِ، مَن عقيبك للشر

قِ يغذي الأرواحَ من عِرفانه

من يردُّ العدوَّ إن رام كيدًا

في صميم القلوب من عدوانه؟

من يبيد الضلال؟ من يظهر الحـ

ـقَّ جلِيًّا بعلمه وبيانه؟

مَن إلى الغرب حين يرسل  للشر

قِ ذئابًا تعيث في قطعانه

أوشك الدينُ أن يخورَ، ولكن

أمسكته الكفاة عن رَجَفانه

وأقاموه شامخ الذروة الشَّـ

ـمَّاءِ وشادوا ما انهار من بنيانه

قابلوا الصدمة التي أهوت الديـ

ـنّ وكادت تجتثه من كيانه

لو بقت آية من الذكر لم تأ

تِ رثاك الإله في قرآنه

وختمتَ الجهادَ بالمُثُل العُلـ

ـيا، فكانت كالمسك في دِيوانه

* * *

كما نرى في العصر الراهن اهتمام المستعمر الغربي بشأن المسلمين، وحرصه على أمنهم وسعيه الحثيث لرقيهم، وحمايتهم من داعش، إلى حد التضحية بالغالي والنفيس، والمال والنفس، فقد كان هذا دأبه في الماضي أيضًا، فما أن استشعر خطر الشيوعية الداهم على الإسلام حتى تحركت فيه النخوة، فهبَّ لإنقاذ المسلمين من شرورها، ولم يكتف بتسخير آلته الإعلامية الضخمة، بل بادر إلى تشكيل الأحلاف مثل حلف بغداد([6])، وعقد المؤتمرات، ومنها مؤتمر بحمدون، نظمته (جمعية أصدقاء الشرق الأوسط) في الولايات المتحدة الأمريكية في مصيف بحمدون لبنان خلال الفترة من 22 نيسان، أبريل، 1954م، إلى 27 منه، لمدة ستة أيام، وحضره خمسون شخصية مسيحية، وخمسون شخصية مسلمة، وقد وجه نائب رئيس الجمعية (كارلند إيفانز هوبكنز) الدعوة للشيخ المجاهد محمد الحسين آل كاشف، فامتنع عن الحضور، وبعث له رسالته المعنونة: (المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون) ([7]).   

_________

([1])أخبار الظهران، العدد: 28، الجمعة 27 جمادى الثانية 1375هـ، 10 فبراير 1956م،ص: 2.

([2])جريدة الرياض، العدد: 13876، الاثنين، 16/5/1427هـ، 12/6/2006م، الرابط: https://chl.li/3fVSm ، ومجلة الخط، العدد: 58، محرم 1437هـ نوفمبر 2015م، ص: 6، الرابط: https://chl.li/3i1py

([3])شاطي اليباب، مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1412هـ 1992، ص: 2.

([4])الأزهار الأرجية، في الآثار الفرَجيَّة، الشيخ فرج بن حسن العمران، دار هجر، بيروت، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، جـ6/371.

([5])الأجمل لو قال في وجدانه.

([6])لقد رفضت حكومة المملكة العربية السعودية الدخول في هذا، كما واضح في أدبيات تلك الحقبة.

([7])انطر: المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون، سماحة الإمام الأكبر محمد الحسين آل كاشف الغطاء، دار الوعي الإسلامي، بيروت، الطبعة الامسة، 1400هـ 1980م، ص: 11 – 15.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×