سائقة “تركية”.. نسخة “صُبرة” مِنْ “ضَرَبَ زيدٌ عمرواً”..!

أثير السادة

حادث تصادم ينتهي إلى حفلة سباب، هكذا تقول صحيفة “صُبرة” الإلكترونية، لا شيء استثنائياً في الحادثة، فما أكثر الحوادث، وما أكثر الذين يتمترسون خلف معجم الشتائم ساعة يتخاصمون.

مؤكد أن أحداً لن يكتب قصيدة حب على هامش حادث مروري، ففي كل حادث سنجد أحدهم قد ضرب سيارة الآخر، وسخّن له مشاعره، فإما يستحيل أحدهما أو كلاهما إلى بركان، أو ينتظر الجميع وصول نجم لإتمام الإجراءات.

لكن الصحيفة التي اقتنصت الخبر بعد انتشار تصوير فيديو له، وجدت فيه نصاً اجتماعياً جديداً، لحظات مختلفة تشبه ما بعد سياقة المرأة للسيارة، فحرصت على التذكير بأنها حفلة سباب “مؤنثة“، ولأن التأنيث قرين النعومة واللطافة وكل ما يمتزج بالصور النمطية للجنس الآخر، يصبح السباب مفارقة فاقعة، كمن يقول أنثى وتسب!..تتراكم الصور الدرامية في الخبر حيث الضحية “رجل” لا يترجل، بل يهرب، في إشارة إلى مفارقة أخرى هي غلبة التأنيث على التذكير في هذه الحادثة.

لا اعتراض على نشر الخبر مطلقا، فكل صحيفة تبحث عن سبقها، وصورتها، وما يجعلها تتقدم على الآخرين، لكن الخبر العابر استحال إلى قصص خبرية أخرى، يترافع فيها كل طرف عن نفسه، ويدفع التهمة عن جانبه، خرجنا من حدود عنوان التصادم بين السيارتين إلى التصادم بين الطرفين، هذا يقول وذاك يرد، وبين هذا وذاك تسخن الحكاية وتصبح الصحيفة محكمة الفريج!..

والسؤال الذي يسدح نفسه: هل هذه الحكاية ترقى أن تكون قضية رأي عام؟

في غرف الفيس بوك ، يتهكم السيد حسن السادة بالقول “بعض الصحف صايرة كأنها قروبات واتساب”، وفي هذا الوصف إشارة إلى الارتباك الذي يعتري المتابع للصحف الالكترونية، لجهة اختياراتها، وترتيب أولوياتها، والواتساب هو بمثابة بحر متلاطم من الأخبار الصادقة والكاذبة، الرديئة والجيدة، المفيدة وغير المفيدة، لذلك تصبح المقارنة مرصودة لكشف المسافة بين الاثنين، بين صحافة منذورة لرواية الحقيقة، ونقل الأخبار المفيدة، وصياغة رأي عام، وبين منصة للثرثرة وتصريف رغبة التواصل والكلام بأي شيء وبأي نحو.

ما كان مغريا على مستوى التوثيق فيما يتعلق ببدايات قيادة المرأة للسيارة لا يبدو كذلك اليوم، خرجنا من دائرة الاستيحاش إلى دائرة الاستئناس والتكيف، حضور النسوة السائقات بات حدثا طبيعيا، وتورطهم في حوادث ومواجهات هو بالتالي جزء من هذا الحضور وتجلياته لا أكثر.. غير أن المسوغ والمحرض لرفع حوادث كتلك إلى مستوى قضايا رأي عام هو حس الفضول الذي يطحن الناس في فضاءات التواصل، ينام الواحد منا ولا تنام فيه رغبته في القبض على أي حكاية، والاندساس في تفاصيلها، تلك شريعة الكائنات المرقمنة، وطالما مضت حكاية الحادث إياه باتجاه دراما عالية ستمضي الأصابع للضغط على أزرار الخبر تلو الخبر للوقوف على معلومة جديدة.

ولأن المدارس قد علمتنا فقط بأنه “ضرب زيد عمرواً” ولم تخبرنا بأن الإناث يضربون ويشتمون، ستصبح الحكاية درسا جديدا في الإعراب، وفي الانتقام من ملفات أخرى لا نملك طرقها بحرية، وفي السباق باتجاه صناعة إعلامية تنهض على قضايا الشارع، من دون الجزم بأنها تنهض به.

اقرأ أيضاً

قراء “صُبرة” يتفاعلون مع قضية “سائقة تركية”: خذ حقك بالنظام.. لا بيديك..!

 

‫3 تعليقات

  1. عزيزي الكاتب رسالتك لم تصل ..
    اعطيها كاش .
    الدفاع عن المرأة بصورة مراوغة لا يفيد .
    قدسية المرأة النمطية مرفوضة .
    كما أن تقصد العداوة للمرأة مرفوض .

    مقال صبرة عن الحادثة يؤرخ لمرحلة في المكان و الزمان مهما رضينا أو رفضنا ..
    و هذا دور الإعلام .
    و ترك حق الرد للأطراف صحيح إعلاميا .. لا لبس فيه .

    أما قانونيا فلا أعرف .. يحتاج لمختص .. خصوصا أن شريط الحادثة انتشر .. و الصحيفة لم تذع سرا .

  2. كما عادة اثير السادة فإنه يدور حول الموضوع و لا يقع فيه ، هل هو ذكاء الكاتب في ايصال الرسالة المبطنه من غير تصريح يوقعه في الخصومه الصريحه مع المستهدف .
    ام انه كما الكثير ممن تقيده المخاوف من التصريح و كسر القلم في جو مشحون و مثقل بالقيود فيرجع كل حرف كتبه على شكل أتهام و تسقيط .
    الكاتب الذي يريد ان يصبح صديقا لكل الاطراف لا يحل و لا يربط

  3. أحسنت بارك الله فيك كلام جميل ومنمق ويحكي واقع حقيقي

    ماحدث لايعلم حقيقته إلا الله واصحاب الحدث لن يستطيع أحد ممن حضر وممن شاهد الفيديو أن يجزم أيهما على حق
    ولكن تبقى القضية قضية مجتمع ويجب أن يحترمها الجميع ويكفون أفواههم عن سباب وشتم السيدة أو السيد مجتمع القطيف ناقد أكثر مما هو موجه تراه في هذه الموضوعات ( القضايا المجتمعية ) يسب كاتبه ويسب صاحب النشر ويكتفي بالتفاهات لذا نراهم كالذباب على مواضيع وكالخفافيش على آخرى ناقدون حاقدون مع احترامي لأهلي في القطيف ولكن بعضهم يسب ولا يعرف لماذا هو سب وكأنه يدٌ خفية تحركه كيف تشاء ( إمَّعةٌ)

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×