[ميناء القطيف 38] النخلة.. في أصنافها وغذائها ومسفوفاتها
[من أوراقي 38]
(1)
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عدنان السيد محمد العوامي
ما نزال مع النخلة، وبركاتها التي أسبغها البارئ على عبده الجحود، فقد بقي في الجمارة (رأس النخلة) منافع لم نأتِ على ذكرها منها:
العَسُوْ
وهو العذق نزع منه الرطب ويبس، وهذا ذكرت أنه ينتفع به في عمل المكانس ووقود الطبخ، وفاتني ذكر منفعتين أخريين مهمّتين؛ من ساقِه، التي يسمونها:
أولاً – العسقة
تشرَّح العسقة طوليًّا وتسحب بقوة باليد على جسم صُلْب (عصا أو نحوها)، فتتفرع بفعل الضغط إلى ما يشيه الخيوط المتينة، فيجدلون من هذه الخيوط حبلاً يسمونه (مَسُو)، يستخدمونه في:
1 – حزم الحشائش، أو الجريد، وشِدادات حظران المزاع وحظران بساتين النخيل، وحظور صيدا الأسماك، وغيرها.
2 – (قراقير) صيد السمك،
3 – الـﭽِِـيَس (الكِيَس، جمع كِيسة، مؤنث كيس): وعاء كالزبيل، يحمل فيه الرطب والتمر، والسمك، وما شابه.
ثانيًا – الخوص
أضيف إلى ما ذكر من منافع الخوص:
1 – بيت النمل
سُفيفة يعملونها في هيئة مبنى مؤلف من عدة طبقات يسمونه بيت النمل، يتسلى به الأطفال، ولا أعلم كيف ينجذب إليه النمل.
2 – المشكُّ: يعمل من الخوص مشكٌّ يشكُّ فيه السمك ويُحمل منه.
3 – آلة طرب تؤنس الصغار وتزعج الكبار
الخوصة قبل أن تجف يسمونها عَـﮕَـبة (عَقَبة)، يحضرون تنكة (صفيحة) ويثقبون قاعها، ويثبتون فيه العقبة بعقد طرفها الخارجي، ويشرعون في تمسيدها من لدن عقدتها باتجاه رأسها فتصدر صوتًّ ينغمونه كما يشتهون، لكن هذا الصوت مزعج إلى حد أنهم ربما تعرضوا للضرب بسببه.
الدوخلة – السِّعِنَّة
سفيفة صغيرة من الخوص، يضع فيها العامل فلاحًا أو بحارًا أو غيرهما زوَّادته من الطعام، وغيره، أما في الفولكلور فهي أهم ما في الاحتفالات التي تقام عصر يوم عيد الأضحى في القطيف، وهي احتفالات موغلة في القدم، تعود إلى عصر الحضارة الفينيقية، فقد كانت لهم احتفالات موسمية يقيمونها في موسم الزراعة، ففي الاستعداد لذلك اليوم في القطيف يُعِدُّ الأطفال، من البنين والبنات، سُفَيفةً من الخوص (اسمها في بعض القرى دوخلة، وفي بعضها الآخر اسعنَّة، والحِية بِيَّة)، وذلك قبل وقت مناسب من حلول يوم العيد، فيملأونها بتربة زراعية وسماد، ويضعون بها بذورًا من الحبوب (شعيرًا أو حنطة أو ما يشابهها)، ويتعهدونها بالسقاية والرعاية حتى تنبت شجيراتها، ثم يضعون فيها قطعة نقد صغيرة. وفي عصر يوم عيد الأضحى يتحشَّد الناس على الساحل في موكب بهيج، ثم يقومون بتعويم السُّفَيفات (الدواخل، أو السعنات، أو الحية بية)، في البحر على أنغام الأهازيج، والرقصات الجميلة، بينما تتأود السفائف بنباتاتها الخضراء مداعبةً أمواج البحر ونسائمه إلى أن يحتضنها العباب في أعماقه، وأثناء تعويم الدواخل، يردِّدُ الأطفال هذه الأهزوجة:
دوخلتي، حِجِّي بي
إلين إيجي حبيبي
حبيبي راح مكة
مكة المعمورة
فيها السلاسل
والذهب والنورة
حجيت بش يَايُمَّه
زوَّرتش گبر محمد
صلُّوا عليه وآله
راويتش داك المنبر
فوگه طويرٍ أخضر
ملگُّمينه سكَّر
سكر على سكر
في غْضارة صيني
عسى ربي هديني
يحجِّجني بيت الله
أنشودة الدوخلة على هذا الرابط
وقد أدخِل فيها أبياتٌ ليست منها، وهي:
ياليتها لومية
مزروعة في البستان
يگشرها عبد الله
وياكلها سلمان
سلمان يا بو يا جوخة
يامراطن العجمان
طُلُّوا خواتي طلوا
شوفوا البحر طميان
شوفوا شراع ابَّيِي
أبيض من الكتَّان([1])
شوفوا شراع العدو
أسود من الدخَّان([2])
إلخ.
هذه الأبيات لا علاقة لها بالدوخلة، ولا المناسبة، وليست من أهازيجها، وإنما هي تحكي قصة معركة بحرية يؤرِّخ النبهاني وقوعها سنة 1225هـ بين (آل خليفة) حكام البحرين من جهة، وآل سعود يساندهم رحمة بن جابر العذبي الجلهمي من الجهة الثانية، وفيها انتصر آل خليفة بتدبير عبد الله بن أحمد بن سلمان آل خليفة، وشجاعته، لكن الحكم أعطِي لأخيه سلمانَ الأكبر سنًّا منه([3]).
ثالثًا – الجريدة
تدخل في لعب الأطفال، فالبنات يصنعون منها:
1 – الكُرجوَّة: وهي دمية، هيكلها من الجريد يلبسوه جسمًا من قماش يحشونه بالقطن، أما الصبيان فلهم فيها مآرب شتى:
2 – الطناﮔـير (الطناقير، جمع طنقور): عصا طولها مقدار متر أو أقل حسب الرغبة، يدبِّبون رأسها لتكون صالحة للانغراز. وطريقة اللعب بها: أن يبحثوا عن أرض رخوة، ويبدأ أحد اللاعبين بجس الأرض ويقذف عصاه فيركزها في الملعب وهو يقول: (باشوف)، بعد ذلك يرفع يده إلى أعلى ما يستطيع، ويسدد تلك العصا ذات الرأس المدبب نحو الأرض فتنغرز فيها، فيقوم لاعب آخر بقذف عصاه عليها، فإن اقتلعتها كسب طنقور غريمه، وإلا خسر طنقوره([4]).
تختلف تسميات هذه اللعبة من بلدة إلى أخرى؛ ففي العوامية، مثلاً، يسمون اللعبة (اشكوك)، ويقولون: (باتول) بدل (باشوف).
الفراري: (جمع فُرَّارة)، عصا دقيقة أو شريحة من العصا، يركب بها أجنحة ورقية، يركض بها الصبي فتدور بقوة بفعل الهواء.
الحمير:
عصا أو تليل يضعونه تحت الرجلين ويركضون.
السيارة:
يصنعون عجلاتِها من جسم شجرة الـﮕُـضوب (القضوب، جمع قضب) شجرة اللوز البلدي ، يقطعونها قطعًا بسمك مختار، وينزعون لُبَّها فتصير كالكعة، ثم يضعون عصا بمثابة المحور، ويثبتون في كل طرف من طرفيها عجلة، وفي منتصف العصا بين العجلتين (المحور)، يثبتون عصا طويلة، ويثبتون عصاتين يشدونهما بالمحور وبالعصا الطويلة فتشكل مثلثًا يمنع انحراف المحور أثناء السير، وفي نهاية العصا الطويلة يضعون السكان، ويشدون به حبلا يربطون به إحدى العجلتين، وبذلك يكونون قد امتلكوا سيارة من صنع أيديهم، يذهبون بها إلى أي مكان يريدون، أما الهرن (المنبه) فهم ليسوا بحاجة إليه، فلديهم أفواههم وحناجرهم الأعلى والأغلى من أي هرن.
شجرة الـﮕُـضوب (القطوب، والمفرد قطب) ثمرتها تسمَّى (اللوز) معروفة ومستطابة في القطيف رغم أنها ليست أساسية للغذاء كبقية الفواكه، وهي ثمرة بيضوية الشكل، أكبر من اللوز الشامي المعروف في القطيف بـ(البيدان)، أو (البادان) في غيرها، وفي الفارسية (بادام)، وفي الإنجليزية (Almonds)، واسمها العلمي: (Prunus amygdalus)، فالبيدان شجرته تشبه شجرة الرمان، ونواة ثمرته تشبه نواة ثمرة المشمش، وهو لا يزرع في المناطق الحارة. أما اللوز المقصود هنا فهو اللوز البلدي، وهو فصيلة من اللوز الهندي، اسمه العلمي: (Terminalia catappa)، وهو شجر استوائي، أوراقه جلدية، عميقة الخضرة، بيضوية تحمر وتصفر ثم تسقط في فصل الشتاء، وفي الخريف البارد، وجذعها مستقيم، يبلغ ارتفاعه قرابة (6) أمتار، وفروعه طبقية تتخذ شكل الشمسية (المظلة)، وله زهر أبيض يميل إلى الاخضرار يخرج من بين الأوراق في هيئة شمراخ طويل، والثمرة بيضوية مفلطحة تشبه لوزة الشام إلا أنها أكبر حجمًا منها، لونها قبل النضج أخضر، وإذا نضجت صارت حمراء أو صفراء، وبعضها يبقى أخضرَ حتى بعد النضج، نواتها تشبه نواة المانـﮕـا (المانجى، كذا ذكرها أبو عبد العزيز البكري “القرن الخامس الهجري”، يتوهَّمون أنها عامية) ([5])، صُلُبة مكسوة بطبقة من الألياف الخشبية (Cellulose)، تغطيها طبقة جلدية باطنها أحمرُ دموي اللون، هي الجزء المأكول منها، وبداخل النواة بِزْرة مستطلية كستنائية اللون، لذيذة يسمونها (صِلْم)، وفي القطيف من هذه الشجرة ثلاث فصائل:
1 – العادية المشهورة وهي الأكثر توافرًا وألوان ثمرتها الخارجية ثلاثة؛ أخضر، وأصفر، وأحمر
1 – (الحِبَّة)، وحَبَّته أصغر من العادية، والحبة في اللغة: بِزور الصحراء.
3 – السَّكَنْدَري، وهو يختلف عن العادي والحبة بأن لونه أبيض، ولحمته الداخلية لونها أبيض، ولا يعلق صبغها باليد كالعادية والحِبَّة([6]).
وصف أبو البحر الشيخ جعفر الخطي درز شجرة اللوز (أي عودة ظهور ورقه بعد انحساره فقال([7]):
ولمَّا اكتسى اللوز الحَسِين مَطارفًا
جدائدَ من أوراقه السُّنْدُسيَّةِ
أشار بأغصان كأنَّ فروعَها
أكُفٌّ تصدَّت بالدعاء، ومُدَّتِ
الجذبة
الجَذَبُ مُحَرَّكَةً: شَّحْمَةُ لونها أبيض هي قاوم الجمَّارة (رأْس النَّخْلَةِ يُنزع عنها اللِّيفُ، لذيذة الطعم، وفي الحديث: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله يُحِبُّ الجَذَبَ” – تاج العروس).
الكاروب
وفصيحها راكوب: فسيلة تنبر في أعلى في جذع النخلة.
السف
طلعة الذكر من النخل (الفحال)، بداخل قرفه (غلافه) القمح: به يلقحون النخلة، وأما القرف فيقطع الطرف العلوي منه (الشحُّومة) فيأكلونها، وباقي القرف طعمة للنار، كانت تقوم عليه صناعة فخمة آخر من عرفته من مزاوليها الشاعر أحمد الكوفي رحمه الله، وأذكر أن الأخ عبد الرسول الغريافي قد صور الآلات التي كان يستعملها، فلعله يخرج لنا بما لديه من صور تلك الآلات، للأسف عملية التصعيد هُجرت في القطيف، لكن لحسن الحظ أن البحرين ما تزال محافظة عليها .
الطلعة
هي العذق في بداية انتباره من الجمارة يترك منه العدد المناسب وما زاد يقتلع ويؤكل
الحَبَمْبَو
بعد عملية التلقيح، يبدأ تخلق البسر فيأخذ شكل كريات بيضاء صغيرة تتدرج ثم تأخذ في الميل نحو الاخضرار، في هذه المرحلة تسمى (حبمبو).
الخلال
بعد الحبمبو تأتي مرحلة الخلال، وهي مرحلة اكتمال الثمرة نموًّا، لكن لونها ما زال أخضر.
البسر
بعد اكتمال نمو الخلال يأخذ في إبراز لونه النهائي أصفر أو أحمر أو أبيض، أو مخضر، فيسمى (بسر).
الرطب ثم التمر
يلي طور البسر طور النضج فسمى (الرطب)، وهو استواء البسر قبل أن يكتمل نضجه تمامًا فيصير تمرًا.
الجِمز
ساق الطلعة النابت في جمَّارتها، هذا أيضًا يقتلع ويؤكل.
الليفة دواء للجروح
هذه تجربة شخصية أرجو من أخذها من العلماء ومراكز الأبحاث. في سن السابعة أو نحوها كنت أتقافز مع أترابي في عين ارتوازي قد حفرت للتو، فأصاب حجاجي حافة الأنبوب فجرحت جرحًا عميقًا، واتفق مرور أحد الفلاحين، فأخذ يدي وضعها على الجرح، وطلب من أحد الصبية الموجودين معي أن يدخل إلى النخل ويحضر له ليفة من نخلة أسماها خشكارة، وصف له مكانها، فما لبث أن عاد بالليفة وأعطاها لها ففركها في راحة يده، ووضع فتاتها فوق الجرح، فتوقف الدم. وسرعان ما التأم الجرح في برهة يسيرة.
بعض أسماء نخلة القطيف([8])
أم ربعة، أم رحيم، أم عدگ، بچيره (بكيرة)، برحي، برشوم، برني (منقرض من القطيف)، بريم، بنات السيد، بنات الجشي، بنات الزاير بنات بگُّوص (بقُّوص)، بياض، تناگيب (تناجيب)، جنيس، چلافمي (كلاثمي)، حجوب (خصاب عصفور)، حلاو أبيض، حلاو أحمر، حلاو طفوف، خرچان (خركان)، حشاشة، خشكار، خصاب عصفور حساوي، خصبة باب، خصبة جعيلي، خصبة حمام (فگاح الغنيا)، خصبة سلس، سلس حر، سلس مدني، خصبة محيجة، خصبة موسى، خصبة رزيز، خلاص، خنيزي، خواجي، دعيدعات، دكيني، خصبة روح وتعال، زاهدي، سعمران، سلس حر، سلس مدني (سلس أسود)، سلمي، شكيري، شهلا (أشهل)، شيشي خضري (خضراوي)، شيشي شبيبي، صَبُو، صْمدي، طيَّاري، عبيدة، عماري، عْوينات، عيزاري، عيون بگر (بقر)، غره (غرا)، غزال، غَنَّام، فوفل، فيراني، گنطار، لحمة المشوية، لولو، ماجي، مچتوم (مكتوم)، مرزبان، نغل الغرا، نغل خلاص، نوگ (گراگر نوگ)، ويسمى في أم الحمام (بغدود) و(نوگ)، نْوَِيسي، هْلالي صيني، هْلالي.
____________
([1])بعضهم يبدلها بـ(أبيض من القرطاس).
([2])بعضهم يبدلها بـ(أسود من الطفو)، والطفو، في لهجة أهل القطيف: الرماد، وهو ليس أسود.
([3])التحفة النبهانية، محمد بن خليفة النبهاني، ص: 134 – 141، ومن تراث شعب البحرين، محمد علي الناصري، الفصل (10)، ص: 193، 194، 215، 216.
([4]) انظر: واحة على ضفاف الخليج – القطيف، محمد سعيد المسلم، مطابع الرضا، الدمام الطبعة الثانية، 1423هـ 2002م، ص: 126.
([5])مسالك الممالك، حقه وقدم له أدريان فان ليوفن، وأندري فيري، الدار العربية للكتاب، بيروت، والمؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات (بيت الحمكة)ـ تونس،1992م، جـ2/370 – 371.
([6]) راجع جريدة اليوم، العدد: 6609، في 9/1/1412هـ، والمعجم الذهبي، محمد التونجي، معجم فارسي عربي، ومحيط المحيط، وقائمة المغروسات في مشروع الإسكان في القطيف، كونسلت جزار، دراسة فنية.
([7])ديوان أبي البحر الخطي، تحقيق عدنان السيد محمد العوامي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2005م، جـ2/7.