[1] حسن الشيخ فرج العمران.. شاعر ذكرته الأزهار ونسيه الرواة [19] بستان السيحة وسمر في الذاكرة

عدنان السيد محمد العوامي

تجافَ عن العُتبى، فما الذنب واحد

وهب لصروف الدهر ما أنت واجد

إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه

فلا عجبًا إن أسلَمَتك الأباعد

ولا تشك أحداث الليالي إلى امرئ

فذا الناس إما حاسدٌ أو معاند

علي بن المقرب العيوني

أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا

لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغْرِ

وَخَلَّوني لِمعتَرَكِ المَنايا

وَقَد شَرَعَت أَسِنَّتُها لِنَحري

كَأَنّي لَم أَكُن فيهِم وَسِيطاً

وَلا لِي نِسبَةٌ في آل عَمرِو

أُجَرَّرُ في الجَوامِع كُلَّ يَومٍ

أَلا لِلّهِ مَظلَمَتي وَصَبري

العرجي

أيُّ ظُلمٍ أقسى وأوجع من أن تغيَّب قامةٌ أدبيَّة باسقة كهذه القامةِ فلا نجد لها ذكرًا في كتب السير والتراجم؟ دونك ما صدر منها عن أدب المنطقة منذ حقبة السبعينيات الهجرية، الخمسينيات الميلادية، فلن تجد سوى ترجمة يتيمة مختصرة لدى الأستاذ الباحث عبد العلي يوسف آل سيف في كتابه (القطيف وأضواء على شعرها المعاصر)، في تأبين الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، نقلها عن كتاب والده الشيخ فرج (تغمده الله بواسع رحمته)([1]).

هذا لا يعني التقليلَ من جُهد أولئك المؤلفين، ولا قيمة مؤلفاتهم، لكنها نفثة أسى، وزفرة شجا ألتمس العفو عنها.

تقول سيرته إنه شاعر مطبوع، قويُّ العارضة، في الشعر والنثر، غزير الإنتاج، كان له حضور أمام المنبر في المناسبات الدينية، ومشاركة فاعلة مع ثُلَّة تجديد الخطاب المنبري شكلاً ومضمونًا. عالج المقالة والقصة والتاريخ.

ترجم لنفسه وحسنًا فعل أبوه (قدس الله روحه) – وفعله كله حسن – فترجم له في سفره النفيس (الأزهار الأرَجِيَّة في الآثار الفرَجَية). ترجمة ضافية، ختمها بتعليق قال فيه: “بعد أن كتبت هذه الترجمة وقَفت على جملة من مخطوطات صاحب الترجمة، فوجدت فيها ثروةً من آثاره من نظم ونثر، فمن نظمه ما جاء في التوحيد، وفي مدح أهل البيت (عليهم السلام)، وفي رثاء الحسين من قريض وشعبي. ومن نثره وجيزة في ترجمة البحرين، ووجيزة في ذكر القرامطة، إلى غير ذلك، من قصص روائية شتَّى في مواضيع مختلِفة لو تجمع لكانت كتابًا ضخمًا هامًّا، ولكنها تحتاج إلى تهذيب، وتصحيح، وذلك يقتضي استفراغَ وُسْعٍ، وفراغَ بال، قيَّض الله لنا من يجمع هذا الشتات، ويحفظ هذا التراث”.

ورأيت، من جملة تلك القصص الروائية، قصة عنوانها: (الزواج المحرَّم)، وقد قدمها بسطور، وكتب أمامها بيتين ليكونا تحت صورته، ولا بأس بذكر ذلك تتميمًا للفائدة:

رسمي يمثِّلُني أمام الناظم

وكتابتي تحكي إليه خواطري

فكأنَّني طولَ الزمان مخلَّدٌ

ما خُلِّدت لي صورتي ومآثري

    حسن

مؤلف الرواية

اسمه وشهرته: حسن الشيخ فرج العمران.

بلدته وموطنه: القلعة القطيف -المنطقة الشرقية – المملكة العربية السعودية.

مولده ونشأته: ولد كاتب القصة في الساعة الثانية صباحًا، حسب التوقيت العربي([2])، في بيت محافظ، وأبوه أحد رجال الدين الإسلامي، وأمه إحدى النساء المتدينات، فأخذا يغذيانه بالتعاليم الدينية حتى شبَّ وترعرع. تعلَّم القرآن على والدته في كتَّابها – فهي إحدى المعلِّمات – ودرس مبادئ الكتابة على الأستاذين الشيخ محمد صالح وأخيه الشيخ الميرزا حسين البريكي. حسَّن خطَّه، وتعلم الحساب على الأستاذ الملا علي بن رمضان. درس النحو على والده، ثم على الأستاذ محمد سعيد الشيخ علي الخنيزي. قال الشعر وهو – بعدُ – لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، وكان شاعرًا مقلاًّ، ولكنه بعد أن درس النحوَ وجد أكثر شعره ملحونًا، فأصلح بعضه، وأتلف الآخر، كان شعره حماسيًّا، فلا تكاد تُقرأ له قصيدة لم توجد بها دعوة صريحة أو تلميح للوحدة ومحاربة الظلم. نشر بعض المقطوعات في جريدتي “أخبار الظهران([3])“، والوطن)([4]). له ديوان شعر يحمل اسم (آراء وأحلام) لم يطبع بعد<.

مشتركات ومفترَقات

جمعتني وإيَّاه (رحمه الله) مشتركات ومفترَقات، بدأت منذ اليفاعة، فقد حج مع والده سنة 1369هـ، زمن السيارات (الدمنتي)، و(خشم الجاوة)، زمن التغاريز في رمال طُويَّة، ونفوذ الجافورة، بقيادة مردة الدهناء، وجنِّ الصمَّان، وغُبْرة العوافير([5]). رحلة عشرة أيام من القطيف إلى المدينة المنورة، على ظهر سيارة حمولتها البشر والقرب، وزكائب الأواني، وصاجات الشينكو (صفائح معدنية توضع تحت عجلات السيارة لتسير عليها في الرمال)، وبراميل الديزل، سفن حديد تمخر عباب رمالٍ تغور فيه حتى أخفاف الإبل، وفي البحر ذاته، وعلى ذات الوسائل سبقته بسنتين متواليتين، فحججت رفقة أبوي عامي: ( 1366- 1367هـ).

في معترك الحياة

وفي العمل: عمل في الظهران لدى شركة أرامكو، أمل الشبيبة، ومطمح الرجال، وعملت في الظهران، لكن مفتش نظافة لدى مقاول معها، وعمل بالمحكمة الجعفرية لدى الشيخ علي الجشي (رحمه الله)، وعملت مؤقَّتًا لحسابي الخاص لدى كاتب عدل القطيف (اسمه – إن لم تخنِّي الذاكرة – عبد القادر القرعاوي). ولم أكن موظًّفًا، وإنما مستأجرًا أنسخ صكوك الأراضي الزراعية، المتعاقد عليها مع الحكومة بالمقاولة، وهو نوع من التعاقد يقوم المقاول بموجبه بإحياء الأرض البور لقاء أن يكون للحكومة ربعُها بعد الإحياء، وأتقاضى أجرتي من أصحاب تلك المقاولات. واتفقنا في أنني عملت كاتِبًا في سوق السمك لدى أحد جزَّافي السمك([6])، (رحمه الله)، وبعد مدة من التحاقي بالعمل ضبطني متلبِّسًا بجُرم يعاقب عليه قانون الجزافة، فقد اكتشف الحاج أنَّ كشف حسابه في المقهى المعمَّد بإفطار كتَّابه وعماله خُلوٌ من اسمي طيلة شهور؛ هذا يعني أنني متهربٌ من تناول الفطور المقرر، كتهرب دافع الضرائب، وهي مخالفة صريحة، تعتبر إساءة، وكسر ناموس وشرف؛ فسرَّحني، ووظَّف حسنًا (رحمه الله) مكاني.

واتفقنا في الانتساب للمكتبة الأهلية، إلا اننا افترقنا حين تحمل هو عبء المكتبة الأهلية على كاهله وحده بعد أن تخلَّى عنها أغلب المساهمين، فعجزت حتى عن أداء أجور مقرها. ولم أتخطَّ أنا عتبة مساهم عادي سرعان ما قاطعها مع المقاطعين، يوم نخرت فيها سوسة الخلاف، آفة المشاريع الحضارية النهضوية، كلجنة تشجيع الطلاب، والرابطة الثقافية، وغيرهما، وحين رأى (رحمه الله) أن الطوق الذي ألقاه للغريقة لم يفلح؛ ترَكها وديعة عند لجنة إنقاذ أخرى لم تشر أدبيات تلك الحِقبة إلى فلاحها.

ماذا في “اليمامة”

في مربع صغير، وتحت عنوان: (حول مكتبة القطيف) كتبت اليمامة: (كتب إلينا السيد باقر الشماسي يصف مكتبة القطيف وخُلوَّها من الكتب، ويقول بأن وزارة المعارف أبدت – عند تأسيسها – اهتمامًا بها، ورعاية لها، وأن هذه المكتبة الآن أصبحت في وضع سيء جدًّا، رغم كونها في مدينة تعتبر من كبريات مدن المملكة، تفتقر إلى وجود مكتبة عامة مهيَّأة بكل ما يجب أن تُهيَّأ به المكتبات العامة. والسيد باقر يرجو من وزارة المعارف أن تلتفت إلى هذه المكتبة، وأن تنال من عنايتها واهتمامها ما تناله المكتبات الأخرى في مدن المملكة.

واليمامة ترجو أن تحقِّق وزارة العلم والعرفان رجاء الشمَّاسي، بل رجاء سكان مدينة القطيف)([7])

وفي زاوية صغيرة في العدد التالي من اليمامة عاد العنوان نفسه وتحته كتبت الجريدة: (كلمة طويلة في شكل رسالة مفتوحة موجهة إلى سمو وزير المعارف، وتأسف اليمامة لعدم معرفتها اسم كاتبها، وما لنا والكاتب؟ إنها تدور حول موضوع سبق أن نشرت اليمامة في عددها الماضي كلمة للأخ باقر الشماسي عنه…) ([8])، ثم تختم الصحيفة بمؤازرة الطلب وبيان الفائدة من إشراف الوزارة عليها.

ويلح باقر الشماسي على الطلب من وزارة المعارف أن تتولى الإشراف على المكتبة، مذكِّرًا بمطالبات سبق أن طالب بها بعض الإخوان على صفحات جريدة اليمامة أن تنتشل المكتبة من هوَّة الإفلاس، ويضم صوته إلى أصوات المطالبين بوضعها تحت إشراف وتوجيه الوزارة([9]).

هذه المطالبات استفزت رئيس المكتبة فرد ردًّا مطوَّلا حمل عنوان: (إيضاح عن واقع مكتبة القطيف الأهلية) استعرض فيه مسيرة المكتبة، تعرضها للضعف والخور حتى تركت على كاهل فرد واحد هو حسن الشيخ فرج… إلى آخره([10])،  ويرد الشماسي في عدد لاحق (حول مكتبة القطيف – الرئيس يتَّهم ونحن نرد)([11])، وبعد كمون أشبه دام قرابة نصف عام  انضم خالد عباس الصفواني إلى المطالبين([12]) لكن، لا الوزارة استجابت ولا الدفاع أجدى، فانهارت المكتبة، وأودعت تركتُها من الكتب والصحف مركز الخدمة الاجتماعية (حاليًّا مركز التنمية الاجتماعية)، وهذه عاقبة كل المشاريع المثمرة التي دبت فيها سوسة الخلاف. أكتب هذا للعظة، لا لذرف الدموع.

([1])مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ، 1985م، ص: 286.

([2])التوقيت العربي، توقيت يعتمد ضبط الساعة على غروب الشمس في الساعة الثانية عشرة على مدى العام.

([3])أخبار الظهران: جريدة أسبوعية عربية جامعة، صدرت عن شركة الخط للطباعة والنشر بالدمام، رئس تحريرها صاحبها عبد الله الملحوق، وبعد تعيينه ملحقًا إعلاميًّا بسفارة المملكة في لبنان تولَّى إدارة الشركة ورئاسة تحرير الجريدة الشيخ عبد الكريم الجهيمان، صدر عددها الأول الأحد 1 جمادى الأولى 1374هـ، من بيروت بعنوان: (الظهران)، ومن العدد الثالث عشر صارت تصدر من الدمام بعنوان (أخبار الظهران). انظر البدايات الصحفية في المنطقة الشرقية، محمد عبد الرزاق القشعمي، مطابع التقنية، الرياض، الطبعة الأولى، 1423هـ 2002. أصدر منها الجهيمان 44 عددًا، وأوقفت وسحب امتيازها منه، ثم أعاد سكرتير تحريرها عبد العزيز العيسى إصدارها بعد خمس سنوات، ثم احتجبت بعد صدور نظام المؤسسات، لكن هذه الفترة أعدداها مفقدوة. وجدته له في فترة الجهيمان 3 مقطوعات.

([4])جريدة الوطن: كانت تصدر من البحرين، وعنوانها:(القافلة)، ويشرف عليها علي سيَّار، ومحمود المردي، مساعد مدير البنك البريطاني في الخبر. أوقفها المستشار البريطاني تشارلز بلجريف سنة 1374هـ، 1955م، ثم أعاد سيَّار والمردي إصدارها باسم (الوطن). انظر: جريدة (أخبار الظهران)، العدد: 10في 6 ذي القعدة 1374هـ، ص: 2، زاوية: (أنباء وتعليقات)، وأيضًا: أشرف السعيد، صحيفة الأيام، العدد 9331، الاثنين 27 أكتوبر 2014م، 3 محرم 1436هـ.

([5])العافور، والعاثو، لغةً: الأرض المهلكة (محيط المحيط)، وفي الاستعمال العام: عصفة هوائية دوَّامة تسير بشكل حلوزني أو حلزوني، تثير الغبار حاملة معها ما تمر به من أشياء خفيفة، وهي ظاهرة فيزيائية تنشأ من تفريغ الحرارة للهواء بفعل الحرارة.

([6])الجزَّاف في اصطلاح باعي السمك: دلال السمك أو تاجر السمك بالجملة.

([7])العدد 224، 26/11/1379هـ، ص: 2. صورة الصفحة مرفقة.

([8])العدد 225، 4/12/1379هـ، ص: 6. صورة الصفحة مرفقة.

([9])العدد: 227، 6/3/1380هـ، ص: 10، صورة الصفحة مرفقة.

([10])العدد: 243، 18/4/1380هـ، ص: ح، صورة الصفحة مرفقة.

([11])العدد: 249، 1/6/1380هـ، ص: 10، صورة الصفحة مرفقة.

([12])العدد: 283، 10/2/1381هـ، ص: 10، صورة الصفحة مرفقة.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×