القطيفيات يغنين على “تِتِنْاه”.. أنفك الحجز عن الشحنات ولم تنخفض الأسعار الكميات توفرت عند التجار.. والمُستهلكات يفكرن في "المقاطعة"
القطيف: شذى المرزوق
..وفي الأسبوع الأول من شهر ربيع الأول، انحلت عقدت التِتِنْ، توفرت الكميات، ولكن الأسعار بقيت “مُبالغ فيها”، ونسوان القطيف “كل يغني على تِتِنْاه”، في أزمة تضرب رؤوسهن منذ أشهر، وحرمت شفاههن من “أعز سلوى” في زمن جائحة كورونا.
استبشرن بخبر فك الحجز عن شحنات التِتِنْ وتوفر أوراق الكيف البنية لدى التجار، الذين تنفسوا بدورهم الصعداء أخيراً، بعد أزمة تعليق الشحنات في الجمارك لحوالى 6 أشهر، ما تسبب في فتح الباب أمام جشع بعضهم، ممن حولّ السوق إلى “سوداء”، فاستغلوا الوضع في رفع الأسعار تدرجاً من 180 إلى 800 ريال، خلال فترة الانقطاع.
شعار التجار والباعة آنذاك كان وعداً مفاده “متى ما تسلمنا الشحنات المُستوردة من الجمارك؛ أبشروا بالخير والسعر الزين”.
لكن ما حصل حين تسلموا الشحنات كان مفاجأة أخرى: التِتِنْ متوافر، أما الأسعار فمرتفعة.
اعتادت النسوة تتبع أخبار التِتِنْ، والتواصل الدائم مع التجار، على أمل الحصول ولو على القليل منه، هن متأهبات لأي إشارة تُلمح إلى توفر التِتِنْ، لذلك لم تفوت الكثيرات منهن خبر فك الحجز عن الشحنات من الجمارك، وكما النار في الهشيم؛ انتشر الخبر في أرجاء المحافظة.
إلا أن البشارة اصطدمت في حاجز آخر؛ السعر الذي اتفق عليه كبار التجار 420 ريالاً للكيلو الواحد، ما أثار حفيظة مستهلكي التِتِنْ، وأدخل النسوة من شاربات “القدو” في موجة استهجان واستنكار للسعر الذي بقي “مُبالغاً فيه”، فرغم انخفاضه؛ الا أنه مازال في “دائرة الغلاء” بحسب رأيهن.
علامة استفهام وتساؤلات
لم يكن الغلاء، – رغم توفر التِتِنْ – السبب الوحيد خلف موجة الاستنكار، بل التساؤلات حول سبب فرز الشحنات الجديدة، فبحسب حسن علي، الذي نقل لـ”صبرة”، تجربة تواصله مع التجار لشراء التِتِنْ، وصدمته من السعر، إضافة إلى فرز “الكراتين” المُغلفة والمرتبة في شحنات التِتِنْ المختومة ضريبياً من الهيئة العامة للجمارك، كل عبوة تضم نصف كيلوغرام على حدى، ليتم تفكيكها، وإعادة تغليفها في أكياس يتم بيعها بـ210 ريالات لنصف الكيلوغرام، وعند سؤاله التجار عن ذلك؛ كانت الإجابة “رضا الزبون”.
يرى حسن أن في هذه الإجابة “ادعاء غير مُقنع”، متسائلاً “كيف أفك مجموعة عبوات تصل إلى 400 كيلوغرام من الشحنات التي وصلتني، فأزيد الكُلفة على نفسي، فضلاً عن الوقت والجهد، بحجة الموازنة، بإضافة نصف كيلوغرام آخر لنصف الكيلوغرام المُغلف سلفاً من الجمارك، والمختوم بذلك”.
يفسر حسن ما يجري حالياً بأحد أمرين، يراهما “أكثر منطقية”: أما أن يكون الكيلوغرام المُباع الآن هو من التِتِنْ القديم المُخزن، أو أنها حزمة تِتِنْ أكثر من نصف الكيلوغرام، ما يعني خسارة للتاجر، بحسب قوله.
يشترين رغم الأسعار المرتفعة
على غرار حسن؛ أكدت أم حسن البراكي، أنها ما أن سمعت عن توافر التِتِنْ حتى أسرعت لاقتناء 15 كيلوغراماً منه، رغم سعره المرتفع.
واستغربت البراكي من إعادة التغليف “ليعاد بيع كل نصف كيلوغرام في عبوة جديدة بـ210 ريالات”.
“كل يغني على تِتِنْاه”
إحباط وخيبة أمل، مشاعر مشتركة بين نور علي، وإيمان حسين، تقول الأخيرة “لكثر الضيق؛ نهرب للنوم. فعلياً؛ نحن نشعر بالخدر، فأنا أنام وأجلس على أمل انتهاء الأزمة، وتوفر التِتِنْ، مع أن الحاجة دفعتنا لقبول الأسعار المرتفعة جداً في فترة الشح والانقطاع؛ فلا نرى بُداً منه”.
تضيف “إحدى الصديقات قبلت بشرائه بـ650 ريالاً للكيلوغرام، وما زاد الأمر سوءاً قبولها بالنقص في وزن الكيلو الذي اشترته. وأنا لا أرى حلاً إلا المقاطعة، فرغم الصبر؛ إلا أن النتيجة أيضاً غير مرضية، حتى مع توفر التِتِنْ في الأسواق”.
تشاركها الرأي نور، مستشهدة بشطر من بيت الشاعر العاشق قيس بن الملوح، ولكنها حولت إحدى كلماته لمعشوقها؛ التِتِنْ “كل يُغني على تِتِنْاه”.
وأردفت “باتت قيمة كيلو التِتِنْ تعادل سعر خروف. من الصعب تقبل هذه الأسعار الجشعة، فغالبية شاربات التِتِنْ يستلمن مساعدة من الضمان الاجتماعي، فكيف بهن وهن يهدرنها على التِتِنْ. أضف إلى ذلك الفواتير والالتزامات الأخرى، فنصف المبلغ وأكثر يُصرف على المزاج، الذي بات مُوجعاً أكثر مما هو مُرض”.
نور وإيمان تتفقان على أن “الباعة يستغلون الحاجة”، بالإبقاء على السعر المرتفع، ليتسنى لهم تعويض ما فاتهم خلال فترة الانقطاع، وسيقبل المُستهلك السعر، شاء أم أبى، لا لشيء سوى استغلال هذا الإدمان للأوراق التي يبحثن فيها عن استرخاء الأعصاب المُتلفة، نافثات مع دخانها ما أعتلى في صدورهن من ضيق.
أصبرن.. السعر سينخفض
أم موسى دعت “المُتِتِنْات” إلى الصبر “فبعد الدفعة الأولى؛ سينزل السعر، هي البداية فقط”، كما قالت.
واتفق معها حسن علي، بعد أن نقل عن أحد التجار نفس العبارة التي توحي بالصبر على الأسعار خلال هذا الشهر، على أمل انخفاضها في دفعات لاحقة.
يرجع التاجر، الذي نقل عنه حسن، ارتفاع سعر الدفعة الأولى إلى “المبالغ التي تكلفها التاجر ضريبياً، ولإنهاء الإجراءات الخاصة باستلام الشحنات من الجمارك”.
التِتِنْ مقابل الذهب
بنبرة أسى، وبلهجة عامية، عددت أم شهد تدرج سعر التِتِنْ، ولأي حد وصل محبوه ومستخدموه، تقول “وين تاجر يقول قبل يومين الكيلو بـ600 و700 ريال، وآخر يقول 500 و550 ﷼اً. البارحة كل التجار وحدوا السعر، وأرسلوا إعلاناً عنه في نفس الوقت والساعة: 420 ريالاً”.
وباستنكار سألت “ليش؟ وهل هالمخزون عندهم أخذوه بهالسعر؟”، مجيبة على سؤالها “أكيد بأقل القليل، والمفروض يكون 200 ﷼، مو يمصو دم الناس بهالسعر المُبالغ فيه”. وأكملت “فيه ناس باعت ذهبها عشان كيلو تِتِنْ.. التجار يبغو من الحريم المُدمنات عليه، والفقراء يروحوا يسرقوا، ولا يطروا عشان كيلو تِتِنْ”.
غلاء في كل شيء
تضيف أم شهد “كان كيلوغرام التِتِنْ بـ45 ريالاً، وزاد لاحقاً إلى 85، فـ100، ثم زاد أكثر وأكثر، إلى أن وصل إلى 200 و250 ريالاً، وتوقف”.
وتواصل الحديث قائلة “الآن شافو الحريم مُدمنات، والكل يشرب، فطلع سعره كده، وينكم يا تجار، أرحموا حال هالفقراء”، مُسترسلة “البارحة قعدت اتصل إلى أحد التجار المعروفين، أكثر من مرة، وكان يعطني مشغول. أول مرة ما يرد علي، أو ما يتصل بي، تركت له رسالة: ابي تِتِنْ، ولا تنسى أختك.. جلست الصباح فوجدت أنه تارك رقمه التجاري مع سعر الكيلو 420 ريالاً. طبعاً اختلعت وما رح اشتري، لا من عنده، ولا من عند غيره”.
وشجعت أم شهد، على مقاطعة التجارة “مفروض اخواتي اخواني ما نساعدهم بعد ونشتري منهم، أصبروا وخليكم يد وحدة، لا تشتروا منهم، وتشجعوهم على هذا الغلاء”.
لكن أم محمود المُحسن، علقت على دعوة أم شهد، قائلة “المشكلة مو الكل بيقاطع”.
الحل في موقف وزاري
يعتقد حسن سعيد، أن الحل يكمن في “موقف حازم من وزارة التجارة، يضع حداً لمثل هذه المطامع والجشع في الأسعار”، مضيفاً أن “المطلوب من الوزارة مراقبة الأسعار”.
ويلفت إلى أن المشكلة تكمن في “عدم وجود الرقابة، ما أدى إلى تضارب الأسعار، ورفعها إلى مستويات خيالية، تجاوزت المعقول لأي سلعة في ظل جائحة كورونا، وإغلاق المنافذ البرية لدول الخليج”.
يبدي حسن، مخاوف من رفع الأسعار في الدول القريبة من المنطقة الشرقية، في حال فتح المنافذ مطلع يناير المقبل، مستشهداً بأنه “في أزمة السجائر؛ كان المنتج رديئاً، فصارت الناس قبل الأزمة تجيب من دول الخليج، وتبيع بأسعار خيالية حين انقطع، ولما تم تعديل المنتج؛ إللى يجيبوا من الخارج اضطروا ينزلوا الأسعار”.
وتمنى “إشراك وزارة التجارة والجمارك في الموضوع، وتمنى نوصل إلى التجار المُصدرين في سلطنة عُمان، وإيضاح سعر التصدير مع ضرائب الجمارك في المملكة”.
“أكشن كوميدي”
استعادت أم قاسم الشيخ، المقولة الشهيرة “مصائب قوم عند قوم فوائد”، كونها تنطبق على حال مدخنات القدو “راس مفتر وأعصاب تالفة، والتِتِنْ متوفر أو مو متوفر، السعر في كل الأحوال غالي، والمنتفع الأكبر التاجر الطماع، ما نقول إلا الله يهديهم ويصلحهم، ويخافوا الله فينا”.
لكن أم أحمد فريد، رفضت التعميم على جميع التجار “مو كلهم تفكيرهم جمع المبالغ”، مضيفة أنه “لا أرى نفسي قادرة على تقبل جمع مبالغ على أكتاف الفقراء، رغم العروض المُغرية من بعض الباعة التي قدموها لي للترويج لمنتجهم، وبيعه بالسعر المُبالغ فيه”.
وأضافت “يبدو أن الجديد من التِتِنْ طلع من المخزون لدى التجار”. وترى في ما يحدث “نوعاً من الاكشن، لكنه اكشن كوميدي يضحك فيه التجار الجشعين على شاربات القدو، فيما هناك فئة صدقت، وأخرى لم تُصدق”.
نهاية العالم
بتندر؛ قالت مريم أم غايب “أشعر وكأننا في نهاية العالم، ولا نعلم من أين ستأتينا: من كورونا، أم من التِتِنْ”.
وبعد نفس عميق من “موش قدو”، وبلهجة قطيفية مُغرقة في المحلية، أضافت “داني أشرب، حبايبي ما قصروا، وصلني تِتِنْ من البحرين براس الخدمة”، مشيرة إلى أن الوضع بلا تِتِنْ “غير محتمل، ولكنهم وحدوا قلوب مدخنات التِتِنْ لمستوى تعدى القطيف، إلى البحرين، لتوفير التِتِنْ بقدر المُستطاع، حتى إن البعض يتقاسمن المتوفر منه”.
في السياق نفسه، رأت أم حسين جواد، في ما يحدث “استغلالاً للناس، وحرام على التجار”، متسائلة “من أين للفقير هذا المبلغ لكيلو لا يلبث طويلاً، ففي أقل من أسبوعين يكون اُستهلك. وبصراحة أنا وحدة ما أقدر اشتري بهذا السعر”.
وتساءلت “أين من يقول سيرخص السعر وينخفض؟ ما شفناه رخص، بالعكس حتى مع توفره في السوق، للأسف مازال الطمع هو المحرك الأساس للتجار، وطايح فيها هالفقير” على حد تعبيرها.
لكن أم علي العوامي، ترى أن “كل واحد ينظر بمنظوره، ما يدري الحريم كيف تجيب القرش، وكيف تتعب علشان توفر 500 ريال، التي يستغلونها”.
قاطعوا الجشعين
رجعت “صُبرة” إلى شوقي آل سعيد، أحد كبار باعة التِتِنْ في صفوى، الذي قال “اتفق أن الأسعار الحالية مُبالغ فيها بشكل كبير”، مضيفاً أنه “لم يتم تسليم جميع الشحنات للموردين، فقط بعض التجار. ويُقال أن على المصانع خارج المملكة أن تُسجل في الترقيم الدولي، إضافة إلى التسجيل في الهيئة العامة للزكاة والدخل، باعتبارها مُصنعة ومُوردة إلى المملكة”.
وأضاف آل سعيد “أكثر المصانع، وحتى المزارعين، لم يسجلوا، ومن سجل هو شخص واحد في عُمان، وهناك قليل ممن يتعامل معه من تجار محافظة القطيف”.
وصنف درجة البضاعة المُستوردة من عُمان بما بين الخامسة والرابعة. واكمل “الأسعار – كما وصلتني – جداً مُبالغ فيها، وأرى أن السعر العادل بين 170 إلى 200 ريال، وما سوى ذلك ظلم واستغلال، وهي مشكلة، وعلى المجتمع أن يكون واعياً، ليقاطع أمثال هؤلاء المُستغلين”.