طلب صداقة من واقع التواصل الاجتماعي

زكريا أبو سرير

التقيت مع أحد أبناء المجتمع الكرام، في أحد مراكز التسوق في المنطقة، ولم تكن لي سابقة معرفة به، فأقبل عليّ وبادرني بالسلام والتحية، وبدوري رحبت به وشكرته على حسن هذا الترحيب الحسن، ولكي يتأكد هذا الأخ الكريم من شخصي، كرر اسمي بصيغة سؤال موجهاً لي، وأكدت له صحة معلوماته، ثم بادرته بالسؤال الطبيعي عن اسمه الكريم، فبدأت علاقة التعارف الأولية بيننا، وبدأ بتقديم لي باقة من الإطراء والثناء الجميل، وما كان مني إلا أخذه بشكره وتعظيم شأنه والثناء عليه.

ثم بادرني بسؤال اعتراضي: عزيزي لقد قمت بإرسال طلب صداقة لك عن طريق التواصل الاجتماعي الفيس بوك، لأكثر من ثلاث دعوات، وفي كل طلب كان يأتيني منك بالرفض، هل يمكن أن أعرف السبب أو توضحه لي؟ فأصابني بعض التحرج والخجل وفي نفس الوقت شيئا من الاستغراب، لأن الشخص الذي أراه أمامي ذو شخصية محترمة ووقورة، فكيف بي أرفض مثله وصداقته ثلاث مرات..!

بادرت بالاعتذار ممزوجا بالاستغراب، حينها وجهت له استفساراً: أخي الكريم هل كانت دعوتكم الكريمة لي بطلب الصداقة بشخصكم الكريم؟ وباسمكم الموقر هذا؟

أجابني لا، وإنما كان طلب الصداقة على شكل برواز لصورة أحد المشاهد المقدسة، وكنت واضعا بدل اسمي كنيتي.

عندها اتضحت لي الصورة وأسباب رفض طلب صداقته، وإذا عرف السبب بطل العجب كما يقال، حيث إني عاهدت نفسي ألا أقبل أي نوع من أنواع الصداقات المجهولة الهوية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وهذا ما تم إيضاحه إلى الشخص الكريم فيما بعد، ثم وجهت له سؤالاً بعد طلب الإذن منه: ما الفرق بين الصداقات الذي تتولد من الواقع المباشر والصداقات الذي تتولد من الواقع الافتراضي؟

أجاب لربما كثيرة،

فطلبته منه ذكر بعض منها وأهمها، فأجاب: هناك صداقات تتولد من الطفولة، وصداقات من واقع المراحل الدراسية، وصداقات من واقع المجتمع الصغير أو الكبير، وأما الصدقات الافتراضية فهي تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة، وذكر لي بعض تلك المواقع المعروفة.

أجبته هذا شيء جميل، وسألته هل هناك شيء آخر غير الذي تفضلت به، أجاب نعم، الصداقات الواقعية فيها لقاءات مباشرة، والصدقات الافتراضية نادر ما يكون هناك لقاءات بينهما، بحكم أن بعض الصدقات الافتراضية تكون ما بين المشرق والمغرب، إلا إذا استثنينا اللقاءات المرئية.

أجبته كل الذي تفضلت به رائع وصحيح، ولكن ألا يوجد شيء مشترك بين العلاقتين أو الصداقتين؟ بحيث تحكم على هذه العلاقة بالصداقة، قال وما هو؟ أجبته أمران مهمان، أولهما معرفة كل منهما للآخر بشخوصهما، بمعنى تعرفه ويعرفك بكيانكما المادي، أي شكل الشخص بلحمه وشحمه، وهو كذلك يبادر لك بالمثل، ثانيا كشف هويتهما الكاملة لبعضهما بعض، الاسم الكامل والحقيقي والاصل والفصل، وبعض الخصوصيات الشخصية، كالدراسة والعمل والهوايات التي يمارسونها ويحبونها، وإذا تعمقت العلاقة أكثر فأكثر، يبدأن بمعرفة المزيد من الخصوصيات كأفراد أسرة وأسمائهم  وعددهم وهكذا، وبدون كشف هذه المشتركات التعارفية، لا يطلق على هذه العلاقة بالصداقة أو العلاقة المتينة أو الحميمية، وإن كان تجدها في بعض الأحيان من طرف واحد في مثل هذه القنوات التواصل الاجتماعية، بمعنى شخصية واضحة وأخرى شخصية غامضة أو مجهولة، مثل هذه العلاقة لا يمكن أن يطلق عليها بالعلاقة أو بالصداقة، بسبب افتقارها لعنصر مهم يخل بمفهوم الصداقة أو بالعقد الاجتماعي.

ثم أسهبت بالحديث، وتبركت معه بقول الله تعالى من سورة الحجرات آية ١٣: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) صدق الله العلي العظيم.

فأشرت له أن شرطية الجعلية الإلهية في عبارة لتعارفوا الذي يريدها الله سبحانه وتعالى من عباده الكرام هي المكاشفة، وبها يتحقق الهدف والغاية من صناعة مجتمع متجانس ومتعارف ومتصالح وقوي ومتين ومنفعي بين بعضهم بعض، هو تحقيق مبدأ مفهوم المكاشفة التعارفية بينهم، أي كل منهما يكشف عن هويته للأخر، ولا تتم سنة الله أي التعارف إلا من خلال تلك المكاشفة الشاملة والحقيقية، لأن هذا التعارف عبارة عن عقد اجتماعي بين الطرفين كما يعرفه علماء الاجتماع، ولأن يتوقف مفعول هذا العقد الاجتماعي في حدود هذين الطرفين، لربما يتطور هذا العقد التعاريف، ليصبح في المستقبل إلى مصاهرة بين الطرفين اي الي ارحام وهي صفة او رتبة أعلى اجتماعيا ، وهذا ما يحصل في غالب الأمر، وإلا كيف يتكون المجتمع البشري ويتكاثر، ويصبح شعوبا وقبائل، إلا بواسطة هذه السنة الإلهية والكونية.

الفكرة وضحت إلى صديقي الجديد الواقعي والافتراضي، وتفهم بعد ذلك أسباب رفضي لطلبات صداقته السابقة، وواعدني أن طلبه القادم لي أو لغيري سوف يكون كما سنه الله لعباده، بعدها افترقنا بوداع دافئ، وهنا نقطة على السطر.

من أخلاقيات صناعة أي علاقة بين طرفين، هي المصداقية والشفافية في كل شيء، وبالخصوص العلاقات الاجتماعية الذي تنشأ من الواقع الافتراضي، حيث يستعير البعض بأسماء وأشكال مستعارة لا تمت له بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، لأجل إخفاء نفسه وهويته من خلف هذا الجدار الإلكتروني الحصين، بهدف تكوين علاقات اجتماعية مجهولة الشخصية، وهذه العلاقات مخلة بأخلاقيات ومبادئ مفهوم العلاقات الاجتماعية، لأنها لا ترتبط بعقد اجتماعي أخلاقي، بل هي عبارة عن تجارة مغشوشة ومخادعة للآخر، وهذا ينافي أخلاقيات ديننا وقيمنا وإنسانيتنا.

وهذه الأسماء المستعارة، لا نجدها تستخدم فقط في طلبها لعلاقات اجتماعية عبر القنوات التواصل الاجتماعي فحسب، بل نراها كذلك في التعليقات على بعض ما يتم نشره من مقالات ثقافية عبر الصحف الالكترونية المحترمة، وخاصة إذا كان التعليق يعبر بيأسه للكاتب أو فكرته بطريقة غير لائقة وغير أخلاقية.

لذا يؤكد الدين وعلماء الاجتماع والتربية، أن بناء أي علاقة اجتماعية بين طرفين أو أكثر، لا تكون إلا عبر التعارف من خلال المكاشفة والشفافية الصادقة التي تعبر عن الثقة وعن أخلاقيات كل طرف للآخر، حيث تكون هذه المكاشفة هي من تبرم عقد تلك العلاقة الاجتماعية بشكلها الصحيح.

وكما قيل عن الصداقة: سلاما على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصف.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×