مأتم “البَدْع” البحريني يروي قصة مرض تاجر لؤلؤ قطيفي قبل 167 عاماً صالح بن جمعة بنى أقدم حسينيات المنامة بعدما عافاه الله
القطيف: معصومة الزاهر
في فريق الحمام، أحد أقدم أحياء العاصمة البحرينية؛ المنامة، والذي اكتسب اسمه من كثرة العيون والحمامات العامة، ينتصب مأتم البَدْع، الذي ربما يكون أقدم مآتم البحرين، إذ يشير مؤرخون إلى أنها لم تعرف المآتم أو الحسينيات المُستقلة والقائمة بذاتها، إلا في القرن التاسع عشر، وكان إحياء مناسبات أهل البيت (عليهم السلام) يُقام في مجالس البيوت.
اللافت أن هذه الحسينية أو المأتم، لم يؤسسها بحريني قبل 167 عاماً، بل تاجر اللؤلؤ القطيفي الحاج صالح بن جمعة الخطي، الذي تعرض إلى وعكة صحية شديدة، فانتقل من القطيف للمنامة بحراً، بحثاً عن العلاج، فنذر لله إن أنعم عليه بالشفاء أن يُشيد مأتماً على حب الإمام الحسين (عليه السلام)، وعوفي الرجل فعلاً، فكانت حسينية البَدْع.
تحقيق مجلة المواقف البحرينية عن مأتم البدع.
“المواقف” تؤرخ قصة المأتم
هذا ما رواه الزميل الصحافي عبدالله سيف في تحقيق نشرته مجلة “المواقف” البحرينية، في عددها 895 الصادر في 9 ذو القعدة 1412 (الموافق 11 مايو 1992)، وأعاد نشره مؤخراً، مأتم البَدْع عبر صفحته على منصة “انستغرام”.
سيف، الذي يستند إلى مخطوطة تعود إلى عام 1871، تؤرخ الوقفية، يتابع في حديثه عن الحاج ابن جمعة، أنه “أوفى بنذره وأحل عهده، وأسس مأتم البَدْع، وتولى شؤونه بنفسه، حتى سلم أمر ولايته للحاج محمد علي بن الحاج علي بن معتوق المقشاعي الصفاف، تاركاً في الوقف بعض الأدوات كالهاون، وثمان دلات قهوة مختلفة الأحجام، وقدور”.
عاد ابن جمعة للقطيف، وتوفي فيها عام 1308هـ، كما يذكر السيد عدنان العوامي في سلسلة مقالاته التي ينشرها في “صُبرة” بعنوان “ميناء القطيف”.
مأتم البدع من الخارج.
الولاية على المأتم
وبالعودة إلى تحقيق مجلة “المواقف”؛ تولى الحاج المقشاعي الولاية على المأتم لمدة 16 عاماً، حتى وصلت بعده إلى كل من الحاج منصور بن زبر، ثم أبن مؤسس المأتم عبدالحسين بن جمعة، فالحاج حسن خمدن وميرزا خمدن، ثم الحاج عبدالله عواجي، فأولاده: عباس، زيد، محمود، وعبدالنبي.
حين أُسس مأتم “البَدْع” عام 1858، أقيم على أرض مُحاطة بقطع من سعف النخل وجذوعها، وإلى جواره بئر ماء لاستخداماتها. وتبلغ مساحة المأتم 283 متراً مربعاً، وجرى تجديده وصيانة سقفه عام 1990.
مأتم البدع يعد من أقدم حسينيات البحرين.
السلمان: أقدم مآتم البحرين المؤرخة
وفي سلسلة مقالات نشرها موقع “مرايا التراث”، بعنوان “هل حسينيات المنامة هي الأقدم؟”، يقدم الدكتور محمد حميد السلمان، لمحات أخرى عن تاريخ المأتم، يقول “إن أقدم وثيقة، وليس رواية، تُشير إلى حسينية البَدْع (أو مأتم البَدْع)” باعتبارها أقدم مآتم المنامة.
يضيف “قبل منتصف القرن التاسع عشر، تفرع من العاصمة المنامة القديمة حي جديد (فريق) سُمي البَدْع.. وبعدها بسنوات بدأت فكرة إنشاء حسينية فريق البَدْع، على يد أحد المحسنين الميسورين من تجار اللؤلؤ، كما يروي الأهالي، من مدينة القطيف، كان يتردد على البحرين في تلك الفترة طلباً للعلاج، ويُدعى صالح بن جمعة الخطي [القطيفي]”.
موكب عزاء في البحرين. (الصورة من موقع مرايا التراث)
صوان وقدر ودلال وهاون
واستعرض السلمان، بعض محتويات وثيقة وقفية الحسينية، “ذُكر بها عدة أدوات للطبخ والقهوة، ومؤرخة في 3 صفر لعام 1288هـ (24 أبريل 1871). والواقف هو صالح بن جمعة، ذاكراً فيها: أربع صواني بنباويات يشتملون على ربعتين عيش، وقدر يحمل من ونص عيش، وثمان دلال قهوة ثنتين كبار وثنتين صغار، واربع وسطيين، ثنتين اكبر من ثنتين، وهاون حديد للمأتم المعروف بمأتم البَدْع في المربعة الكائنة غربي بيت الحاج محمد علي الصفاف، في البلدة المحروسة المنامة من البحرين”.
ويلفت إلى أن هذه الوقفية “تدل على أن الحسينية أسست قبل هذا التاريخ بالطبع. وإلا كيف أوقف الرجل، إن كان هو المؤسس أيضاً، ما ذكره من وقف لموقع غير موجود أساساً؟ ولربما تشير تلك الكتابة الموثقة على غلاف كتاب عن وفيات أئمة أهل البيت، أوقف على الحسينية ودون عليه هذه العبارة “بنيان دور حاج محمد علي بن حاج علي المقشاعي، حرر في 8 ربيع الأول سنة 1275هـ”. وقد اُقتبس منها ما دوّن على اللافتة القماشية (بيرق)، المعلقة بقاعة الخطابة بالحسينية حتى اليوم. مما يجعل حسينية البَدْع ذات تاريخ تأسيسي متقدم على غيرها، إن صدق التدوين، أي قبل 15 أكتوبر 1858″.
ويتابع السلمان بالقول “كان بناء الحسينية في مرحلة التأسيس، يتكون من أرض محاطة بقطع من سعف النخل المُسمى شعبياً بـ”الجريد”، وبعض سعفات النخل وجذوعها. كما كان بجوار الحسينية بئر ماء أو “جفر” لاستخداماتها.
الباشا منصور بن جمعة.
عبدالحسين بن جمعة أبن مؤسس مأتم البدع تولى الولاية عليه لفترة.
العوامي يميط اللثام عن أسرة ابن جمعة
يذكر السيد عدنان العوامي في الحلقة رقم 25 من سلسلة “من أوراقي.. ميناء القطيف، أن “الحاج صالح بن جمعة من أسرة آل جمعة، وهم ولاة القطيف في العهد العثماني، وله من الأبناء اثنين منصور وعبد الحسين”.
قبل ذلك؛ كان العوامي أشار في الحلقة 24، إلى ابن الحاج صالح؛ منصور بن جمعة الكويكبي، الذي حصل على الباشوية، وكان أٌقرب شخصية قطيفية للدولة، “عين رئيساً فخرياً للأملاك الأميرية، وهو أغنى رجل في الإقليم كله، ومنافس كبير في تجارة اللؤلؤ، والذي بزرت خلافاته مع السيد طالب النقيب متصرف لواء الأحساء المنتدب”، واستعرض السيد العوامي، خلاف الرجلين في الحلقة 23.
ووفقاً لما ذكره؛ فان “أصل أسرة آل جمعة من البصرة، هاجر صالح إلى البحرين، واستوطنها برهة، ثم أنتقل إلى القطيف، وتوفي فيها سنة 1308هـ”، ويفهم من هذا سبب تلقيب وقفيته لمأتم البَدْع في المنامة، بـ”البصري الخطي”، وكذلك وقفيته كتاب “وفاة الرسول صلى الله عليه وآله”، وكتاب “وفاة الإمام الرضا عليه السلام”.
اقرأ أيضاً:
[ميناء القطيف 24] حقيقة الصراع بين طالب النقيب ومنصور بن جمعة
[ميناء القطيف 25] المقيم البريطاني يطلب نقودًا من عبد الحسين بن جمعة