المحافظون يمانعون.. ثم يهرولون..!

حبيب محمود

يُهرولُ صوب ما كان يرفضه. ينسى ـ بسرعة ـ أنه كان ممانعاً، رافضاً. ويذوب بين الممارسين تماماً. هذه الرؤية فصّلها عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الورديّ منذ عقود طويلة، حين راح يحلّل تحوّلات المجتمع العراقي الحديث. والعراقيون؛ لا يختلفون عن غيرهم من سكّان المحيط الإقليمي..!

وليس على الساسة سوى أن يراقبوا عيّنات الاختبار في مجمتعاتهم، ثم يتخذوا قرار التغيير في توقيتٍ محسوبٍ بدقةٍ. في كلّ الأحوال؛ ثمة صدمة لا بدّ أن تقع. لكن المجتمع الذي واجه صدماتٍ خفيفة سابقة، غير المجتمع المصدوم فُجائياً. في الحالة الأولى؛ سيكون هناك هامشٌ عريضٌ للهرَج والمرَج اللذين يستقران ـ أخيراً ـ في المُضيِّ نحو التغيير المُقرَّر.

في هذه الحالة ينحصر الصراع بين “نعم” و “لا” في الوسط الاجتماعيّ. أصواتٌ قليلةٌ توجه “لاءها”. ومع وجود قاعدة اجتماعية “نعَمِيّة”؛ يخفتُ صوت “لا” شيئاً فشيئاً، لينتقل “المعترضون” إلى صفّ “الموافقين” تدرُّجاً.
:
بالطبع؛ يحتاج ضمان هذه السيرورة إلى تكتيكات كثيرةٍ تنفذها ليطمئن المعترضون إلى أن “التغيير” سوف يكون ضمن شروطهم هم، لا شروط خصومهم. وبعض التكتيكات مشروطة بظروفها، وقد تكون أصعب من الاستراتيجيات في بعض الظواهر..!

في المملكة مثلاً؛ كان تعليم “المرأة” من أعقد المشكلات التي واجهت بناء الدولة. ثمة اعتراض يمينيٌّ هائل تصدّى للمشروع الذي قدّمه الملك سعود، منذ أواخر الخمسينيات. ولم تجد الدولة من حلٍّ ـ وقتها ـ سوى إعطاء اليمينيين أنفسهم امتياز تعليم المرأة حصراً.

وحتى أواخر عهد الملك فهد؛ رحمه الله كان هناك ثلاث مؤسسات تعليمية:

ـ وزارة التعليم العالي المختصة بالتعليم الجامعي،
ـ وزارة المعارف المختصة بتعليم الذكور،
ـ الرئاسة العامة لتعليم البنات.

وكما هو اسمها؛ فإن “الرئاسة” نفذت السياسات التعليمية والتربوية وفق رؤيتها مستقلةً عن الوزارتين*، مهيمنةً على كلّ مدارس البنات في البلاد، ومعها عددٌ ضخمٌ من الكلّيات الجامعية.

ولم يحدث أيُّ تغيير هيكلي إلا بعد تعاظم صورة التشدد في “الرئاسة” التي آلت بعض تنظيماتها إلى وقوع كوارث. ربما يتذكر بعضنا ضحايا الابتدائية الـ 31 في مكة المكرمة، حين مُنعت الطالبات من الخروج والمدرسة تحترق. كان موقف “الرئيس العام” ـ وقتها ـ مُخجلاً، وقد خسر منصبه في اليوم التالي على يد الملك فهد.

خلّفت الحادثة 15 قتيلة بين الطالبات، عدا الإصابات. وواجهت “الرئاسة” و “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” غضباً عارماً. ما حدا بالملك فهد للتدخل المباشر، وحلّ “رئاسة تعليم البنات”، لتنظمَّ تركتها “المدرسية” إلى وزارة “المعارف”، وتركتُها “الجامعية” إلى وزارة التعليم العالي.

كان قراراً تاريخيّاً ومهمّاً.. ولم يكن سهلاً اتخاذه، ولم يمرَّ بصمتٍ من قبل تيار المتشدّدين. لكن نفاده تمّ. ونسي الناس “الرئاسة”..!
—–
* في الوقت الراهن؛ هناك وزارة واحدة للقطاعات الثلاثة، تحت مسمى “وزارة التعليم”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×