[ميناء القطيف 31] 167 سفينة غوص.. و3444 بحاراً سنة 1907
[من أوراقي 30]
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عدنان السيد محمد العوامي
الأصداف
مِن كُلِّ مَرجانَةٍ في البَحرِ أَخرَجَها
غَوّاصُها وَوَقاها طينَها الصَدَفُ
الأعشى
كَأَنَّها دُرَّةٌ أَحاطَ بِها الـ
ـغَوّاصُ يَجلو عَن وَجهِها الصَدَفُ
قيس بن الحطيم
مَن لي بِساكِنَةِ الأَصدافِ في لُجَجٍ
يَعومُ غَوّاصُها في غَمرَةِ العَطَبِ
ابن المعتز العباسي
ذكرنا – في الحلقة السادسة والعشرين من هذه السلسلة – أن المحَّار لا تقتصر منافعه على ما ينتج من اللؤلؤ وحده، بل إن بطائنه يستخرج منها رقائق الصدف لاستخدامها في عديد من أدوات الزينة والأبهة،
فمن المناسب أن نبسط القول في المحار وحياته وتجارته، إلى آخر ما يتطلبه البسط والتفصيل، وذلك بمتابعة ما كتبه لوريمر عنه، فتحت عنوان:
قواقع اللؤلؤ “المحار:
(أنواعها: القواقع التي تنتج اللؤلؤ في الخليج على ثلاثة أنواع: النوع الأول – هو محار اللؤلؤ واسمه المحار، والواحدة محارة، وهو أكبر المصادر إنتاجًا للؤلؤ، وهو يوجد في جميع أنحاء الخليج، على أعماق مختلفة تتراوح ما بين مسافة قليلة تحت الماء إلى عمق 18 قامة على الأقل.
والنوع الثاني – هو الزنِّيَّة، والجمع زنَّى، وهو يوجد غالبًا في المياه الساحلية بين رأس الخيمة وغُبَّة الجزيرة حيث توجد أكبر الأنواع، ولكنَّ أجود الأنواع توجد على السواحل المحيط بجزيرة الشيخ شعيب وهندارابي وقيس. وتوجد هذه القواقع أيضًا بجوار جزر أرزنة وديِّينة. والزنِّية، والمحارة توجدان على عمق متعادل تقريبًا، وغالبًا ما تكونان على قاع عميق صُلب، أو محَّاري، ولكن إنتاجها من اللؤلؤ قليل، ومن نوع غير جيد.
والنوع الثالث، وهو الصديفية، والجمع صديفي، وغالبًا ما يوجد حول جزر الشيخ شعيب وهندارابي وقيس عند شيرو في جزر داس وزركوه، وعند رؤوس الجبال وغبة الجزيرة. والزنِّية والصديفية يتشابهان في الموطن أي على القاع الطيني الصلب والمحاري، وعلى العمق نفسه. والصديفية غالبًا لا تنتج اللؤلؤ، ولكنها إذا أنتجت فمن الحجم الكبير العادي ومن نوع جيد.
نموها واختلاف عددها:
لم يمكن، للآن، التحقق من الظروف التي تتحكم في نمو قواقع اللؤلؤ، ومدى اتِّساع مناطق وجوده في الخليج، ولم يتمَّ بحث العوامل المؤثِّرة في محصول الموسم واختلافه من موسم لآخر، كما بحثت هذه العوامل بالنسبة لمنطقة سيلان([1]).
ومن المعتقد أن نموَّ المحارة يزداد بازدياد قطرها إلى نهاية السنة المقبلة من عمرها، حيث يكون قطرها حوالي بوصتين، ثم تنقص نسبة النمو، فإذا صحَّت هذه القاعدة فإن معظم هذه المحارات التي يصيدها الغواصون من الخليج تزيد على السنتين في العمر، وقد تبلغ ثلاث سنوات.
ولا يمكن التحقق من تحركات القوقعة بدقَّة إلا من باب الحدس كما حدث في موسم سنة 1876؛ إذ حصلت جميع قوارب الصيد التي كانت تعمل في مغاصة عند “شاه علوم” [شاه غلوم؟] على مقدار كبير من الصيد في منطقة محدودة جدًّا، بينما في العام التالي، وفي الموقع نفسه خابت آمال الغواصين؛ إذ كانت المنطقة تكاد تكون خاليةً تمامًا. ومن المعلوم أن القواقع تتعرض لكثير من الأحوال المضطربة تحت سطح الخليج مع انطلاق بعض الغازات والمنتجات البيتومينية. وقد لوحظت هذه الحالة سنة 1900 بوضوح عندما بدا سطح البحر عكِرًا ومائلاً إلى الحُمْرة عند السواحل العربية، ووجدت القواقع في هذه المنطقة إما ميِّتة أو مصابة بالأمراض، أولا تحمل اللؤلؤ. أما الظنُّ بأن العرب يقومون بتغذية المغاصات في بعض الفصول فإنه خاطئ. كما أن القواقع نفسها لا يأكلها الناس إلا أهالي سواحل عمان([2])).
لا أجلى ولا أبسط من هذا الشرح الوافي لحياة هذا الحيوان الثمين: يولد، ويتحرك، ويأكل، ويكبر ويلد، ويهرم، ثم يموت، مَثَله مثل غيره من آيات البارئ جلت قدرته، وقد سلفت الإشارة إلى دخوله عالم الأسطورة والفولكلور، ونعود هنا، فنقف مع مؤرخ فولكلوري أسطوري، من أهل القرن الرابع عشر الهجري هو الشيخ محمد بن خليفة النبهاني. ولد النبهاني بمكة المكرمة عام 1301هـ([3])، وزار البحرين سنة 1332هـ، وفي 12 ربيع الأول 1332هـ أتم تبييض كتابه (النبذة اللطيفة في الحكام من آل خليفة)، وفي العام نفسه طبعه بعنوان (التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية) ([4]). هذا يعني أن كل أسرار المحار أصبحت معروفة آنذاك. حتى إنتاجه بالزراعة. فما الذي سجله عن المحار: لنقرأ:
(أما الصدف فمعروف لا يحتاج إلى وصف، وإنما نريد أن نبحث عن ماهيته فنقول: إنه ينبت في أرض البحر الصُّلبة، وله عروق خضر مائلة إلى الزرقة، ثابتة بها، ثم يتخلق في بطنه حيوان له أمعاء يأكل ما والاه من الطين، أو ما فيه من صغار الحيوانات (المجهرية)، ثم يتخلق في خلال لحمه اللؤلؤ، فإن كان متوسطًا في اللحم كان اللؤلؤ حسنًا، وإن لامس أو قارب الصدفة صار رديئًا. فيصير في أول الأمر نباتًا، ثم حيوانًا، ثم معدنًا جوهريًّا. وهو يثمر مرَّة واحدة في السنة، فلو تُرَكت الصدفة ولم تُقلع ماتت وسوَّس لؤلؤها مثل ثمرة الموز، وما قيل من أن الصدف يصعد على وجه البحر في شهر نيسان فيلتقم المطر ثم يرسب في البحر، فليس بصحيح، وإن نقله المؤرخون وتمثلت به الشعراء، فإنهم نقلوه من أفواه من لا خبرة لهم بحقيقة الغوص واللؤلؤ.
وقد درسْتٌ أحوال الصدف زمنًا طويلاً فوجدته تلقيه الصدفة الكبيرة على وجه قعر البحر مثل صغار (حب الخشخاش) كأنه بيض نمل، في فصل الخريف، ويظهر وجوده في الشتاء، وذلك إذا امتار قعر البحر بالصغار، فتراه كأنه خَضَخاض أصفر([5])، ثم ينمو شيئًا فشيئًا حتى يصير حجمه قدر حبِّ العدس، فيرسب حينئذٍ في الأرض رسوبًا بيِّنًا، ويجتمع حِفَنًا حفنًا، فتنبت له عروق خضر مائلة إلى الزراق (الازرقاق؟)، فيها بريق، تضرب في الأرض الصُّلبة. والذي ما نبتت عروقه يظل يتدحرج بحركة البحر، ويتفرق عن بعضه إلى أن يجد أرضًا صلبة، أو أحجارًا بَحرية، أو في ما والاه من أشجار البحر، أو في كبار الصدف، فينبت وينمو، وتنزل الروح فيه، فيتكون في جوف الصدفة حيوان يسمى >محارًا< كتكوُّن الفرُّوج في جوف البيضة، فإذا تمت خِلقة المحار، وتمكنت عروقه من الثبات في الأرض انفلق عن صدفتين، وجعلت تتغذى بما والاها من الطين أو ما فيه من صغار الحيوانات (حسب عادة الله المطردة في خلقه من أن كل ذي روح لا بدَّ له من قوت يقتاته)، ولها أمعاء كأمعاء السمك، وإذا سمعت صوتًا أو حركة طبقت صدفتيها عليها، فهي أشبه شيء بالجراد في كثرة بيضها. وقد رأيت ما ذكرت بعيني من حين كونه بيضًا إلى أن يبلغ مقداره المعتاد. ولقد استلقطته بيدي من قعر البحر لأختبر قوة عروقه، فوجدتها بمقدار ما يحمل بها وزن ستة أرطال فأكثر، وعروقها في غلظ الشعر، وطول الأنملة. فهذا هو التحقيق، ولا عبرة بما نقله بعض المؤرخين، فـإنهم أيضًا قد قالوا إن الأرض على قرن ثور وذلك الثور على ظهر سمكة، وأيضًا إنهم بالغوا في وصف عوج بن عنق، وغير ذلك من أكاذيب الإسرائيليين . . .)([6]).
أرأيت؟ المحار الذي رآه النبهاني بأم عينيه، والتقطه بجدة كفيه ثابت، له عروق نامية في الأرض الصُّلبة، فهو راسخ رسوخ الجبال الرواسي، وعلى القارئ أن يطَّرح كل المراجع العلمية التي تعرف المحارة بأنها: حيوان رخوي متحرك، بل وحتى معاجم اللغة القديمة تعرف المحارة بأنها دابَّة، ولا يسمى الشيء (دابَّة) إلا إذا كان يدُبُّ، أي يتحرك([7])، إلا النبهاني، فله القول الفصل.
طريقة العمل
لقد ظل صيادو اللؤلؤ – إلى وقت قريب لا يملكون الخرائط ولا البوصلة، ولكنهم الآن بدأوا يستعملون البوصلة، ولهم خبرة عظيمة في الاتجاه إلى أي مكان يريدون الوصول إليه، ولهم القدرة على التوجه إليه رأسًا، وهم يستدلُّون بالشمس والنجوم وعلامات من الساحل([8]) إذا كان المر على مرمى البصر، وفوق ذلك يميزون الطريق بلون البحر وعمقه وبطبيعة قاعه، وبعض النواخيد من ذوي المزاج الحاد والطموحين يستمرون في تحركاتهم من موقع إلى موقع خلال أيام قليلة والنوخذا مقيد في اختيار الموقع بقدرة الغواصين الذي معه، فمثلاً عمق 8 قامات يعتبر عاديًّا و12 قامة يعتبر أكبر عمق يمكن بلوغه دون مشقة، محمد بن والمراكب التي فيها غواصون مهرة تستطيع العمل في الهيرات التي عمقها 13 قامة، وهناك من الغواصين من يستطيع الغوص إلى عمق 16 قامة، غير أن العمل في هذه الحالة مجهدٌ جدًّا فلا يمكن أن يستمر فترة طويلة.
ويجري الغوص يوميًّا في الجو المعتدل بعد الشروق بساعة، ويتوقف قبل الغروب بساعة، والفترة ما بين صلاة الفجر وابتداء الغوص يقضيها البحارة في فتح القواقع التي صيدت في اليوم السابق بواسطة سكاكين معوجَّة اسمها مفالق (الواحدة مفلقة)([9]) تحت إشراف النوخذا شخصيًّا، فهو المسؤول عن حفظ اللآلئ عند استخراجها، ويدوِّن أوزانها وأوصافها في الوقت الذي يراه ضروريًّا، ويحتفظ بأجود أنواع المحار (الأصداف) وهي غالبًا بنسبة 3 أو 4 في المائة ويلقي الباقي في البحر، مع القواقع الصغيرة غير كاملة النمو دون فتحها، ولكن المعتقد أنه يمكنها أن تعيش خارج جوها مدة 16 ساعة. وعملية فتح القواقع غير مريحة نظرًا لرائحتها، وللحشرات التي تجتذبها في بعض الأحيان.
وقبل الغوص يتناول الغواصون طعامًا خفيفًا من نحة نصف رطل من التمر وقليل من فناجين القهوة. ويستمر العمل منذ وإذا نزول الغواصين إلى الماء حتى الظهر (وهو في موسم الصيد بين الساعة الواحة والنصف والثانية) ثم يتوقف العمل للصلاة ولتناول بعض فناجين القهوة والاستراحة لمدة ساعة، وعند استئناف العمل عصرًا لا يتوقف إلا قرب المساء. وبعد صلاة المغرب يتناول الغواصون وجبة كبيرة من السمك والأرز، والتمر، وبعد القهوة والتدخين يأوون إلى النوم فترة الليل.
ويقال إن القواقع توجد غالبًا فاتحة فمها ، ولكنها تغلقه عندما يُقتَرب منها، ويتراوح عدد القواقع التي يصيدها الغواص في النزلة الواحدة (التبة، والجمع تبَّات) من ثلاث إلى عشرين، وقد يعود خالي الوفاض. ومدة مكوث الغواص في الغطس تتراوح عادة بين 40، و75 ثانية، إلا أن قليلاً من الغواصين يستطيع البقاء في تحت الماء أكثر من دقيقة. وفي الفترات بين النزلات (التبات) يظل الغيص مستعينًا بأحد المجاديف أو بحبل معلق في جانب المركب، ما لم يكن البحر هائجًا، والغواص الواحد يقوم بحوالي خمسين تبة (غوصة) في اليوم الواحد إذا كان الجو مناسبًا، أما إذا كان الماء باردًا، فيتراوح عدد التبَّات من 10 إلى 20.
ويزداد الجهد كثيرًا في الغوص عند وجود تيار بحري، وفي حالة حدوثه كثيرًا ما يجرف الغيص بعيدًا عن مركبه، ويرج من الماء في حالة إعياء شديد، وفي هذه الحالات يدلى حبل طويل من المركب يستعين به في السباحة، ثم يشده السيب إلى المركب.
وتجدر الإشارة إلى أن المشتغلين بالغوص لا يعتبرونه عملاً ضارًّا بصحتهم مع ما فيه العمل العنيف والمجهد معًا، حتى أن الرجال المسنين يزاولونه، وعلى النقيض من ذلك فإنه في بعض الأحوال يؤدي لبعض أمراض الجهاز التنفسي، والصمم. وأمراض الجلد ظاهرة عامة بين الغواصين. وللوقاية منها فإن بعض الذين يتعرضون لهذا المرض يعمدون إلى دلك أجسادهم قبل النوم بدواء يسمى (جفت) ، وهو عبارة عما يشبه التمر يتخرج من البلوط(*)، ويغلى بالماء([10]). وتحمل مراكب الصيد معها أوراق السنامكِّي وبعض العقاقير الأخرى وفي حالة المرض الشديد فإن العلاج المتبع مهما كانت الأمراض هو الكي بالحديد المحمي.
قهوة وتدخين وتزاور
يمضي العاملون في الغوص أوقات فراغهم بتبادل الزيارات لرفاقهم ومعارفهم العاملين على السفن الأخرى، والاستمتاع بشرب الشاي القهوة والتدخين، وبتادل الحديث، ويضيف لوريمر إليها الكعك، وهو المعروف في الخليج بالعقيلي (السفري)، وهذا النوع ما زال شائعًا بين الحلويات المستعملة إلى اليوم، وفي أثناء الموسم تقام سوق على جزيرة دلما لبيع اللوازم، ويحضر هذه السوق تجار اللؤلؤ (الطواويش) لشراء اللآلئ واستيفاء الديون.
وعندما يكتشف أحد الغواصين هيرة جديدة فإنه يكافأ من النوخذا بثوب جديد، كما يعطى الحارة أيضًا بعض الهدايا، وإذا عثر أحد أثنا فتح المحار على لؤلؤة جيدة فإنه يعطى جائزة مناسبة. أما حودث النزاع في المصائد فلا تكاد تذكر حتى أن مراكب القبائل المعادية قد تكون راسية على مسافة قريبة جدًا.
سلطة أمير الغوص (السردار)
تجتمع المراكب من كل مقاطعة مكونة أسطولاً واحدًا (سنيار)، وقبل إبحارها يعين الشيخ أحد النواخذة أميرًا للقافلة (سردار)، ومن أهم اختصاصاته تحديد تاريخ بدء الموسم ونهايته ففي الوقت المحدد يصدر إشارة وقف العمل والعودة إلى الميناء، ولا تجد غواصًا راغبًا في التخلف عن أقرانه، كما أن عودة مركب واحد مبكِّرًا مهما كان نصيبه في الصيد قد يؤدي إلى إضراب الأسطول في محله، ولذلك لا يسمح الأمير (السردار) لأي مركب بالعودة قبل أن يعلن هو إشارة العودة، كما أن المراكب التي تسبق الأمير في عودتها إلى الوطن يؤاخذها بشدة ما لم يكن لديها عذر مقبول.
تجارة قواقع اللؤلؤ
(أهم المراكز التجارية لقواقع اللؤلؤ في الخليج هي لِنجة والبحرين وبوشهر، ومننها تشحن إلى المحارات بالسفن إلى أوروبا حيثت تشتهر باسم قواقع لنجة ([11])، ولم تكن الحكمة تسيطر على عملياتها التجارية فصادفت عدة أزمات.
وفي سنة 1897 – 1898 كان كثير من الشركات الأوروبية والوطنية المحترمة تعزف عن تداولها؛ إذ كثيرًا ما دخل فيها الغش، ولكن بعد ذلك التاريخ تحسَّنت أوضاعها، وبدأت إحدى الشركات الألمانية في المساهمة بنصيب كبير في هذه التجارة في البحرين.
والسعر المحلي للمحار ه ومن ربية إلى ثلاث ربيات لكل 140 رطلاً، ومن الزنى من 4 إلى 8 لكل 60 رطلا، ومن الصديفي من ربع ربية إلى نصف ربية لكل رطل. والكميات المصدرة منذ سنة 1873 موضحة بالمذكرة الملحقة رقم 2 من هذا الملحق ([12]).
ساحل الجزيرة العربية
جميع المصائد الواقعة عند الجانب العربي قريبة أو بعيدة عن الساحل العربي مباحة لجميع صيادي اللؤلؤ دون تمييز بين جنس أو جنسية، وقد تتردد بعض المراكب من موانئ معينة على مناطق معينة أكثر من غيرها وهي تقوم بذلك باختيارها وليس بطريق الإلزام، ويتقاضى شيوخ المناطق الساحلية العربية ضرائب من مصائد اللؤلؤ فقط على رعاياهم أو المقيمين في دائرة سلطتهم، ويقال إن شيوخ عمان المتصالح يتقاضون نصيبًا من ثمن بيع كل لؤلؤة يبلغ ثمنها 200 دولارًا أو أكثر مما يحصل عليه أحد رعاياهم، ولكنَّ النصيب غير محدد. ويبدو أن هذا الأمر ليس عامًّا، في جميع المناطق، ولا عرفًا مقرَّرًا، بل على العكس من ذلك نجد أن القرار الموضح بعد والصادر لأمر سلطان عمان إلى إدراك أن هذا الحق مسموح به في الظروف.
والمعلوم أن أول شيخ فرض هذه الضرائب هو شيخ البحرين الذي فرض ضريبة النِّوَب (نوبات الحراسة)، وكانت مخصصة، ولو اسميًّا فقط لتشغيل أربعة مراكب مسلحة لحماية الأسطول (السنيار) البحراني لصيد اللؤلؤ، وبعد استقرار الأمن السيطرة البريطانية على الخليج – والكلام للوريمر – لم يعد مجاللا لهذه السفن، هذا إن كانت موجودة بالفعل، إلا أن نظام الضريبة ظل مستمرًّا ينفذه شيخ البحرين وشيوخ العرب الآخرين.
وكان مقدار ضريبة النوب بمعدل نصيب غواص واحد على كل سفينة، أما بقية البحارة العاملين في السفن فكانت الضريبة في الزمان السالف 3 دولارات، ثم أصبحت أخيرًا 4 دولارات عن كل عامل.
ومنذ سنوات عديدة فرضت ضريبة أخرى باسم طراز، وكانت سابقًا بنسبة نصيب غواص واحد عن كل سفينة وكان الغرض منها هو تعيين حراس في المدن والقرى بالأجر في فترة غياب الرجال القادرين على العمل في الصيف، وما زال جزء من هذه الضريبة في الوقت الحاضر على حراس يسمون المتراضية.
من الماء للماء
حدثتني جدتي عن فتاة كان أهلها يرسلونها إلى السوق لبيع اللبن، ويكيلون عليها اللبن كي لا تحتجن شيئًا من ثمن ما تبيعه منه، فكان تزيد الجرَّة ماءً من عين واقعة في طريقها إلى السوق، فتجمع لها مال من قيمة الماء المضاف إلى اللبن، فاشترت به بقرة صفرا فاقع لونها تسر الناظرين، واصطحبتها إلى البيت وهي في غاية الفرح والسرور، وما أن حاذت العين حتى نفرت البقر فارة من يدها ، وفي ذكروة العراك بينها البقرة وصاحبتها سقطت البقر في العين، وفحاول بعض المارة إنقاذها لكنها صاحت بهم: خلوها. (هذي من الماء إلى الماء).
ذكرتني بهذه القصة حكاية مماثلة حدثت سنة 1899 للؤلؤة نادرة، غالية الثمن جدًّا، قدرت قيمتها ب حوالي 3500 تشاو (عملة هندية حسب المصدر)، ظفر بها أحد رعايا سلطنة عمان، فابتاعها أحد شيوخ الشارقة بمبلغ 2000 دولار، وباعها الذي اشتراها 400 ألف ربية، وأرسلت إلى لندن فطالب الذين صادوها بفسخ عقد البيع وإلغاء الصفقة. ولكنهم أجبروا على قبول 8000 شلن ثمنًا لها، بعد حسم القومسيون، وحين سمع سلطان عمان بهذه الصفقة طالب بإلغاء البيع لمساعدة الذين وجودها باعتبارهم من رعاياه وليطالب هو بنصيبه من ثمنها، وأخير تمت التسوية في مجلس عقد في عمان المتصالح وصدرت قراراته كتابة واعتمدها شيخ الشارقة، ومنحت السلطان صافي الثمن الذي قد يحل يحصل عليها أصحابها. وبعد أن بقيت اللؤلؤة فترة بدون بيع أعيدت ثانية إلى بومبي وبيعت ب 100 ألف ربية، ولكن بسبب الرهن قد سويت بالترضية بمبلغ 12 ألف دولار.
توزيع الأرباح
عند العودة من المغاصة (المطراش) يلتزم النوخذا بتسليم جميع محصول اللؤلؤ إلى دائنه، إذا كان مموله مسقِّمًا، مع جميع الأصداف التي أحضرها معه بأسعار متَّفقٍ عليها من قبل تقلُّ عن سعر السوق بنسبة تتفاوت بين 15، و20 في المائة وهذا الخصم هو ربح المسقِّم والثمن وهو من 80 – 85 في المائة، من المبلغ الذي دفعه المسقم يقسم بين صاحب المركب والنوخذا وبحارة المركب. على أنه ليس هناك ما يمنع النوخذا من بيع اللآلئ إلى فريق ثالث إذا كان سعر البيع يمكنه من الوفاء بالتزاماته للمسقم، وكان هذا غير راغب في دفع نفس الثمن الثمن المعروض. وجرت العادة على أن النوخذا لا يزيد الثمن عن التاجر لأنه دائمًا يبيع له. أما المبالغ المتبقية بعد استيفاء حق المسقم فيأخذ منها صاحب المركب الخُمس، ثم يستقطع ثمن الأطعمة والمواد التي استهلكها البحارة مدة الموسم لتسدد إلى الشخص الذي قدمها سلفًا والباقي بعد ذلك يقسم بين الرجال العاملين، فيأخذ كل من النوخذا والغواصين ثلاثة أسهم، وكل سيب سهمين، وكل عامل احتياطي أو يد عاملة زائد سهمًا واحدًا. ولا يستحق (الولَيْد) أو العامل تحت التمرين أي سهم. والنوخذا – إلى جانب قيادته المركب – قد يكون مالكها، وقد يقوم، أيضًا، بالغوص، وفي هذه الحالة يأخذ نصيبه المقرر لكل منهما([13]).
كشف بالسفن والقوى العاملة في مغاصات القطيف سنة 1907م([14])
المقاطعة | البلد | الميناء | السفن | العاملون | الدولة |
سنجق الأحساء | واحة القطيف | جزيرتا جنة والمسلَّمية | 12 | 175 | تركيا |
العوامية | 5 | 90 | == | ||
البحاري | 7 | 112 | == | ||
الدبيبية | 7 | 84 | == | ||
الكواكب | الكويكب | 5 | 114 | ||
فريق المقبرة | 4 | 80 | |||
قديه | القديح | 10 | 185 | ||
سيحات | سيهات | 30 | 560 | ||
جزيرة تاروت ودارين | جزيرة تاروت ودارين | 15 | 357 | ||
فانية | الفنية، أو الزور | 7 | 122 | ||
سنابس | 68 | 1565 | |||
مجموع السفن في سنجق الأحساء 167 سفينة والرجال 3444 |
——-
([1])جزيرة في خليج البنغال في المحيط الهندي، مقابلة لمقاطعة مدراس، اسمها الآن سريلانكا، وقديما: سرنديب، انظر: المنجد في الأعلام، تأليف لجنة من المتخصصين، دار المشرق، بيروت، والمطبعة الكاثوليكية، بيروت، الطبعة الحادية عشرة. د. ت.
([2])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، طبعة جديدة معدلة ومنقحة، أعدها قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، وطبع على نفقة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، القسم التاريخي، دون تاريخ ، جـ6/3193 – 3197.
([3]) جريدة الرياض، الجمعة 25 Kرجب 1441هـ – 20 مارس 2020م، الرابط:
([4]) مقدمة التحفة النبهانية، دار إحياء العلوم، بيروت، والمكتبة الوطنية، البحرين، الطبعة الأولى، 1406هـ، 1986م، ص: 7 – 8.
([5])الخضخاض: نفط أسود تطلى به الإبل الجرباء. محيط المحيط.
([6])التحفة النبهانية، سبق ذكره، ص: 19 – 21.
([7])التحفة النبهانية، سبق ذكره، ص: 19 – 21.
([8])أدركنا هذه العلامات وهي عبارة عن سارية خشبية شاهقة تعلق عليها الفوانيس، بواسطة حبل وبكرات، تسمى محلِّيًّا: بنديرة.
([9])تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، ولسان العرب.
(*)كتب الدكتور س. ج. تومس بالمستشفى الأمريكاني في البحرين يقول: (من الملاحظ أن غواصي اللؤلؤ عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي التي قد تنشأ من زيادة انتفاخ الرئة والضغط مثل النزيف الدموي وغير ذلك. كما أنهم عرضة للصمم من ثقب طبلة الأذن، وأنواع كثيرة من إفرازات الأذن، ولكن بسبب طريقة حياتهم ليسوا عرضة للإصابة بالشلل (الفالَج)، أو تشنج العضلات، وفي طول مدة ست سنوات لم أجد حالة واحد للفالج، نتيجة الغوص، وهناك نوع من مرض الجلد منتشر بين الذين يقضون معظم حياتهم في البحر أمثال الصيادين والبحَّارة، فإن بشرتهم تعلوها طبقة شبه زجاجية ينشأ عنها بثور تزول في أسابيع قليلة إذا لم ينزلوا في الماء المالح، ولم أجد علاجًا لهذا المرض ذا أثر محسوس، وأعتقد أن الغواصين يستعملون نوعًا من الدواء المغلي اسمه (الجفت)، وهو في الواقع لا يمكن الحكم على مدى قدرته العلاجية، ولكن يبدو أنه إذا كان له أي أثر فهو أثر قليل.
([10])في القطيف – كما شاهدته – يعمل من قشر الرمان، ويستعمل لصبغ الثياب البيضاء لتحويل لونها إلى الأصفر الغامق.
([11])يفهم من هذا أن هذه هي الأسواق الرئيسية التي يجلب إليها المحار من الموانئ ألأخرى كالكويت والقيطف وقطرن وموانئ الساحل المتصالح.
([12])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، مرجع سابق ، جـ3/3223 .
([13])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، مرجع سابق ، جـ3/3211 .
([14])دليل الخليج، ج. ج. لوريمر، مرجع سابق ، جـ3/3255 ، والجغرافي، جـ5/1880 – 1885، وجـ7/2446.