[2] سماهر الضامن: متجوّلة في تاريخ العبوديات النساء.. الثقافة.. الجائحة وشوارع المدينة الخلفية
الدكتورة سماهر الضامن
في أمريكا تعلقت بالشوارع الخلفية للمدن، والقرى الريفية النائية، والمكتبات الصغيرة التي لا تحتوي عادة على قواعد معلومات إلكترونية، والمقاهي المحلية التي تبيع قهوة بحليب الشوفان ونكهة جوز البقان، وعربات بيع الطعام التي تفوح منها روائح البهارات المكسيكية..
حين استقر مزاجي في السفر والترحل (جزى الله الكامري والأكورد عني ألف خير)، صارت المواقع والمناسبات الثقافية وجهتي الأساسية. صرت رغم سنوات طويلة من الحجر غير الصحي سائحة ثقافية بامتياز.. وكانت الكتب، الأغاني، أو الأفلام دليلي السياحي الذي أحتاج.. سافرت بالسيارة من آركنسا إلى كاليفورنيا لأني أغرمت بأغنية ماماز آند باباز: California dreaming, on such a winter’s day. سافرت إلى المسيسيبي لأن فرقة أنيمالز تغني: There is a house in New Orleans, They call it rising sun.. قطعت خمس ساعات بالسيارة لسانت لويس لأحضر أوركسترا رامن جوادي: “التجربة الحية لأوركسترا صراع العروش”.
زيارتي لنيو أورلينز كانت مصممة للتعرف على الشوارع والأماكن التي ظهرت في إحدى مسلسلاتي المفضلة AMERICAN HORROR STORY.. كانت شخصيات المسلسل حاضرة معي وأنا أتجول بين الأزقة.. أردت زيارة منزل السفاحة مدام لالوري المشهورة بتعذيب المستعبدين وتقطيع أجسادهم واستخدام دمائهم الطازجة قناعا لوجهها قبحه الله، كما وصلت مزار السيدة ماري لافوو ملكة السحر الأسود.. كان شعورا مدهشا أن أرى أين عاشت تلك الشخصيات الصاخبة التي قدمها المسلسل.. جعلتني تلك الزيارة أعيد مشاهدة الجزء الثالث COVEN الذي تدور أحداثه في تلك المدينة ذات الشخصية الفريدة بساحراتها وأشباحها وأروحها ومقابرها وتماسيحها وعمارتها المميزة، وبكل تأكيد، طعامها وبهاراتها التي لا يشبهها شيء. كانت المشاهدة الثانية مختلفة تماما إذ إن ألفة المكان أضفت على ذلك العمل مابعد الحداثي الذكي نكهة الكيجن النيو أورلينزي.
ممفس تنسي، كانت مدينة أخرى تشبعت فيها بتجربة ثقافية فريدة وأنا أتجول في شارع بيل للموسيقى، كانت الجولة في الشارع والاستماع للموسيقى الحية والتعرف على أسماء مغني البلوز والسول والروك درسا فنيا وثقافيا بكل المقاييس.
في الشوارع الخلفية في ممفس، يقع نزل لورين الذي قتل فيه مارتن لوثر كنغ. هناك حيث بني متحف الحقوق المدنية الذي يؤرخ تاريخ العبودية والنضال الأسود في أمريكا.
مررنا أيضا بتجربة ثقافية ونفسية عميقة الأثر. بعد المرور بالتاريخ الموجع للعبودية، يصل الزوار إلى الغرفة التي قتل فيها كنغ.. ساعته وحقيبته والأشياء الأخيرة التي حملها معها موجودة.. السيارة التي وصل بها للنزل مازالت تقف أمامه.. الشوارع هناك تنطق، وتنتظر من يفسر حديثها.. روح كنغ حاضرة تجلل الشوارع، والإهمال المتعمد الواضح في المنطقة الخارجية للمتحف تبعث رسائل لا تخفى على الفطن/ة.
في واشنطن، كانت وجهتي الأولى متجر بيع الكتب Politics and Prose الذي كان التجول فيه سفرا بحد ذاته.. يمكن قراءة المزاج الثقافي العام لسكان المدينة من خلال العناوين التي تتزين بها رفوف الكتب.. كانت المكتبة مزدحمة بمن تبقى من حضور أمسية شعرية ضمن ما يبدو برنامجا ثقافيا موسميا.. لم أر في حياتي اكتظاظا بشريا بهذا العدد في متجر لبيع الكتب..
أما المحطة الأخيرة في العاصمة فكانت مكتبة الكونغرس التي أذهلني بناؤها وتصميمها فضلا عن مجموعات الكتب اللانهائية.. ثمرات خير تتساقط من السماء وتنبت من الأرض..
يُتبع غداً
اقرأ الحلقة السابقة
عندما تكتب سماهر أقرأ أقرأ الواقع بدون مونتاج
الواقع كما لا يجرؤ أحد على وصفه، كما أقرأ الإنسان في فضائه الأوسع..
بانتظار الحلقة التالية.
الله يرحم جورج فلويد .
الجميلة الرائعه سماهر شكرا على التجربه الجميله ???????