[1] سماهر الضامن: عن مغامرتي السرّية الأولى النساء.. الثقافة.. الجائحة وشوارع المدينة الخلفية

الدكتورة سماهر الضامن

لم يكن ممكنا أن أفكر في تجربة الحجر الصحي كعزلة رومانسية أو إجازة سعيدة من الحياة، أو حتى فرصة أتدارك بها بعض ما تأخر من أعمال، أو أقضيها في قراءة الكتب المؤجلة، أو مشاهدة الأفلام التي تنتظر على القائمة..

الأمر لم يكن رومانسياً ولا يحتمل المزاح.. لست ممن يكرهون العزلة بالتأكيد.. جربت العزلة الطوعية والإكراهية كثيراً.. قضيت طفولتي ومراهقتي في بيئة محافظة لا ترى معنى لوجود النساء خارج المنزل إلا لعلة براغماتية تقرر العائلة أنها مقبولة، أو لزيارة مخصوصة لقريبة أو صديقة (بيت آخر)..

عبارات من قبيل “مكان المرأة بيتها” وأحاديث “أرأيت إن كان لديك جوهرة ثمينة ودرة مكنونة، أتراك تتركينها للإهمال أم تحفظينها في صندوق محكم يبعد عنها الأيدي الطائلة؟” كانت عبارات “طبيعية” أسمعها كل يوم كما تسمعها كثير من النساء والفتيات الصغيرات إلى اليوم.. “البيت هو المكان الآمن للنساء”..

تلك عبارات سرقت عمري وأعمار الكثيرات وحدّت فرصنا في معرفة الحياة والاستمتاع بها، وأرهقت مزاجنا وسطحت شخصيات الكثير منا. أحلامي بزيارة المسارح والمتاحف والعروض البصرية والموسيقى الحية، هذه التي صرت أتعامل معها الآن كأمر مضمون ومفروغ منه، لم تكن ضمن ما هو متاح ولا مسموح.. كنت محظوظة على الأقل أني شغفت بالقراءة وقضيت “مرحلة البيت” أقرأ ما تطاله يدي على ندرته.

كانت تلك هي العزلة الإكراهية وإن تنكرت بزي الحماية.. أما العزلة الطوعية فإن كل أهل البحث والدراسة والثقافة يعرفونها.. وأنا لست استثناء.. السنوات الثلاث الأخيرة قضيتها في غرفة صغيرة تحتوي مكتباً متواضعاً ورفاً للكتب، ونافذة تطل على منطقة خضراء..

قرأت في تلك الغرفة مئات الكتب.. كتبت عشرات الأوراق.. بلا تذمر.. كانت النافذة تكفيني للاتصال بالحياة.. لم تكن الستائر ثقيلة.. ولم يكن الشارع بعيداً.. الشقق، حتى الصغيرة منها، ليست مصممة ـ في الغالب ـ لتعزل الناس عن الخارج تماماً.. الحدود بين الداخل والخارج ليست مضخمة.. البلكونات امتداد البيت إلى الخارج، والحدائق الأمامية والخلفية هي في الواقع منطقة بينية تفتح البيت على الشارع..

لذا فإن العزلة هناك لم تكن تعني الانفصال عن الخارج بالضرورة.. ولا قضاء الأشهر مدفونة تحت ركام الكتب.. كنت حين تداهمني حالات ثقل القلب، أو الحاجة للتعرض للحياة؛ أجمع أشيائي سريعاً وأنطلق بالسيارة إلى أي مكان توصلني إليه.. توقفني أحيانا بعد ساعتين أو ثلاث، وأحيانا تستمر الرحلة إلى عشر ساعات.. أحلام زيارة المواقع التاريخية والمسارح والعروض الموسيقية صارت واقعاً متاحاً وسهلاً.. ما عاد الأمر في حاجة إلى ترتيبات معقدة تبدأ بالسماح لي بالذهاب أولا بعد الاستجواب عن المكان والحضور والجهة المنظمة ومن يمثل ومن يغني وكيف تحضرين حفلات الغناء، وألا تعلمين أن الموسيقى حرام؟ ولماذا تقطعين كل هذه المسافة، والحدود أحيانا، لتحضري فيلماً سينمائياً أو عرضاً موسيقياً؟ هل أنت بلهاء؟ ثم تأتي قضية المواصلات، وأحيانا تصريح السفر ومشاكل التفويض..

لم أكن أيضا، أثناء فترة الحجر، خائفة من العدوى أو الإصابة بالفايروس.. ما كنت أخشاه حقا، ما كان يرعبني هو فكرة العودة للجدران.. أن نعود سنوات للوراء.. أن نخسر مكتسباتنا بعد أن ألفتنا الشوارع وتأكدنا أنها ليست أخطر من البيت (الأدلة على ذلك كثيرة وليس هنا مجال الحديث عنها)..

خشيت أن تضعف علاقتي التي نمت مع الخارج، مع الشعور بأنني جزء من نسيج الحياة، مع القدرة على إحضار احتياجات الأسرة كما القدرة على زيارة المتحف ومعرض الكتب دون عناء وجدال،، مع السير في الشوارع الخلفية والأزقة الضيقة التي لا تدخلها السيارات ولا فروع مقاهي ستاربكس.. مع عادة التنزه؛ وهي ثقافة لم أنشأ عليها بكل تأكيد..

حتى التسوق في المولات كان أمرا طارئا بدأ كمغامرة سرية مع صديقتي في المرحلة الثانوية حين سمعنا بافتتاح الراشد مول في الخبر.. صارت زيارة الراشد حلمنا الأكبر.. لم نكن نجرؤ على إخبار أهلنا أننا نخطط للتسوق في المول فضلا عن طلب المال لذلك، ولذا لجأنا لبيع أساورنا في محل الذهب لنتمكن من تغطية تكلفة الرحلة للخبر والتسوق في مجمعها الأفخم والأغلى آنذاك..

اقرأ الحلقة التالية

[2] سماهر الضامن: متجوّلة في تاريخ العبوديات

‫11 تعليقات

  1. عزيزتي الفاضلة حياتك وانت حرة فيها. ولكني اعتقد ان السير في هذه الحياة وفق المنهج الرباني الذي رسمه الخالق سبحانه وتعالى هو الاحرى ان يتبع… تحياتي

  2. كان الله في عونك ايتها الدكتورة الفاضلة. يبدو ان مزمارك لا يطرب الحي. مقالتك تنم عن امرأة مستنيرة واسعة العلم والثقافة وتعكس وعيا وعمقا في استشراف متغيرات وتحولات الواقع الاجتماعي، لكن حملة التعليقات لا ترى فيه الا معولا لهدم التقاليد الموروثة ويتلفع اصحابها بالدين لحماية التقاليد بالقداسة وإجهاض الافكار المغايرة بدلا من مناقشة الرأي بالرأي. ولست ادري ما دخل الدين في الاختيار بين تسوق المرأة في المولات أو جلوسها في البيت. لاشك ان من حق كل شخص ان يعلق كما يشاء. الا اني اتساءل هنا هل ثمة حملة منظمة تستهدف العقول المستنيرة وتحاصرها وتمنعها من الكتابة في هذه الصحيفة وغيرها. وكأن هذه الصحيفة الالكترونية ملك للإخوة الذين ساهموا بتعليقاتهم الكريمة. كل التعليقات الواردة ليس بينها تعلق واحد على الحياد فضلا عن تأييد رأي الكاتبة. كيف يكون ذلك ؟؟

  3. يا جماعة
    تبغى تصير مشهورة
    لا تعطوها وجه وخلاص
    فكرت موضوع مهم دخلت طلع الحمد لله رب العالمين انها وصلت الى القمر او اخترعت لقاح للكورونا او عطتنا درس في الأخلاق مثلًا

  4. ما نقول الا الشرهة على صحفنا المحلية الا تنشر ماهب و دب دون تنقيح للمواضيع بالله هذا الموضوع ماهدفه ؟؟؟!!!

    غير أنه دعوة للانسلاخ من المبادئ و القيم و ذم في مجتمعكم

  5. نبغا نعرف وش الاشياء اللي اخترعتيها او قائمة بالابحاث اللي ساعدتي فيها منظمة الصحة العالمية بعد ما انفتحتي على الدنيا وكل شي صار متاح لك

  6. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ..

    مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها !!

    شيء غير مفاجئ لمن كان قلبه مذبذب .

  7. فلنفكر في عزلة القبر التي لاينفع فيها الا ما عملنا به بدنيانا من الاوامر الالهيه فما فرضه وابعناه نثاب عليه بالجنه وما نهانا عنه واتينا به نعاقب عليه بالعذاب بالقبر وبجهنم بالاخره والدنيا متاع الغرور

  8. عشت في بيئه ومنزل محافظ، ولا عمري طلعت مع صديقاتي بالمدرسه ورحنا مول او حتى نتجمع في بيت، كبرت وتخرجت من ثنوي ولا اعرف شي اسمه “مول”، ولا كان عندي ذهب ابيعه عشان اروح مع صديقتي، درست تخصص فيه اختلاط رغم ان كلشي كان ممنوع وعيب وحرام لان اهلنا يخافو علينا، وتخرجت وسافرت للخارج مع فرد من عائلتي “لان البنت مايصير تسافر لحالها والدنيا مالها امان”، عشت بنفس الحريه اللي عشتيها لكن هالشي ماخلاني اكره عاداتنا وتقاليدنا والبلد اللي عشت فيه والاهم ماخلاني اخلع حجابي، اهلش لمن خافوا عليش صاروا كخه؟ هذا وتعبوا عليش ووصرتب دكتوره وش خليتي للبنات اللي حتى مدرسه كانو ممنوعين منها؟. وش هالخبر التافهه، ولا بعد فيه يتبع غداً؟؟

  9. ربنا أبعد عنا الفتن ، ما ظهر منها و ما بطن
    و اكفنا شر آخر العمر .
    و اجعل خير أعمالنا آخرها ، و توفنا مع الأبرار .

    طالما تحدثتي يا أختنا على الملأ فمن حقنا النقد ،
    يا ريت ما تكملي الموضوع غدا و شكرا .

  10. عفوا سعادة الدكتورة
    نعم نحن مجتمع محافظ وسنظل محافظين على قيمنا وتربيتنا واخلاقنا… ماذا فعلت لنا ثقافة الغرب… يكفي ان ننظر إلى الصورة المرفقة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×