أفراح وجنى ترويان قصة عمار قريش مع “كورونا”.. من الإصابة إلى الرحيل المُفجع صاحب "باي باي يا كورونا" ظل متمسكاً بالأمل رغم الألم وكلمته الوحيدة "الله كريم"
صفوى: أمل سعيد
51 يوماً، هي رحلة عمار عبدالكريم آل قريش مع “كورونا”، منذ ظهرت نتيجة إصابة صغيرته جنى (17 عاماً) بالمرض في السابع من يوليو، حتى وفاته هو في الثلاثين من أغسطس الماضي.
رغم الاحتياطات والاحترازات التي حرص الرادود آل قريش على التزامها، لكن الجائحة لم تشكل “مصدر قلق” له. ولعل ذلك ما دفعه إلى الترنم بـ”باي باي يا كورونا”، في وقت كان مؤشر الفيروس في ذروته، مسجلاً مئات الإصابات، فضلاً عن عشرات الوفيات يومياً.
ظل متمسكاً بالأمل والتفاؤل، الذي عُرف به حتى بعد إصابة جنى ولاحقاً شقيقيه التوأم أحمد ويعقوب، لكنه كان مُصراً على حماية من حوله من الإصابة، بكل الطرق الممكنة، هذا ما تشير إليه اخته أفراح، وهي واحدة من 10 أخوة للفقيد (6 أخوة، و4 أخوات)، أصغرهن أفراح.
آل قريش، المفجوعة في شقيقها الراحل قبل ثلاثة أسابيع، روت لـ”صُبرة” حكاية أبو سراج مع “كورونا”، منذ إصابة جنى، وحتى رحيله، وما عايشه من لحظات أمل وألم، وإن كان متمسكاً بالأول، ليتغلب به على الثاني.
عمّار الحاضر دوماً
تصف الأخت، أخاها “لم يكن عمار مجرد أخ؛ لقد كان الأخ، الحبيب، السند والمعتمد، كان عوناً للجميع؛ صغيرنا وكبيرنا، كان حاضراً في جميع أمورنا، أول الموجودين في الحزن والفرح، يتقاسم مع المهموم همومه، لا يدخر وقته وجهده، وإن لزم أحدنا أمراً واحتجنا إليه، فهو الحاضر بمشورته ودعمه”.
البداية: طبق الشوربة
لم يكن “كورونا” مصدر قلق للمرحوم عمار آل قريش، منذ أن ابتلي العالم به، بل كان محتاطاً، حذراً وآخذاً بالاحترازات الوقائية. وقد أصيبت ابنته جنى (أصغر أولاده) قبل شهرين من إصابته هو، فتعامل مع الوضع بكل بساطة “مرض كسائر الأمراض”. مرت التجربة على جنى بسلام، وتماثلت للشفاء.
قبل أشهر بدأت أعمال الصيانة في منزل عمار؛ انتقل للعيش في بيت العائلة الكبير، تقول أفراح “هذا القرب المكاني جعلنا نلتقي يومياً، إلى أن جاء ذلك اليوم؛ طرق باب منزلي، ردت عليه ابنتي؛ فقال لها: جنان جبت ليكم طبق شوربة، لكن لا تنزلي الحين، انتظري شوي وبعدين خذيه.. فسألته عن السبب؟ أجابها أن نتيجة فحص التوأم أحمد ويعقوب إيجابية، ولأني خالطتهما، ما أبغى أحتك فيكم، إلى أن أفحص”.
تستطرد، وقد ملأت العبرة صوتها شجناً، “كان أخوتي يقضون كثيراً من أوقاتهم معاً، خاصة التوأم أحمد ويعقوب، وأبو سراج (رحمه الله)، لذا عندما أصيب التوأم؛ خشي أن يكون مصاباً وينقل المرض إلى أحد منا. وفي اليوم الثاني ذهب للمستشفى، لإجراء فحص كورونا”.
الحجر في الفندق
ظهرت نتيجة المسحة بعد 24 ساعة، كانت إيجابية. حينها؛ لم يكن أبو سراج يعاني من أي أعراض، لكن لضيق المكان في المنزل؛ ذهب للحجر في فندق بالخبر، خوفاً على أبنائه وبقية العائلة.
شقيقته أفراح هاتفته هناك، تقول “أخبرني أنه بخير. ولكن بعد يومين ارتفعت حرارته حتى قاربت الأربعين، ولم تنخفض، مع أنه كان يتناول خافض الحرارة كل 6 ساعات”.
بقي على هذه الحال 9 أيام؛ حرارة متواصلة جعلته ينتفض وكأنه في عز الشتاء، رغم أننا في ذروة الصيف، تقول أفراح “كلما سألته عن حاله؛ أجابني: الحمد لله، الله كريم”.
لم تطق زوجة عمار بقاءه في الفندق، فاتصلت بأخيه الكبير، وقالت له “أخوك يحتاج عناية طبية، ويجب نقله للمستشفى، حاله سيئة، ولا يمكننا الانتظار كي لا تسوء أكثر”.
تكمل أفراح “فعلاً؛ اتصل أخي بالفندق، وتحدث مع الطبيب المسؤول، وبعد أخذ ورد؛ تم تحويله إلى البرج الطبي”.
البرج الطبي
نُقل الراحل إلى المستشفى، بعد أن وصل الالتهاب إلى رئتيه، وبقي على المضادات الحيوية والبُخار. إلا أن جسمه لم يستجب للعلاج، حتى ظهرت نتيجة فحص الأشعة المقطعية: التهاب في المسالك البولية، والبروستاتا.
تقول أفراح “نُقل أخي من التنويم العادي إلى العناية المركزة، واتصل جسده بجهاز التنفس الاصطناعي، ومنها لغسل الكلى. كل ذلك ونحن نرجو رحمة الله ولطفه، إلا أنه اختاره إلى جواره في يوم الحسين الشهيد”.
وصيته الوحيدة: الاعتناء بمريضة
ذهب عمار قريش إلى الحجر خوفاً على أحبائه، حاولت زوجته أن تثنيه عن عزمه، وأن يظل معهم في البيت، إلا أنه رفض بصورة قاطعة، تقول أخته أفراح “لم يوصنا بشيء، حتى وهو في الحجر عندما كان متعباً، سوى التزام الاحترازات، ولم يدر في خلدنا أنه مفارق، وكأنه لم يشأ أن ينعى لنا نفسه، فقط ابن أختنا؛ كانت زوجته مريضة، وكلما هاتفه أوصاه بها.. رحمه الله ذهب وكنا ننتظر عودته”.
جنى تتكلم عن أبيها
لقصة عمار آل قريش مع “كورونا”، زاوية أخرى، تُطل منها صغيرته جنى، وهي واحدة من 5 أبناء للراحل؛ 3 بنات وولدين، تقول لـ”صُبرة” عن رحلة أبيها مع المرض “هو أكثر شخص تأثر، لأن أنا من النوع البيتوتي، ومنذ ابتدأت الجائحة؛ صرت أفضّل البقاء في غرفتي، ولا أغادرها الا في ما ندر”.
تستدرك جنى، التي التحقت قبل أيام بالعام الدراسي دون أن يكون والدها بقربها “لكن قدر الله وأصبت، تأثر كثيراً، وكان دائماً يردد لأمي هذه الجملة: جنى كاسرة خاطري واجد، هي اللي ما تطلع وهي اللي انصابت”.
فطور ما بعد العزل
لا تنسى جنى اليوم الأخير من عزلها “دخل عليّ الغرفة صباحاً بابتسامته المرسومة دوماً على وجنتيه، وكان يقول: يلا جنى حبيبتي عازمينك أنا والماما على فطور، تعالي الصالة”.
تضيف “كان حامداً صابراً، كان يردد هذه الكلمة دائماً: أنا ما أخاف من كورونا، وراح أشوفكم قريب”، تتذكر أيضاً “أول ما طلعت نتيجته (مصاباً) أرسل تسجيل صوتي في قروب العائلة، افتتح فيه كلامه بالحمد والثناء على رب العالمين. وحتى آخر يوم سمعنا فيه صوته قبل أن يتعب كثيراً؛ كان الإنسان الصبور الذي لم يشعرنا أبداً أنه سيرحل عنا، أو أنه مُتعب، أو أن هذا المرض سيخطفه منا سريعاً”.
اقرأ أيضاً:
أسرة الرادود عمار قريش تطالب بعدم تداول صورته وهو على فراش المرض