نزهة ريفية تعود بفريق نسائي إلى زمن سرقة “التوف” و “الكنار” حلالاً "مرجحانة" بين نخلتين تحرك طفولات كامنة في بستان "أم الخير"
القديح: صُبرة
أن تقطف “التُّوفْ” من خلف سياج بستان لتأكله؛ فإن ذلك يعني أنك تنتمي إلى زمنٍ ريفيٍّ لم يعد موجوداً. ماذا لو تكرّر الأمر مع شجرةٍ أخرى في بستان آخر..؟ أو دخلتَ بستاناً على عفويتك، وأكلتَ من ثمره، وتأرجحتَ بحبلٍ بين نخلتين فيه، ومشيتَ بين “السواقي” و “المرامي”..؟!
مثل هذه الفرصة ليست متاحة لكل الناس. لكن فريقاً نسائياً عاش هذا “الجو”، عصر اليوم، في الجزء الشمالي من ريف بلدة القديح، مشياً على الأقدام، برفقتهم بعض الأطفال و 4 رجال. فكرة النزهة والسير على الأقدام بين النخيل؛ كان فكرة الناشطة الاجتاعية نسيمة السادة التي نظّمت الرحلة، وشارك فيها الباحث عبدالرسول الغريافي، وأستاذ الرياضيات التطبيقية المساعد بكلية الجبيل الصناعية الدكتور عبدالعزيز الحميدي، والسيد ناصر شرف المير، إضافة إلى محرر وكاتب في شركة أرامكو السعودي اسمه ريتشارد، يحمل الجنسية الجنوب أفريقية.
مسجد عزرمة
بدأت مهمة المشي من النخل المعروف بـ “الحافي”، حيث كان الفريق يُمضي نزهة نهاره فيه. وتجوّل في بعض المعالم الباقية في المكان. كانت المحطة الأولى مسجداً قديماً وسط النخيل اسمه “مسجد الشيخ عزرمة”. مبنى صغير، كان الفلّاحون يؤدون صلواتهم فيه.
عين اللبّانية
المحطة الثانية كانت عين “اللبّانية” التاريخية. إنها عينٌ كان لها شأن مهم فيما مضى من الزمن. توقف الفريق فيها طويلاً، التقطوا صوراً للتذكار، وحاولوا استكشاف المكان. وقبل أن يكمل الفريق سيره؛ مدّت بعض النساء أيديهنّ إلى شجرة “توف/ توت” من وراء سياج بستان في الطريق. بدا المظهر وكأنه من زمن ما قبل الطفرة، حين كان الناس يقطفون الثمار ليأكلوها من البساتين على عفو العادة التي كانت مقبولة، ومُتسامحاً فيها بين الناس. ثم أكمل السير على الطريق الزراعيّ، وصولاً إلى موقع عين “المحارق”.
المنطقة ريفية بالكامل، والنخيل الحيّة فيها؛ ما زالت تحافظ على تقاليد الزراعة الموروثة، ما أتاح للفريق أن يطّلع بصرياً على الزراعة التقليدية، ويشاهد بعض الفلّاحين على بساطة يوم عملهم.
أم الخير
توقف الفريق عند النخل المعروف بـ “أم الخير”، الواقع جنوب عين المحارق”. قبل أن يدخل الفريق البستان؛ كانت شجرة “كنار/ نبق” محلية تكشف عمّا تبقى من ثمرها. “الكنار” في القطيف ينضج أواخر الشتاء ويستمر إلى الربيع. حجم ثمرته صغير، على العكس من “الكنار” الكبير الذي جيء به إلى المحافظة منذ أواخر الثمانينيات وانتشر على نطاق واسع. “هذا كنار حقيقي وفيه ريحة”.. هكذا قالت نسيمة السادة بعد تناول حبّاتٍ منه. تلك ميزة في “الكنار” المحلية غير متوفرة في “الكنار” المجلوب.
مرجحانة/ مريحانة…!
نخل “أم الخير” بستان نموذجيّ في نظام زراعته وتقسيمه. “الشروب”، “المساقي”، “المرامي”، ومواقعها من النخيل والأشجار التي تملأ البستان. وعلى مدى سنوات؛ كان هذا النخل، بالذات، قبلة للفوتوغرافيين الباحثين عن المناظر والمزراعين التقليديين النموذجيين. وفيه أُرجوحة بين نخلتين التُقطت فيها مئات الصور. وجد بعض أفراد الفريق فرصة للتعبير عن طفولاتهم.. اندمج الباحث ومعلم اللغة الإنجليزية المتقاعد عبدالرسول الغريافي مع المشهد، وركب “المرجحانة” و “تمرجح” على هوى الرغبة التي أطلقها من داخله.. كذلك فعلت الناشطة الاجتماعية نسيمة السادة.
الأمر أثار رغبة السيد ريتشارد، فركب “الأرجوحة” وأخذ وقته.. وشارك بعض الأطفال في اللعبة..!
خرج الفريق من “أم الخير” في اتجاه الجنوب، كان سيراً حرّاً في منطقة زراعية مفتوحة. ثم اتجه في طريق العودة سالكاً طريقاً آخر، يفصل بين بساتين، عن اليمين وعن الشمال نخيل، ورائحة ريف، وبساطة حياة، وشيءٌ من زمنٍ قد مضى لا يمكن عيشه يومياً، كما كان أسلافنا يفعلون..!