التحرش بالأطفال.. الحامي هو المعتدي…! إهمال علاج الطفل الضحية قد يُحوّله إلى منحرف سلوكياً في المستقبل

الوقاية الفعّالة تبدأ من بناء الثقة مع الأبناء

العوامية: غفران عويشير
طفلة تخونها كلماتها، تتمنى أن تُفهَم إستغاثتها من عينيها. أمها تتساءل ما سبب تغير سلوك الصغيرة، أهو مرحلة جديدة من نموها؟ و ظل وحش مخيف يقترب، يرحب به جميع أفراد الأسرة بحفاوة. إلا قلب هذه الطفلة الذي يصرخ داخلها: أغيثوني…!

غطاء سري
قلوب مكسورة نتصفح وجوهها البريئة جاهلين ما في كيانها، غير ملتفتين إلى فقدانها الأمان بعد أن سرقت براءتها جهلاً أو غصباً.و ثقة محطمة من طفل خانته الثقة في من كان منتظَراً منه ـ بل واجباً عليه ـ حماية البراءة وصونها.
الأطفال أمانة يخونها الأهل بالإهمال، والمجتمع بالتغافل، والمؤسسات بالتقاعس. والاعتداء والتحرش الجنسي بالأطفال معضلة عالمية، لا يخلو منها مجتمع، وتتركز خطورتها في أن جرائمها تحدث وتتكرر تحت غطاءٍ سرّي بين المعتدي والضحية غالباً. وما يظهر منها إلى السطح ويصل إلى الآباء والأمهات، ومن ثم السلطات والمؤسسات التربوية، أقل بكثير مما يحدث في المنازل والمدارس والبيئات المختلفة التي يستغلُّ فيها ذئبٌ بشريٌّ طفلاً أو طفلةً تحت هيمنة أو سطوة.

الباحثة رقية الفلّه

رقية الفلّه، باحثة أمضت سنواتٍ في بحث هذه المشكلة عبر نشاطها التوعوي التثقيفي. بدأت اهتمامها بالموضوع من موقفٍ توقفت عنده حين كانت تعمل في أحد مستشفيات الجبيل مع فتاةٍ عشرينية مصابة بحالة نفسية تقف وراءها جريمة تحرش قديمة تركت رواسبها فيها. “صُبرة”، استضافت الباحثة الفله التي أكدت، من بداية الحديث، أن غالبية ضحايا التحرش الجنسي من الإناث، وأن أكثر الأماكن شيوعاً لتنفيذ الجريمة هي منازل العائلة، وضمن المحيط الأسري، وكثيراً ما يكون المعتدي أخاً مراهقاً، خالاً، عّماً، زوج أخت، خادمة، سائقاً.. والكارثة قد يكون المعتدي أباً…!
تضيف الباحثة الفله “النسبة الأعلى لمواقع التحرش تشير إلى بيت العائلة الكبير، بعدها المدرسة، ثم الشارع، ثم النادي الرياضي، ثم الروضة أو الحضانة.

بعد ٢٠٠٥، أصبح المجتمع يتكلم بشكل جهري. وأخذت كثير من الجهات الفعالة في المجتمع تخوض في موضوع التحرش، بعد ما كان بعيداً عن الإعلام.

لوم الضحية.. لا المعتدي
ـ وسألناها: هناك حالات تحرش واعتداء كثيرة تحدث، وتنكشف الحالة لأهل الضحية، ومع ذلك تلوذ العائلة بالصمت، ولا تلجأ إلى جهات قانونية.. فكيف تُحل هذه المشكلة؟
= فأجابت: قرار لجوء العائلة إلى إجراءات التبليغ عن الحادثة يختلف باختلاف المستوي الثقافي للأسرة أو المربي. ولذلك لا توجد إحصاءات دقيقة في هذا الموضوع. وفي السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ٢٠٠٥، أصبح المجتمع يتكلم بهذا الموضوع بشكل جهري. وأخذت كثير من الجهات الفعالة في المجتمع الخوض في هذا الموضوع كالإعلام وغيره، بعد ما كان بعيداً عن الإعلام من قبل. أصبح المجتمع يتقبل فكرة الخوض في مثل هذه المواضيع ورفعها للجهات المختصة بشكل جهري بعدما كان يحكمه طابع السرية لما فيه من الكثير من التكتم خوفاً من العيب، خاصه أن أكثر اللوم يقع من المجتمع أولاً وأخيراً على الضحية، بالذات لو كانت فتاة.

أيها الآباء والأمّهات.. لاحظوا في أطفالكم: قضم الأظافر، التبول اللاإرادي، الشرود، الانسحاب الاجتماعي، الخوف مِن الأكبر سناً، خاصة عند الذكور، والانطواء، والانعزال بالذات

أطفال شاردون
ـ أحياناً، وربما كثيراً، حتى الأهل لا يعلمون بما حدث لطفلهم أو طفلتهم من تحرش.. فما هي العلامات والأعراض التي تظهر على الأطفال المتحرش بهم…؟
= هناك الكثير من الأعراض السلوكية والنفسية التي تظهر على الضحايا. بينها قضم الأظافر، التبول اللاإرادي، الشرود، الانسحاب الاجتماعي، الخوف مِن الأكبر سناً، خاصة عند الذكور، وقد ينتابهم خوف من الرجال بشكل واضح؛ وكذلك الانطواء، والانعزال بالذات. وهذا ما يُسمّى “الانسحاب الاجتماعي”. ويمكن أن يُصاحب ذلك
اضطرابات في النوم كوابيس، فزع الخوف من الظلام، والأصوات العالية. والذكور مثل الإناث في الخوف الشديد وعدم الرغبة بأشخاص معينين خاصه ممن اعتدي عليه. وكذلك الخوف من أن تكتشف الأسرة الامر، فيعاملوه كمجرم وليس كضحيه. وهناك الخوف من الاختلاف الذي يظهر في جسد ونفس الضحية.
لكن الإناث لديهم معاناة أُخرى بينها الحزن على شيء أُخد منها بالقوة، الحزن على فقدان الطفولة مبكّر، الحزن على خيانة شخص وثق به خاصة لو كان من المحيط الأسري أو الرفاق. وهناك الشعور بتأنيب الضمير، والإحساس بالعار.

علاج مبكر
ـ الى متى تمتد آثار التحرش النفسية عند الضحية…؟ وهل يمكن أن تختفي مع النمو أو تنسى الضحية الاعتداء…؟
= لو عولج مبكراً، وعلى حسب طريقة العلاج وتقبل الأسرة لذلك. الأسرة هي الركيزة الأولى في موضوع شفاء الضحية من عدمه.

الضحية.. منحرفاً
ـ ماذا عن لو لم يكن للضحية الحظ والقدرة على الحصول على الدعم المطلوب للعلاج سواء الطب النفسي أو من الأسرة؟
تظل الرواسب داخله إلى أن يكبر، بل هناك احتمال كبير أن يتحول من ضحية ال مُعتدٍ، أو ينحرف سلوكياً.

أيّها المجتمع.. فرِّقوا بين “الثقافة الجنسية” وبين “التربية الجنسية”.. وربُّوا أولادكم واكسبوا ثقتهم.

تثقيف
ـ ما رأيك بالجهود المبذولة حاليا من الجهات الرسمية؟
= المجهودات لا بأس بها. ولا معلومات معمّقة لديّ حول ذلك. لكن أنشطة التوعية والتثقيف في هذا الجانب متاحة ومسموحة بهدف يُشارك المجتمع في مواجهة المشكلة، وكذلك هناك أنشطة كثيرة من الجهات المختصة كالجمعيات التطوعية في الخوض في هذه المواضيع بشكل توعوي وتثقيفي علاجي.
ـ ما رأيك بتثقيف الاطفال وأهاليهم عن الوقاية والتعامل مع التحرش الجنسي للأطفال؟
= أشجع ذلك وبقوة، لأن في التوعية وقاية، والوقاية خير من العلاج. وكثير من محاضراتي كانت تتكلم عن الجانب التوعوي وكذلك ورش العمل للضحايا.
ـ الاطفال قد يلوذون بالصمت ولا يفصحون عما حدث لهم لأهلهم، ماذا يتوجب على الأهل حتى يكتسبوا ثقة أبنائهم في هذه المواقف؟
= ذلك يعتمد على الأسلوب التربوي المتبع في الأسرة. وفي كل الأحوال؛ تقع عبء بناء الثقة في الأبناء على المربين. ذلك ما يجب أن يتمّ بناؤها منذ بداية النشأة، وليس بعد وقوع المشكلة. أغلب الأسر التي تتعامل مع أطفالها بأسلوب الدعم النفسي والاحتواء المادي؛ تنجح في تجنيب أطفالها الكثير من المشاكل.

تربية لا ثقافة
ـ كواحدة ممن يعملن في التوعية؛ ما الذي تقترحينه على المجتمع ككل في هذا الصدد…؟
رسالتي لجميع الأسر هي أن يحرصوا ـ وبشدة ـ على تكوين علاقات متينه جداً بينهم وبين أطفالهم، وغرس القيم العليا في نفسياتهم. بالإضافة الى التثقيف الآمن، خاصة التربية الجنسية وليس الثقافة الجنسية، لأن هناك فرقاً كبيراً بين “التربية الجنسية” وبين “الثقافة الجنسية”. ونحن ـ كأخصائيين ـ نناشد بضرورة ممارسة التربية الجنسية التي تتناسب مع الفئة العمرية لكل طفل.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×