[ميناء القطيف 28] 3 آلاف ريال تنقذ تاروت من ثأر كويتي الشاعر ابن سلطان.. سليل الفقر والبراعة ومدّاح حكّام الخليج

[من أوراقي 28]

ميناء القطيف

مسيرة شعر وتاريخ

عدنان السيد محمد العوامي

مادح رحمة بن جابر، من هو؟

انتهى بنا المطاف في سيرة رحمة بن جابر إلى تبرئته من تهمة القرصنة، وعرَفنا – من شهادات مؤيَّدة بسيرته ومسلكه – أنه حليفٌ لقوم وقف معهم بإخلاص ضدَّ خصوم يستظلون مظلة أجانب يرى أنهم غزاة يفرض عليه واجبه الوطني مقاومتهم دفاعًا عن أرضه وخيراتها، فاستحق المديح والرثاء، ومن أولئك الذين مدحوه ورثوه شاعر قطيفي هو الشيخ محمد بن سلطان، وابن سلطان هذا في اسمه خلاف، كالخلاف في  أميته، يعنون معرفته بالقراءة والكتابة، فلنقف على ما وجدناه من آراء بهذا الخصوص:

أول من ترجم له هو الشيخ علي بن حسن البلادي في الترجمة 39 قال: (ومن شعرائها الكبار الشاعر اللبيب، وليس له سواد، ولا يقرأ ولا يكتب، عاميُّ صرف، وهو من العجب: محمد بن سلطان القطيفي. له القصيدة الرائية العجيبة، مدح الأمير في أولها مدحًا حسنًا بليغًا، ثم تخلَّص  للرثاء على الحسين “ع”، أولها:

سرى البارق المفتضُّ ختم المحاجر، وقصيدة رائية أيضًا، في رثاء الحسين، وهي آليت أخلع للزمان عذاري،  وله قصيدة أخرى في رثاء الحسين وهي:

مرابعَنا، يا نِعْمَ تلك المرابع، وله قصيدة ميمية في مدح رحمة بن جابر، وله أشعار أخر)([1]).

ولكن نجله الشيخ حسين القديحي في كتابه رياض المدح والرثاء سمَّاه عبد الله([2])، وهذا غريب ومخالف لوالده، فالرياض مطبوع في الهند طبعة حجرية سنة 1338هـ([3])، أي قبل وفاة والده بسنتين، وقبل ظهور أول طبعة لكتاب والده أنوار البدرين سنة 1377هـ.

الشيخ حسين القديحي

ويبدو أن الحاج محمد علي آل نشرة الأوالي البحراني، اعتمد عليه في تسميته بعبد الله، وتابعه في هذه التسمية الشيخ فرج العمران([4])، وعنه أخذ الأستاذ عبد العلي السيف في كتابه القطيف وأضواء على شعرها المعاصر([5])، على حين التزم الشيخ علي ابن الشيخ منصور المرهون في كتابه شعراء القطيف بما في أنوار البدرين في تسميته بمحمد([6]). وقبل الشيخ المرهون أصدر الأستاذ محمد سعيد المسلم كتابه (ساحل الذهب الأسود)، واسمه فيه محمد([7])، ولا يختلف هذا عما في كتابه الآخر: واحة على ضفاف الخليج – القطيف)([8])، كذلك السيد سعيد الشريف في بحثه المعنون: (من أعلام القطيف عبر العصور) اعتمد اسم محمد، معتبرًا من سماه عبد الله   مشتبهًا([9])، وعلى خطاه سار الأستاذ سعود بن عبد الكريم الفرج([10]).

الشيخ فرج العمران

عبدالعلي السيف

الشيخ علي المرهون

محمد سعيد المسلم

السيد سعيد الشريف

ما هي الحقيقة؟

أول المترجمين وله مشايعون مقتنعون بأن اسمه محمد، وبعضهم نقل عن مصدر اسمه فيه عبد الله، لكنه أثبته باسم محمد، مؤكِّدًا ومعتبرًا مصدره مشتبهًا، كما السيد سعيد الشريف في الموسم، والسيد جواد شبر في أدب الطف([11]).

الباحث الأستاذ محمد أمين أبو المكارم في بحثه الضافي المنهجي، اطمأن في ختامه إلى أن اسمه عبد الله، معولا على وجود عالم قطيفي عاش نفس الفترة اسمه عبد الله القطيفي، فتحت عنوان: (عبد الله وليس أمي)، قال: (خلاصة القول في حق هذا الشاعر هو أن اسمه عبد الله، وأنه ليس أميًّا، وساء باللجوء إلى الأدلة الصريحة أو التحليلية.

أما فيما يتصل بوفاته فيرى بعض المتبعين أنها سنة 1220هـ، لا كما يرى الشيخ المرهون 1251هـ. ولسنا ندري في الحقيقة مصدر أي من الرأيين.

محمد أمين أبو المكارم

ومن المناسب هنا قبل أن نختم الحديث عن ابن سلطان أن ننوه إلى وجود عالم قطيفي عاش في نفس الفترة، ويدعى بالشيخ عبد الله القطيفي ترجم له العديد من المؤرخين، ومنهم الشيخ محمد علي العصفور في تاريخ البحرين، قال عنه: الشيخ عبد الله القطيفي، وهو من أكابر علماء القطيف، مجاز من الشيخ أحمد الأحسائي، وله رسائل في علوم شتى منها كتاب في تفسير أول ما خلق الله العقل، ومنها رسالة في وجوب الجمعة، ومنها رسالة في آداب المفتي، توفي سنة 1220هـ.

فهل هو الشيخ ابن سلطان أم كما يميل الشريف إلى كونه   الشيخ عبد الله بن محمد القطيفي؟ ليس هناك من مرجح في هذا المقام، لكن يكفينا ما بينا سابقًا في إثبات فضل ومكانة الشيخ عبدالله بن سلطان القطيفي العالم الكبير والشاعر الفحل، ولعل الأيام تكشف أكثر من هذا، فلا يزال في الخزائن المكتنزة ما يضن به عشاقه، ويغارون عليه غيرة الصب على معشوقه).    

رأي محقق أنوار البدرين 

الأستاذ عبد الكريم ابن الحاج محمد علي، حفيد الشيخ علي البلادي محقق كتاب جده أنوار البدرين، ناقش الأستاذ أبا المكارم، وأتى بفرضية أخرى هي لماذا لا يكون ابن سلطان هو الشيخ محمد علي الشهير بابن سلطان، وأنه من أعلام القرن الثاني عشر، وليس الثالث عشر([12])؟

محقق الكتاب عبدالكريم الشيخ

ما أراه – بكل تواضع واحترام للسادة الباحثين، أن القطع بغلبة أيٍّ من هذه الآراء غير ممكن، ولاسيما أن مؤرخينا القدماء ليس لهم عناية بتوثيق المصادر كما عليه منهج التأليف الآن، حتى يمكن الرجوع إلى المصدر وتتبع الخطأ فيه، إن كان ثمَّة خطأ؛ من هنا يأتي عسر البحث في عتمة بلا ضوء، وشعاب بلا صوى، فتعويل الأستاذ أبي المكارم على وجود شخص اسمه عبد الله القطيفي، لا يسوِّغ اطِّراح قول البلادي واعتماد قول ولده، إذ احتمال أن يكون من أخطاء الطباعة غير مستبعد، ولاسيما أن كتاب الرياض مليء بالأخطاء الطباعية.  أما ما احتمله الأستاذ عبد الكريم أن يكون من أهل القرن الثاني فيؤيد استبعاده إشارة الشيخ البلادي إلى أن للشيخ ابن سلطان قصيدةً في مدح رحمة بن جابر، ففي الحلقة (27) الماضية([13]) سردنا سيرة رحمة، وذكرنا فيها  مصدرًا أشار إلى أن من جملة من رثاه الشاعر محمد بن سلطان القطيفي، ورحمة بن جابر لوفاته عند ابن بشر تاريخان، أولهما سنة 1226هـ وثانيهما سنة 1242هـ([14])، وكلا التاريخين في الفرن الثالث عشر، وليس في الثاني عشر.  

هل هو أمي

رغم أن مترجميه اختلفوا في اسمه بين قائل إنه محمد، وقائل إنه عبد الله، فقد تصافقوا جميعًا على أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ما عدا اثنين هما الأستاذ محمد أمين أبو المكارم، والأستاذ عبد الكريم ابن الحاج محمد علي القديحي، حفيد الشيخ البلادي، وقد استندا في رفضهما إلى وضوح تضلع الشاعر في علوم اللغة العربية، وإجادة التأريخ بحساب الجُمَّل، وهو فن لا يحسن إلا القليل من العلماء، فما الظن بالأميين؟

وأضيف هنا ما علمته من الشاعر أحمد بن سلمان الكوفي رحمه أنه كان ينظم الشعر بالعامية، وله تأريخ بحساب الجمل بالعامية أيضًا، ومنه:

يا هي سنة والمطلع الله نوابيد

إن ﮔـيل ما تاريخها ﮔـلت غربال

يا هي سنة: يالها من سنة! والنوابيذ: من التنابذ، والصراعات، والغربال: المصيبة، أما تاريخها في حساب الجمل فهو: 1233. إذن كان ابن سلطان حيًّا في هذه السنة، مما يعضد تأريخ الشيخ المرهون وفاته في سنة 1251هـ.

الشاعر أحمد الكوفي في أواخر حياته

شعره

هذا الشاعر الفحل لم يحفظ لنا الزمن من شعره إلا قصيدتين، واحدة منهما رائية والأخرى عينية
الرائية([15])

سرى البارقُ المفتضُّّ ختمَ المحاجرِ

على حاجرٍ، واهًا لأوطار حاجرِ!

فلولا انبعاثُ الشوق لم يستفزَّني

تألّقُ بسّام بِعِيس الدياجرِ

فبُعدًا له من رائدٍ بَزّني الكرى

وطارَ، وقلبي خلفَه أيُّ طائرِ

فمن ليَ من قبل الفوات ولو غدا

شَعُوبًا وظنّي ما عدا شِعبَ عامرِ

هي الدار ما صبري عليها بطائلٍ

كما لم يكن شجوي عليها بقاصرِ

اُعارضُها والصحب ما بين عاذلٍ

على ما يَرى بي من شجونٍ وعاذرِ

فلم أرَ من عينِي أدرَّ بأرضها

كرائمة ألْوت على البَوِّ خائرِ([16])

ولا كأُصَيحابي حذارًا ودهشةً

كمذعورة المِعزى بزأرة خادرِ

فمِن ناشدٍ مثلي فؤادًا ومشفقٍ

على نفسه والمبتلى كالمحاذرِ

خليلي إمّا تعهداني على البَلا

صبورًا، فإني في النوى غيرُ صابرِ

فما لي وتعليل الأماني وقلّما

أفاد التمنّي مِن تَعِلّة خاطرِ

رعى الله صبًّا رِيعَ من لوعة النوى

وخُولط من نأي الخليط المجاورِ

فيا رُبَّ مخمورِ الجَنان وما به

جنونٌ، ولكن رُبَّ داء مخامرِ

لي الله من عين كما العينِ دأبُها

تراعي النجومَ الزهرَ لا بالأزاهرِ

محاوِلةً صيد الكرى غير أنه

لأعنفُ شيءٍ في الدُّجى ختلُ نافر

أما واختلاجِ النجمِ وهنًا كأنه

ضميري، وما أدراك ما في الضمائرِ

عشيَّةَ لم يدرِ الخليّون ما الجوى

وأين من البُرْحاء من لم يصادرِ؟

لهان على من بات بالجزْع خاليًا

مبيتُ أخي شوق بتيماءَ ساهرِ

فلولا الصَّبا لا أبعد الله شأوَها!

لما كنت عن طيب الأخلّا بخابرِ([17])

أجل، أتحفتني عَرْف ريًّا وإن غدت

تنمّ بريّاها ذوات العباهرِ

ولولا ارتياعُ النفس ما استدرك الفتى

تروِّحَ لُبٍّ غائبٍ حكمَ حاضرِ

ومرتاعةٍ منِّي بإفراط جيرة

لغفران ربي، إنه خير غافرِ

دعت، ويحَها: خفض عليك! وما درت

بأن بَواخَ النار غِبَّ التساعرِ

حنانيكَ يا بن العم، ما أنت والجوى؟

فبادرة الأهواء شرُّ البوادرِ

تزوّدْ من الأيام خيرًا فربَّما

يفوتك من دنياك زادُ المسافرِ

فلا يأمننَّ المقتَ مِن كلّ هفوة

وحاشاك! مَن لم يتّعظ بالزواجرِ

فعنِّي إليها، ربما يَحمل الفتى

على كاهل البغضاء حُوبَ([18]) المُحاذرِ

ويا ربما، لولا التهكّمُ، شَوْرها([19])

يسوغ، أبيتَ اللعن، قبل التشاورِ

عليّ لها العتبى إذا لم أسرَّها

على رغم واشيها بأسنى الظواهرِ

كفى بوفور الدِّين مثلي جلالةً      

وإن كان حظّي في الدُّنى غيرَ وافرِ

فأين عُلوّ الجاه مني ولم أكن

لغير أمير المؤمنين بشاعرِ؟

فحسبي أبو السبطين، حسبي فإنما

هو الغاية القصوى لبادٍ وحاضرِ

إمام، وإن كان البعيدُ غياثُه

لأقربُ من نجوى المنى للخواطرِ

ألم ترَ أن الشمس في رابع السما

وتأثيرُها في كلّ خافٍ وظاهرِ؟

فلا عجبٌ من آية الله لو بدا

إلى الخلق من أسراره كلُّ باهر

أما وامتطاه كتفَ أحمدَ قاذفًا

عن الكعبةَ الأوثانَ قذف الأظافر

على أنه لو طاول الشهبَ كعبُه

ولو زحلٌ ما كان عنها بقاصرِ

فيا لك من فخرٍ تضاءل دونه

رؤوس المعالي كابراً إثر كابرِ

كفى بمديح اللّه‏ فضلاً عن الذي

رواه ابن مسعود بإسناد جابرِ

فإن امرأ باهى به اللّه‏ قدسه

ليخسأ عن علياه كلّ مفاخرِ

وإن فتًى في كعبة اللّه‏ وضعه      

لأطهر من ينمى لأزكى الطواهر

له الذروة العلياء من آل غالب

تقاعس عن عليائها فخر عامرِ

وأبلج ميمون النقيبة لم يزل

بعزمة نهج للهدى أيَّ سافرِ

إمام به آخى الإله نبيّه

على رغم أنصاريّها والمهاجرِ

فليت الأولى همّوا به بعد علمهم

تغاضيه لا للعجز بل حلم قادرِ

رأوا فيه إحدى الحسنيين فإن أبوا

كفافا وإلاّ الحقّ دون التناظرِ

العينية([20])

مرابِعُهم، يا نعمَ تلك المرابعُ

سقاها وحيّاها الحيا والمدامعُ

ودَرَّتْ عليها المعْصِراتُ لُبانَها

فلا حُرِّمتْ يومًا عليها المراضع

وما الدمعُ بالمذخور عنها فربما

بأوقاتِها الأشياءُ فيها منافع

فما شغفي حبُّ الديار وإنما

لأجل أهاليها تُجَلُّ المواضع

تجاهلنَ عِرْفاني بهنَّ وإنني

على صنعها البُرْحاءَ لي لَـمُصانِع

أعارضُها والقلب مني كأنه

من الصبر هُنَّ اليوم قفرٌ بلاقع

فلم أرَها رأيَ العيان وإنما

لها كنتُ من مرآة شوقي أطالع

فشاكَلَها جسمي نحولاً ولم تزل

على مقتضى الأحوال تعدو الطبائع

أما وتناجِينا على البُعد كلما

رواه العفا عنها وعني المدامع

لأُتلي تشاكينا النوى حيث لم تُذِعْ

به السرَّ إلا قيل أبداه ذائع

خليليَّ ما للبَيْنِ مني وللجوى؟

فرأيُ المعنَّى بين هذين ضائع

فأنهيكما عصيانَ دمعي وطوْعَه

وما يستوي في الحكم عاصٍ وطائع

فهل هي إلا عبرةٌ باعتباره

دليلٌ على ما خبَّأتْهُ الأضالع؟

على الجسم مني ما على الدار من عفا

ولو لم يكن ما استنكرتْه الطبائع

وغِرِّيدِ بانٍ هبَّ وَهْنًا كأنه

أُريع بما لاقى الصبابةَ رائع

فأزعجني دونَ الرِّفاق وللجوى

من القلب أيدٍ للسلوِّ نوازع

فجاوبَه دمعي ولبّى كأنه

لساني أو الأجفانُ مني المسامع

بفيه الثرى من ناعبٍ لو كُفيْتُه

لما طار قلبي وهو بالوكْرِ واقع

كأن لم يكن وجدي به غيرَ أنه

بإنشاد أشعاري على السبط والع

ومنها:

بهاليلُ بسّامون في الروع حيث لم

يَرُعْهم سوى من خشيةِ الله رائع

مطاعيمُ لأْواءٍ مطاعينُ غارةٍ

إذا ما ادلهمَّ الخطبُ أو عزَّ ناجع

تنافسُ في بيع الإله نفوسُهم

فبُورك مبتاعٌ وبورك بائع

يمينًا بأمثال الأهلَّة لم نزل

لها خُزْرُ أحْداقِ المنايا تطالع

ومُلْسٌ كأغوالٍ تلوَّى برحْبها

وما نفْثُها إلا السموم النواقع

مسوِّغةٌ جزْمَ المواضي برفعِها

لمجزومِهم، والفعلُ منها مضارع

فما لقصير القوم لا درَّ درُّهُ

لأيَّة أمرٍ ما له الأنفَ جادعُ

وما الناس إلا اثنين؛ إما منافقٌ

مُجارٍ، وإما خائفٌ ومُصانع

أجل والذي ما لابن سلطانَ كالئٌ

سواه ومَنْ لم يكلأِ اللهُ ضائع

من أين لحقته الأمية؟

حدثني الشاعر أحمد بن سلمان الكوفي (رحمه الله) أن ابن سلطان كان فقيرًا، بسيطًا كثير التشاؤم، عديم الاهتمام بمظهره، وهو نفسه أكد هذا في قوله:

كفى بوفور الدين مثلي جلالةً

وإن كان حظّي في الدُّنى غيرَ وافرِ

فأين عُلوّ الجاه مني ولم أكن

لغير أمير المؤمنين بشاعرِ؟

وهو في هذا يشبه الكوفي تمام الشبه، ولذا لحقت الاثنين وصمة الأمية، فظُنَّ أنهما أميان.

وعن تشاؤمه يحكي الكوفي أنه كان يتردد على البحرين وقطر يمدح الأمراء وغيرهم من الأعيان، فصادف مرة أنه عائد من البحرين فهبت عاصفة عنيفة فشرع البحارة في رمي بعض أحمال السفينة لكي ترتفع حواميها عن سطح الماء، وكان ابن سلطان نائمًا، فاستيقظ ليرى أن الصرة التي فيها ثيابه وباقي لوازمه والنقود التي أعطاها له ممدوحوه قد ألقي بها في البحر، فقال: (قفوا، صرتي هي المطلوبة، فلا ترموا شيئًا).     

عودة لميازيب الدم

نواصل سرد حكايات  الدماء الجارية في هذا الميناء، فما زالت أخبار الرواة تجري وزكائب البريد ملأى بأخبار تخالف ما نقله الأستاذ محمد سعيد المسلم عن لوريمر.

فبتاريخ الثالث من شهر جمادى الثانية سنة  1900م يصلنا نبأ دماء شقيقة مسفوكة يقول: (نشب نزاع بين أهل تاروت مع غواصين من أهل الكويت قُتل فيه عدد من غواصي الكويت، فقد جاء تعريفٌ من محمد بن محمد بن عبد الوهاب، إلى الشيخ مبارك في 2 محرم 1318هـ، 2 ما يو 1900م مفاده أن أهل تارت جاءوا ملتجئين إليه بحضور حسين بن علي، وإبراهيم بن مضف، وهما من من أهل الكويت، وطلب أهل تاروت الفصل في هذه القضية حتى يستطيعوا الغوص في تلك السنة، وإلا فإن الكويتيين لن يمكنوهم من ذلك. وقد تم تقدير فصل القضية بمبلغ ثلاثة آلاف ريال يتعهد محمد بن عبد الوهاب بتسليمه خلال ثلاثة أشهر فقط. وقد قبل الشيخ مبارك بهذا).

هذا التقرير مبني على رسالة من حاجِّي علي بن غلوم رضى بعثها من الكويت إلى حاجِّي عباس بن محمد بن فضل بالبحرين، وهذا نصها بعد البسملة:

من الكويت إلى البحرين في 4 شهر، صفر سنة 1318

جناب الأجل الأحشم الأخ حاج عباس ابن محمد فضل المحترم

أما بعد، نعرِّف جنابكم الأخبار من طرف قضية هوشة أهل تاروة [تاروت]، مع غُوَّاص أهل الكويت الذي انقتل كم نفر من أهل غُوَّاص الكويت في 2 محرم جاه تعريف من  محمد بن عبد الوهاب إلى جناب الشيخ مبارك بأن أهل تاروت جميعًا جاوه عندي وملتجين علَي بخصوص حسين بن علي وبراهيم بن مذف الذي من رعاياك، قالو حِنَّا في وجه الله وجهك يكون تصوي [تسوي] لنا  صورت [سورة] حال فصل من طرف المقتولين من رعاياه الشيخ مبارك، حنا نقدر نغوص، والا ما نقدر هَسَّنة نغوص؟ وحنا والأخ حسين بن علي وإبراهيم بن مذف منناه عليك فصلناه في ثلاثة آلاف 3000 ريال، يكون أنا يا محمد بن عبد الوهاب، أسلم لكم فصل المذكور، وأنا كفيل علا [على] ذلك مدت [مدة] أربعة أشهر لازم، ونرجو من جنابكم تقبلون منا وجناب الشيخ مبارك قبل الفصيلة، وانت سالم والسلام.

صحيح حاج علي بن غلوم رضى.

 

——-

([1]) أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف، والأحساء والبحرين، الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي، مطبعة النعمان، النجف، العراق،  1377هـ، و1380هـ، 1960م،  ص: 349.

([2]) رياض المدح والرثاء، الطبعة الحجرية، الهند، 1338هـ، ص: 203، وطبعة مؤسسة البلاغ، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ 1991م، ص: 178.

([3]) هل هؤلاؤ أميون؟ محمد أمين أبو المكارم، مجلة الواحة، العدد 9، رمضان، 1418هـ 1998م، ص: 201.

([4])الأزهار الأرَجية في الآثار الفرَجية، منشورات دار هجر. بيروت، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، جـ4/13، 22.

([5])القطيف وأضواء على شعرها المعاصر، مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ 1985م، ص: 78.

([6]) شعراء القطيف، الشيخ علي ابن الشيخ منصور المرهون، القسم الأول، شعراء القطيف من الماضين، مطبعة النجف، النجف الأشرف، 1385هـ،  ص: 71.

([7]) دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961م،  ص: 283.

([8]) مطابع الرضا، الدمام،  ص: 370.

([9]) مجلة الموسم، العددان 9 – 10، بيروت، المجلد الثالث، 1411هـ 1991م، ص: 245.

([10]) شعراء مبدعون، مطابع الفرزدق، الرياض، الطبعة الأولى، 1417هـ، 1996م،  1/189.

([11]) طبعة بعنوان سوانح الأفكار، دار المرتضى، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ 1988م، جـ6/324 – 325.

([12]) مجلة الموسم، العددان 9 – 10، بيروت، المجلد الثالث، 1411هـ 1991م، ص: 245.

([13])https://chl.li/8X7j5.

([14]) عنوان المجد في تاريخ نجد، مرجع سابق، جـ1/320، جـ2/52 – 53.

([15])شعراء القطيف، الشيخ علي الشيخ منصور المرهون، مراجعة وتدقيق عدنان السيد محمد العوامي، ومصطفى آل مرهون، منشورات دار المصطفى لإحياء التراث، بيروت، الطبعة الثانية، د. ت. جـ1/79 – 82 .

([16]) الرائمة: الناقة تعطف على ولدها فتلزمه، والبوُّ: ولد الناقة، وجلد الحوار يحشى ثُمامًا، أو تِبْنًا فيصير في هيئة الحوار.

([17]) بعالم.

([18])الحوب، هنا: الهلاك، والبلاء والمرض .

([19]) الشور: العسل المشار، أي المجني.

([20]) بحث بعنوان هل هؤلاء أميون، محمد أمين أبو المكارم. مجلة الواحة، العدد 9، رمضان، 1418هـ، 1998م، ص: 203- 204.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×