الفاعل الديني في زمن الجائحة.. من يحسم الموقف في عاشوراء..؟

محمد عبدالله الشافعي

المراقب للساحة المحلية خلال هذا الأسبوع، يلحظ بوضوح السجال القائم بين الأطراف المختلفة حول إحياء موسم محرم لهذا العام في ظل الظروف الصحية التي فرضتها الجائحة.

والأسئلة المركزية التي نطرحها هنا، هل هناك من يمتلك القدرة على حسم الموقف واتخاذ القرار؟ من هم الفاعلون المؤثرون في هذا الجانب؟ وما هي الاعتبارات التي يأخذونها بعين الاعتبار؟

ونروم من خلال هذه المقاربة، فهم الخارطة التي ينتظم فيها هؤلاء الفاعلون، والمرتكزات التي يستندون عليها في محاولة لوضع إطار تفسيري للسجال القائم.

يمكن الانطلاق من القول بأن قضية إحياء موسم عاشوراء قضية هويّاتية بامتياز، تمس مشاعر الجماعة وذاكرتها الجمعية التي تمثّل أساس هويتها، والمس بهذا الموسم، مخاطرة بتلك الذاكرة التي يعاد شحنها موسمياً في شهر محرم، وبالتالي تجري صيانة الهوية.

من هنا يسعى الفاعلون الدينيون، إلى المحافظة على الحد الأدنى من استثمار هذا الموسم في شد عصب الجماعة، وما يكشفه هذا الموقف، هو الرغبة في الموازنة بين “صحة الجماعة” و “هوية الجماعة”.

لا يزال فريق من الفاعلين الدينيين، وربما يكون هو المهيمن عدداً وتأثيراً، يرى أن ثمة تهديد هويّاتي وجودي على الجماعة. ينفي وجود هذا التهديد آخرون، وقد ظهر بعضهم مؤخراً وأعلنوا رأيهم بأنه لا خوف على تلك العقيدة. ولكن، تبقى الجماعة وما علق في ذاكرتها الجمعية وما تشكل في وجدانها من متخيل تاريخي، متوجسة على وجودها، متوترة من تلاشيها وسط فضاء متسع يخالفها.

يساند موقف المؤيدين لإقامة الموسم بعقد المجالس الحضورية، جمهور عريض تشكّلت ثقافته من داخل هذه الثقافة. ثقافة دينية شعبوية -في الغالب- اشتغلت على تنسيج العقيدة في البناء الاجتماعي من خلال ماكنزمات التدين الشعبوي.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن الثقافة الدينية في كل دين ومذهب، تتفرع إلى ثقافة عالمة تمثل المؤسسة الدينية المدرسية المشتغلة باللاهوت والمقولات الكلامية والضبط التدويني للدين بتمثلاته، وثقافة شعبوية تمثل التفاعل البسيط والمباشر بين عامة الناس التي ربما لا تكترث بالمقولات الكلامية الكبرى، بقدر ما تهتم بتمظهر الدين في معيشها اليومي، عبر طقوس حسية وممارسات اجتماعية قريبة من ثقافتهم.

تكمن قوة الثقافة الشعبوية في كونها تستمد مشروعيتها من تجذرها في المجتمع، وقربها من الحاجيات الدينية للناس. ففائض القوة الحسية التي تمتلكها، تجعلها تتفوق على الثقافة الدينية العالمة المثقلة بمقولات وأدوات معقدة، يصعب استهلاكها على الفرد البسيط.

كما تكمن قوتها في أنها تمثل وعي هؤلاء المتدينين بثقافتهم وهويتهم ورؤيتهم للعالم من خلال الثقافة المحكية التي يتلقونها من الخطاب المحوري في هذا المجال الثقافي.

وبالتالي، تتحوّل الثقافة الدينية الشعبوية إلى مصدر لمقترحات تربط الفرد بالعقيدة، وعادةً ما يجري قبول تلك المقترحات من قبل المؤسسة الدينية العالمة، إما بالتصريح أو إمضاء بالصمت، لتتحوّل مخرجات التدين الشعبوي إلى جزء من مجمل الممارسات الدينية التي تحظى بتعلق الناس بها، إذ أنها تولد من القاع ولا تفرض من قمة الهرم.

إذن، فهذان الجناحان، العالِم والشعبوي، في داخل الجماعة الدينية، ينشطان بوصف الأول المشرعن والثاني ناظم العلاقة مع جمهور الجماعة. ويسعى العالِم للتسامح مع مقترحات الشعبوي بصورة تتسع وتضيق بحسب المقترح ووظيفته الاجتماعية والهويّاتية على وجه التحديد.

من هنا، يمكن القول بأن الفاعل الديني الشعبوي بحكم قربه للثقافة المترسخة في وجدان الجماعة وقربه من حاجياتهم الدينية وتواصله المستمر معهم، وبحكم تشبّع الجماعة بهذه الثقافة التي يتفاعلون ويشاركون في صناعتها عبر طقوسهم وممارساتهم ومقترحاتهم، يجعل من هذه الثقافة وفاعليها وعموم الجمهور الشريك في صناعة الثقافة، الفاعل الأقدر على حسم كل ما يتعلق بمواسم صيانة الهوية. وستبقى المرجعيات العالمة تعطي توجيهات عامة، تحيل إلى أهل الاختصاص، وأهل الاختصاص قد يصرحون برأيهم كما حدث في بيان صدر عن مجموعة معتبرة منهم، والحسم يأتي من الفاعل الحقيقي على الأرض حتى الساعة.. أما متى تتبدل الأدوار  وتتقلص، فتلك حكاية اخرى..

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×