هل أقف أم أمشي؟

الدكتور ريان المصلي

مررت بإحدى مزارع التفاح والتقيت صاحبها، وكان منزله الجميل المحاط بأنواع الورود متوسطها، وبدأ يتحدث عن أنواع الأشجار الموجودة، وأن هذه المزرعة ورثها عن أبيه عن جده وتملكتها عائلتهم قرابة المئة عام.

فقلت له: الأجواء الريفية هنا هادئة ومريحة مقارنة بضجة المدينة والتوتر في الأعمال هناك. فأجابني: حتى هنا نقلق على المحاصيل بسبب المشاكل التي تواجه الأشجار من حشرات وغيرها، فنحن نتوتر ونقلق مثلكم.

المعاناه والتوتر من لوازم الإنسانية، الغنى والصحة لهما ما ينغص عليهما، كما الفقير والمريض، نعم الحدة وطبيعة التحديات تختلف. ولكن الجميع لم يعش راحة مطلقة، بل لم يوجد من لم يتألمْ ويتأذَّ. فالمشكلات تواجهنا باستمرار ويكاد لا يوجد طريق دون عقبات وتحديات، بعضها بسيط والآخر نعتقد أحياناً ألاّ حل له ويراود الشخص حينئذ السؤال: “هل أقف أم أمشي؟”

علينا حلّ هذه المشكلات ومعالجتها حتى لا توقفنا عن تحقيق طموحنا والمضي للأمام.

هناك طرق شائكة وتحديات كبيرة تواجهنا بين الفينة والأخرى، والحل الأمثل هو الهدوء والتعاطي معها بما يناسبها وإكمال الطريق نحو الهدف وعيش السعادة. وهناك أمور أخرى قد لا تؤثر في مسيرنا بشكل مباشر، لكنها تحزننا وتقلل من الكفاءة الحياتية وتسلبنا الطاقة الإيجابية، ولطريقة تفكيرنا وتعاطينا مع المتغيرات دور مهم.

إحدى المراجعات في العيادة لديها مرض التكيس الرئوي الوراثي الذي أصابها بسبب جينين مصابين من الأب والأم، ولها أخوان سليمان، ولم يحملا الجين المصاب بالمرض. وكانت نظرتها حزينة وهي تقول:
(you know Doc. how genetics play!) تعلم يادكتور كيف تلعب الجينات!
فأومأت بإصبعي للأعلى إشارة للخالق وقلت كل له سبب وحكمة، فالحمد لله صحتك أفضل بكثير من غيرك، وظائف الرئة وحالتك مستقرة، غيرك على لائحة زراعة الرئة بسبب تدهور صحتهم. لننظر لما لدينا وليس لما لدى الآخرين، فالنظرة المتأخرة أثرها سلبي علينا ولعل النظر للأسفل أحياناً أفضل لنا منه للأعلى ويشعرنا بالسعادة والنعمة التي نحن عليها. هذا لا يعني أن لا نرتقي للأعلى ولكن لابد من أن تكون نظرتنا للأمور واقعية. والبعض يحزن نفسه على سفاسف الأمور كأن يحزن ويعكر مزاجه بشكل كبير لأن فريق الرياضة الذي يشجعه هزم، أو شحن الجوال انخفض وماشابهها. تعليق البال على الأمور البسيطة بشكل مبالغ فيه أحد أسباب الحزن الذي قد يؤثر علينا.

لنكن طموحين وساعين للسعادة ولكن بواقعية، لنعرف حدودنا وما يمكن تحقيقه. ليس المطلوب النكران الداخلي لجميع مشاكلنا والذي قد يكون فعال لفترة وجيزة ولكنه يضرنا على المدى البعيد ولا التعاطي مع مشكلاتنا على أن لا حل لها. نحتاج إلى التفكير الهادئ لمعالجتها المنطقية العقلائية. مع عملنا بالأسباب علينا بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى واستحضار وجوده وتوفيقه وتسديده لنا ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ)*

*سورة التوبة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×