بعد الّتفَگْ يا العازْميْ صرْتْ بحّار”…!
مستفعلن مستفعلن فاعلاتان
يتناقل القطيفيون هذا المثل على أنه من أمثالهم الشعبية. وفي هذا الادّعاء وجاهةٌ ما. مردُّ هذه الوجاهة هو التحوّل الجزئي الذي حدث لبعض أبناء قبيلة “العازمي” من حياة البادية المعتمدة على التنقُّل والغزو إلى حياة القرية المستقرة. حدث ذلك قبل القرن الماضي. وتُنسب إليهم قرية “العازمية” الواقعة شمال غرب القطيف، وسط الصحراء، وهي مهجورة ومطموسة منذ عقود طويلة.
ولم يكن للتحوّل أن يحدث دون ترك بصمةٍ”ثقافية”. ذلك البدويّ الغازي أصبح منتجاً. البدوي الذي كان سلاحهُ “التّفَقْ” أساس حياته؛ أصبح من الماضي. وصار بدويّ الأمس صياداً يكسب رزقه بالعمل.
زاوية الرؤية تحدّد القيمة. وزاوية الرؤية البدوية ترى في هذه الانتقالة انحداراً هائلاً. الكائنُ العربيّ الصحراوي لديه نظرةُ استعلاء ضاربةٌ في القدم إزاء البحر والريف. وفي تاريخنا العربيّ يمثّل مصطلح “الأنباط” واحداً من أهمّ إشكاليات التصنيف السكّاني ثقافياً.
بمعنى إن العرب القدماء كانوا يصفون عرب الزراعة والتجارة والبحر أنباطاً، تقليلاً من شأنهم. ولذلك؛ فإن انتقال “العازمي” من نمط حياة السلاح إلى نمط حياة الإنتاج إنما هو صدمةٌ موجعة.
مثل منتوف
والمؤسف أن هذا المثل الدارج في القطيف ورد منتوفاً. بُنية المثل تؤكد أنه شطر بيت شعر. ذلك واضحٌ جداً في إيقاعه العروضي المتسق مع بحر “الهلالي” المشهور في أدب البادية:
مستفعلن مستفعلن فاعلاتان.
وهذا النّسق الإيقاعي له وجود قليل في موروث القطيف من الشعر العامي…!
——————————————-
شكر خاص للشاعر محمد الخباز الذي نشر قائمة طويلة من الأمثال المحلية، منسوبة إلى جدته. وقد وجدتُ في كثيرٍ منها مفاتيح بحث ومتابعة لظواهر اجتماعية وثقافية في القطيف.