هدف المؤمن
صالح مكي المرهون
لابد أن يكون للإنسان المؤمن هدف في هذه الحياة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقه عبثا، فلابد من غاية، والغاية هي الإصلاح، ولأن الإنسان بدون هدف، أي كان الهدف دنيويا أم أخرويا، يظل يتخبط في الحياة دون فائدة، وتنتهي حياته وكأنها لم تكن، إذا لابد من هدف، والهدف الذي يجب أن يسعى إليه المؤمن أو الإنسان عموما في هذه الحياة هو الإصلاح، والإصلاح في كل شي، إصلاح النفس والمجتمع والبيئة والتربة وحتى الفضاء إن تمكن من ذلك، ففي الوقت الذي يصلح فيه الإنسان نفسه ويطورها فإنه يتوجه أيضا إلى المجتمع فيدعو من حوله إلى الإصلاح أو ما يؤمن به حقا، أكثر عدد ممكن بأقصى قوى ممكنة، بأنفع طريقة ممكنه وفق كتاب الله يدعوهم إلى ما آمن به.
أما لماذا يسعى المؤمن إلى هدف، أي ما هو سبب ذلك الهدف، فهو طبعا لتحصيل أعلى درجة ممكنة من الإيمان والعمل بهذا الإيمان، وبالتالي أعلى درجة تقربه إلى الله سبحانه وتعالى، هذا الهدف العام الذي يسعى له المؤمن، وهذا يخضع لعدة مقاييس، فلكل شخص طريق واحد هو الأقرب بالنسبة له، ممكن أن يسلكه الإنسان وممكن لا، ولكل ظرف طريق، ولكل زمن طريق، أما كيف يعرف الطريق فهذا بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وهو تكليفه وحده، وعليه أن يستعين بكل شئ حتى يعرف طريقه في كل ظرف ويسير عليه، والمسألة قد تكون إلهاما أو هداية من الله أو استنتاجا، فهناك عدة وسائل للوصول إلى ماهية الطريق والتكليف السلوكي، وهذه الحقيقة من أهم النقاط السلوكية.
ولا يمكن البت فيها بحكم عام لأن المسألة خاصة وليست عامة، بمعنى أن التكاليف العامة للإنسان بينتها التشريعات الإسلامية بوضوح، أما الطرق الخاصة الذي يختص بها الإنسان ليست فقط لكل إنسان، بل بكل ظرف فهذا بين الإنسان وربه، ولكل نفس أسباب معينة مرتبطة بطبيعة تركيبها الذاتي، وطبيعة التكوين الاجتماعية وحتى طبيعة تكوينها المادي المحيط بها، لذلك فعملية ترويض النفس مثلا وحسن التعامل معها وإن كانت نهايته متطابقة إلا أن طرقه مختلفة تبعا لكل نفس، فلكل نفس طريق أقرب وسلوك أنفع لبلوغ غاية معينة، وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى للإنسان بعزيمة ورغبة منه، أي من ذلك الإنسان المؤمن، فالأمر يبدأ برغبة صادقة من العبد بتوجهه الى الله، وباستعداد للتضحية من أجل كلمة الله ورعاية لخلق الله، فيكون الرد متكفلا به الله سبحانه وتعالى في إلهامه للطريق الصحيح وتوفيقه إليه وتسبيب الأسباب لتحقيق ذلك.
إذن أرجع إلى القول: إن الهدف الذي يجب أن يسعى إليه المؤمن في هذه الحياة هو أقصى درجة من الإصلاح، أن غاية البشر هي الإصلاح وغاية خلقهم هي الإصلاح، فغاية الفرد بالضرورة هي الإصلاح، إذا عرف الهدف نظريا، يبقى الهدف العملي، وهذا الهدف متغير وفق زمن ومكان وطبيعة تكوين الشخص المكلف فيحدده وفق هذه المتغيرات، هدفا يبلغ فيه أقصى مايمكن من الإصلاح في المجتمع.
والله ولي التوفيق: