الطعام الأزكى وجائحة ” كورونا”

محمد خليل أبو زيد
يتناقل البعض منشوراً حول معنى قوله تعالى في سورة الكهف {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}.
ويفسر الأزكى بأنه “التمر” بناءً على رواية عن ينقلها البرقي في كتابه “المحاسن” عن الإمام ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، عليهما السلام.
وبغض النظر عن صحة الرواية من عدمه، حيث إن البرقي ـ كما يقول المختصون ـ “ثقة في نفسه الا أنه يروي عن الضعفاء وأعتمد المراسيل، وكتابه المحاسن زيد فيه ونقص”.!
بغض النظر عن ذلك؛ فإن تفسير الآية أو المفردة القرآنية “أزكى طعاماً” بهذا النحو هو نوع من التأطير الآفاقي المذموم للآية والمفردة القرآنية..
سورة الكهف ذات أبعاد تربوية خصوصاً ما يرتبط بقصة أصحاب الكهف الذين تم تقديمهم كنموذج إيماني  {إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى}.
ولهذا فإن القرآن الكريم يريد لهذا النموذج أن يتحرك بشكل عملي في مواقف وسلوك أجيال المؤمنين ليكونوا القدوة في الإلتزام الديني والإستقامة في السلوك والمنهج رغم صعوبة المواقف والتحديات.
وفيما يرتبط بهذا المقطع يقول بعض المفسرين  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي “:
مع أن أصحاب الكهف كانوا بعد يقظتهم في حالة جوع وحاجة شديدة إلى الطعام، إلا أن الحاجة الى الطعام لم تنسهم إلتزامهم الديني وورعهم الذي تجلى في طلبهم من الشخص المكلف بشراء الطعام أن يراعي النوع والمكان والشخص الموثوق، فيختار الطعام وفقاً لهذه المعايير عالية الجودة.
بعض المفسرين تأولوا المعنى وقالوا: إن المقصود من “أزكى” هو الطعام المذبوح بطريقة شرعية لأن أهل المدينة لا يراعون هذه الضوابط في ذبائحهم.
ولكن التأمل يهدي إلى أن المقصود أوسع من ذلك، ويشمل الاهتمام بكافة أشكال الطهارات الظاهرية والباطنية ” المعنوية”.
هذه التوصية يراد لها أن تأخذ طابع الجدية والاهتمام من قبل أجيال المؤمنين في تأمين كافة احتياجاتهم وخصوصاً ما يرتبط بالغذاء.
فكما ينبغي الاهتمام بطهارة الغذاء المعنوي “الأفكار والعقائد والعلم” من أين يأخذه الإنسان كما ورد في معنى قوله تعالى : ” فلينظر الإنسان إلى طعامه” بأن المقصود بالطعام هنا العلم من أين يأخذه.
كذلك ينبغي ـ بالقدر نفسه ـ الاهتمام بطهارة ونظافة الغذاء اليومي الذي يتناوله الانسان من حيث جودته ومكوناته وتنوعه ونظافته المادية من الملوثات المادية والمعنوية.
اليوم ونحن نمر بهذا الظرف العصيب جراء جائحة “كورونا” ينصب الاهتمام على الجانب المتعلق بنظافة الطعام من الملوثات الناقلة للأمراض واتخاذ احتياطات مشددة لضمان تحقيق مستوى غذاء آمن وصحي ونظيف.
لا خلاف في أن ذلك سلوك صحيح ومنطقي وعقلائي ومطلوب ويرقى إلى مستوى الواجبات الشرعية ولا يجوز شرعاً الإهمال في هذا الجانب أو التساهل بشأنه، وربما هو من إيجابيات هذا الوباء حيث أن الكثير من الناس سيعيدون النظر في عاداتهم وسلوكياتهم الغذائية ويكونون أكثر حرصاً وتقيداً بالإجراءات والضوابط الصحية في هذا المجال.
وربما يكون ذلك منطلقا يجعلنا نوسع اهتمامنا بالنظافة المعنوية وتزكية الطعام وتطهيره من الشبهة والحرام والربا والغش وغيرها من مستويات ودرجات التلوث المعنوي.
إن علماء الأخلاق وتبعاً لعلماء التغذية والتربية يؤكدون على علاقة الطعام بسلوك الإنسان واتجاهاته، لذلك فإنهم يربطون بين نوعية الطعام وزكاته وآثره على صفاء القلب وحضوره ورقته واستحقاقه لبعض المقامات والحالات المعنوية والعرفانية كاستجابة الدعاء والإقبال على الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×