[ميناء القطيف 21] وثيقة بين الملك عبدالعزيز و5 من الوجهاء
[من أوراقي 21]
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عودة لا بد منها
أوجب هذه العودةَ اتصال هاتفي من صديق عزيز هو الدكتور جميل عبد الله الجشي، مدَّ الله في عمره، تفضل فيه بتزويدي بمعلومات ضافية عن مكينة حفر العيون التي مرَّ الحديث عنها في الحلقة الماضية، وما قيل فيها من شعر، ولفتني إلى جالب مكينة الحفر تلك، وشخصيته، ودوره في خدمة وطنه، وتقتضي الأمانة أن أقرَّ بتقصيري في إيفاء هذا الرجل حقِّه من التنويه؛ حين اكتفيت باليسير من المعلومات الشخصية عنه، معتمدًا على الذاكرة الخؤون وحدها، فلم أرجع لما بحوزتي من المراجع.
آفة العلم النسيان
يقينًا أنني الأحق بهذا القول؛ فقد كنت مدير تحرير مجلة الواحة، وفيها – بين مواد العدد 35 ([1]) – مقالة بعنوان (إسلام القطيف وتشيُّعُها) للأديب الأستاذ عبد العلي يوسف آل سيف([2])، أورد فيه نصَّ رسالة من الملك عبد العزيز (رحمه الله) تضمنت رد فعل الملك على أحداث سنة 1348هـ (سنة الجهاد المثني)، التي ذَرَّ قرنُها في الصدام الذي أشرت إليه في حلقة سابقة([3])، موجهة إلى عدد من مشايخ القطيف وأعيانها، جاء فيها: (من عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل إلى جناب الشيخ علي الخنيزي، والسيد ماجد، والسيد حسين، وعبد الله بن نصر الله، وعبد الله بن راشد، ومهدي الجشي، وحسن الشماسي، ومنصور الزائر، السلام. وبعد تلقينا خبر أهل العوَّامية، أظن أنا أن هذا دبُّور على أهل القطيف، أو فسَقَة؛ لأن ممشاهم ها الزمان ممشى المغرور، ولكن من عادتنا التروي في الأمر، وأيضا ابن سويلم طلبنا في الأمر الفائت أن نتركه، والمسالة الأخيرة كثير كدرت خاطري، واهتميت بالفعل اللازم، وثبت عندي لو أن هالجهال فيهم خير كان سلكوا طريقتكم، وأخذوا نصائحكم، موجب أني أخبر سيرتكم مع الولاية، ونصحكم الذي ما يخفى علينا. بموجب ذلك عمَّدنا الشيخ حافظ وهبة وفؤاد حمزة ومحمد العجاجي تنظرون أنتم وإيَّاهم في المسالة؛ إن كان الأمر بغير الصورة التي توقعناها فانا مفوضهم في الأمر، وأنتم محل الروح، لا بد تراجعون في الأمر الذي فيه صلاح الولاية والرعية، فإن كان الأمر غوغاء وبطر، فدوا ذلك عندنا، ونعرفه إن شاء الله. المقصود أخبرت الجماعة يعجلون علي الخبر، غاية؛ لأني على جناح سفر، وأيضا التحيز ما نحب نتمادى فيه، إذا ما كان له سنع احسموا المسالة أنتم وإيَّاهم بما فيه، إن شاء الله، صلاح للولاية، وستر لأهل القطيف، وإلا نعذر – وربما صحت الأبدان بالعلل – ولا يتحسَّف إلاَّ فاعل السوء هذا والسلام).
يا من ايْدوُّر ابنَه، وابنه ﮔاعِد في حِضْنَه
نعم هذا المثل القطيفي يطلقونه على الشخص كثير النسيان، ومن أولى به مني؟ فمن بين أوراقي رسالة سابقة على سنة الجهاد المثني بما يقرب من 15 عامًا، موقعة من خمسة من كبار زعماء القطيف، أحدهم الحاج مهدي الجشي، والباقون هم الحاج حسين السنان، ومحمد حسين الزاير، وحسين بن نصر، زعيم سيهات، وعلي بن منصور إخوان، رئيس بلدية القطيف في العهد التركي، ويقال: إن الأخير هو أول المرحِّبين بالملك عبد العزيز عند دخوله القطيف سنة 1331هـ. نص الرسالة بعد البسملة:
(لجناب حضرة ذوي الأكابر والأفاخم، سيدنا ومولانا وأملنا المعظم؛ صاحب الدولة العليا الشيخ عبد العزيز، نجل سيدنا الإمام الشهم عبد الرحمن آل فيصل، حرسه الله وأبقاه، ونصره على أعداه. آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومغفرته ومرضاته. الموجب الأهم إبلاغكم وافر السلام، وغبَّ السؤال عن صحتكم، لا زلتم إن شاء الله بكمال الصحة فائزين، وبالنصر مسرورين، وأعدائكم مخذولين. آمين. وغير ذلك سيدنا. بينما خدامكم غريقين الأفكار ، شاخصين الأبصار، ومتشمِّمين الأخبار، وإذا قد هجم علينا السرور، بتشريف كتابكم السامي المؤرخ في 15 جمادى الأولى سنة 1333 المتضمن ما أعطاكم الله إياه من النصر على الأعداء، فحمدنا الباري تعالى، ورفعنا أكفنا بالدعوات الخيرية لحضرة سيدنا. فلا زلت على الدوام، إن شاء الله، منصور، فقد ازدهرت البلاد، وأينعت الثمار، وأمنت العباد، فنعم الملك أنت، حيث أحسنت بحسن الالتفات للخدام، وبصط “بسط” العدل والإحسان للعموم، فقد أحسنت وأحسنوا أمراء العدل، خلَّد الله ملكك مدَّ الزمان، بكمال العزِّ، بجاه المنان. آمين. فنرجو من عميم إحسانكم على الدوام تبشرونا بما يسرنا؛ لأن مخصوص خدامكم أهل القطيف – فيما يعلم الله – أنه يسرهم ما يسرك، ويكدرهم ما يكدرك، ، ونختم بالصلاة على محمد وآله وصحبه أجمعين، هذا ما لزم رفعه، مع إبلاغ السلام على سيدنا الشهم، الإمام الشيخ عبد الرحمن والإخوان العزاز الكرام. والحمولة كافة ومن يعز لديك. ودم موفق محروس. والسلام. 11 ج 2 . 1333).
الخادم الأحقر الحاج حسين السنان
الخادم الأحقر مهدي الجشي
خادمكم المخلص محمد حسين الزاير
الخادم المقصر حسين بن نصر
خادمكم الحقير علي بن منصور اخوان
يتضح من تاريخ الرسالة أنَّ مناسبتها كانت انتصار الملك عبد العزيز على قبيلة العجمان عند آبار مصلح بالقرب من ثاج([4])، ومن تبادل هذه الرسائل بين الملك وأهل القطيف، ندرك مدى الصلة والحميمية بينهم وبينه، ومنهم صاحبنا الحاج مهدي الجشي (رحمه الله).
مما بحوزتي، أيضًا، كتاب (تراث الأجداد)، أهداه لي مؤلفه الدكتور جميل بن عبد الله الجشي، لم أرجع إليه، وهو حافل بفيض من المعلومات التفصيلية عن دور الحاج مهدي وخدماته التي أسداها لوطنيه المملكة العربية السعودية ودولة البحرين، وهذا ليس من باب ازدواجية الوَلاء، بكل تأكيد، وإنما هو استمرار للوَحدة العضوية التي تشكِّل النسيج العام لإقليم شرق الجزيرة العربية (البحرين الكبرى) منذ الأزل، فأغلب الأسر متجذِّرة فيهما منذ ذاك، إلا ما ندر.
وآل الجشي مثل كثير من أسر الإقليم منشطرة الهوى (حسب تعبير الصديق الأديب الأستاذ ميرزا الخويلدي)، بين القطيف والبحرين، فلا غرو أن يكون للحاج مهدي ذات الدور، فقد وقع خلاف بين آل الجشي في البحرين وبين بعض المسؤولين حول أملاك عائدة لآل الجشي، فلجأ للملك عبد العزيز مستندًا إلى مكانته عنده، فبعث إلى وكيله بالبحرين الشيخ عبد الله القصيبي برسالة مؤرخة في 28/8/ 1341هـ أثبت الدكتور جميل منها: (من قِبل مهدي الجشي، ما دام وصل لطرفكم تحضرونه مع وكيل … عند الشرع، وتسعون في خلاصهم من الدعوى لا غيرها، تأمرون الجشي بالرجوع إلى القطيف، ولا تسمحون لأي كائن يكون في مداعاته بغير دعواهم التي مع … الذي له دعوى يروح إليه بالقطيف، مهوب على كل حال إننا نقود رعايانا لهم بالبحرين، ولو لا هذه الدعوى متعلقة بـ . . . ولزومه علينا، ما كان ذكرنا له الجشي يحضر بالبحرين. عاد أنت حط العلم على بالك. لا تقبل دعوى أحد على المذكور خلاف دعوى … إن كان بوصول خطنا “خطابنا” إنها خالصة الدعوى، أو إنها على وشك الخلاص فالحمد لله، وإن كان تشوفون إن فيها تقليل وإهانة على الجشي، أو أقل هضم بيحصل عليه، أو في حقوقه، فلا تخلُّونه يبقى ولا يوم واحد، أمروه بالرجوع من حيث أتا “أتى” قطعيًّا، ولا تقبل شي منه هضم رعايانا) ([5]).
وفي سياق القضية ذاتها كتب إليه الشيخ عبد الرحمن السويلم بتاريخ 2/9/1341هـ، الخطاب التالي: (. . . وأنت كن في راحة بال، لا تكن في فكر، فإذا ما كو مقتضي وتحب تأتي إلى الوطن فليس محذور، أقدم وبحوله تعالى حقوق رعايا سيدي الإمام محفوظة في أي مكان كان.. .) ([6]).
————-
([1])السنة الحادية عشرة، الربع الرابع، 2004
([2])نقلاً عن ذكرى الإمام أبي عبد الكريم الخنيزي، الشيخ عبد الله الخنيزي، النجف الأشرف، المطبعة العلمية، ص: 125 – 126.
([4])عن المكان انظر: الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية، إداد وتنفيذ دارة الملك عبد العزيز مركز نظم المعلومات الجغرافية، الريضا، الطبعة الثانية، 1421هـ 2000م، ص: 186، وفيه: مصلخ، بالخاء المعجمة وهو تصحيف. انظر: الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد السعودية، عبد الرحمن عبد الكريم العبيِّد، من إصدارات نادي المنطقة الشرقية الأدبي، الدمام، 1413هـ، 1993م، جـ2/277
([5])تراث الأجداد، د. جميل عبد الله الجشي، الدار السعودية للنشر والتوزيع، الخبر، الطبعة الأولى، 1428هـ، 2007م، ص: 341.
([6])تراث الأجداد، د. جميل عبد الله الجشي، الدار مرجع سابق، ص: 341 – 342.
([7])دور شركة شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في تنمية المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، د. عبد الرحمن عبد الله ثامر الأحمري، مر ذكره، ص: 259.
([8])البراحة: أرض فضاء بين المنازل، وفي الفصحى: براح. مذكَّر، والوارش: اسم الفريق (الحارة) الشمالي الشرقي من فرقان قلعة القطيف، انظر: واحة على ضفاف الخليج، محمد سعيد المسلم، الطبعة الثالثة، مطابع الرضا، الدمام، 1423هـ 2002م، ص: 75.
([9])استعمل في حفر الآبار ال÷لية في القطيف نوعان من مكائن حفر الآبار، نوع يستخدم فيه عمود من الفولاد، ضخم طويل، وآخر بطريقة الطَّرْق، والآني يعمل بطريقة الدوران، وكل الإثنين برأسه مثقب ذو أسنان من الـ Carbide .
([10])تراث الأجداد، د. جميل عبد الله الجشي، الدار مرجع سابق، ص: 342.
([11])وزير المالية المقصود هو الشيخ عبد الله بن سليمان الحمدان، اشتهر بلقب الوزير، ولد في عنيزة بالقصيم سنة 1302هـ، 1885م، شغل منصب وزير المالية مدَّة حكم الملك عبد العزيز (رحمه الله)، وقع اتفاقية النفط مع شركة استاندرد أويل أوف كاليفونيا (سوكال) أرامكو فيما بعد، استقال في 10/8/ 1373هـ،13/4/1954م، في عهد الملك سعود، فأسندت الوزارة بعده إلى الشيخ محمد سرور الصبان، توفي (رحمه الله) في جدة سنة1385 هـ، 1965م. انظر: انظر: د. عبد الكريم إبراهيم السمك، المجلة العربية، العدد 525 لشهر شوال 1441هـ، 1 يونيو 2020م، و: دور شركة شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في تنمية المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، د. عبد الرحمن عبد الله ثامر الأحمري، مطابع الحميضي، الرياض، الطبعة الأولى، 1428ه، 2007م، ص: 64، وصحيفة الشرق الأوسط، العدد: 14744، الخميس:5/ 8/1440هـ، 11 أبريل 2019، وموقع وزارة المالية، الرابط: https://bit.ly/2NacHHJ
([12])من أعيان بلدة الدبيبية، متضمن الجمارك من الجبيل إلى العقير، له دور مشهود في ما عرف بوقع الشربة، مر ذكره في الحلقة (5)، وانظر تفاصيل وقعة الشربة ودور السيد مكي فيها (جهاد قلم، السيد علي ابن السيد باقر العوامي، جمعه وحرره ونضده ووضع إضافاته وعلق عليه عدنان السيد محمد العوامي، دار الانتشار العربي، بيروت، ودار أطياف، القطيف، الطبعة الأولى، 1440هـ، 2019م، الهامش (1)، ص: 384 – 385.
([13])تراث الأجداد، د. جميل عبد الله الجشي، الدار مرجع سابق، ص: 342.
([14])أحسبه المعلم الملا عبد الله ابن الحاج عبد الله بن متروك الخباز، معلم، ذكر ممن تخرج من مكتبه في الخط الشيخ فرج بن حسن العمران، أصيب آخر عمره بمرض يعرف عند القدماء بالمنخوليا، والسوداوية، والسوداء، وعند المحدثين اضطراب عقلي ينشأ عن تدهور في وظائف المخ، وتخبط في التصرفات، وعدم الثقة في النفس أو المحيطين، واختلال ميزان الحكم على الظروف وعدم القدرة على وزن الأمور بشكل سوي، إلى ما هناك من الإختلالات العقلية. ألقى بنفسه من شاهق يوم السبت 24/5/1362هـ، فمات (رحمه الله) بعد سويعات. الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية، الشيخ فرج بن حسن العمران، دار هجر، بيروت، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، جـ1/24.