الميزانية في ضوء الرؤية
نجيب الخنيزي*
أقر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في قصر اليمامة بمدينة الرياض الثلاثاء الماضي الأول من شهر ربيع الآخر 1439هـ، الموافق التاسع عشر من شهر ديسمبر 2017م، الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1439 – 1440هـ.
وتُعتبر الميزانية الأكبر في تاريخ المملكة؛ إذ بلغ حجم الإنفاق في الميزانية بمبلغ 978 مليار ريال بزيادة 5.6 % عن عام 2017، على الرغم من استمرار تدني أسعار البترول. وهناك توقع بارتفاع العوائد لتصل إلى 783 مليار ريال بزيادة نسبتها 12.5 % عن عام 2017، في حين أن العجز العام سينخفض بمقدار 15 % عن عام 2017 ليصل إلى 195 مليار ريال.
وجاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين: بعون الله وتوفيقه نعلن ميزانية السنة المالية 1439 – 1440هـ بوصفها أكبر ميزانية إنفاق في تاريخ المملكة بأسعار نفط متدنية مقارنة بالسنوات السابقة؛ لنواصل – بحول الله – مسيرة التنمية والتطوير نحو تحقيق رؤية المملكة (2030) بزيادة حجم الاقتصاد الوطني، واستمرار نموه، من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل، والقدرة على التكيُّف مع التطورات، وتجاوز التحديات.
وقد تم إطلاق اثني عشر برنامجًا لتحقيق أهداف الرؤية في تنويع القاعدة الاقتصادية، وتمكين القطاع الخاص من القيام بدور أكبر مع المحافظة على كفاءة الإنفاق بهدف تحقيق معدلات نمو اقتصادي مناسبة، وتخفيف العبء على المواطنين، ومعالجة ما قد يحدث من آثار، إلى جانب دعم القطاع الخاص.
ونشيد بما تحقق من خفض في عجز الميزانية للعام المالي الحالي بنسبة تجاوزت (25 %) مقارنة بالعام المالي الماضي رغم ارتفاع الإنفاق.. مع استهدافنا خفض العجز في ميزانية العام القادم؛ ليكون أقل من (8 %) من الناتج المحلي الإجمالي رغم الحجم الكبير والتوسعي في الميزانية.
كما نجحت البرامج الحكومية في تقليص الاعتماد على النفط ليصل إلى نسبة (50 %) تقريبًا.
ولأول مرة تشارك الصناديق التنموية وصندوق الاستثمارات العامة في الإنفاق الرأسمالي والاستثماري بما يزيد على حجم الإنفاق الرأسمالي من الميزانية في السنوات السابقة، إضافة إلى استمرار الحكومة في الإنفاق الرأسمالي، وزيادته بنسبة (13 %).
ونتيجة لذلك قررت الحكومة استثمار هذه النجاحات، والتوسُّع في التنمية وتعديل برنامج التوازن المالي؛ لتكون سنة التوازن (2023).
وفي الوقت نفسه المحافظة على السياسات المالية، ومنها مستوى الدَّين للناتج المحلي الإجمالي؛ ليبقى أقل من (30 %)، وبمستوى عجز ينخفض تدريجيًّا.
علينا الانطلاق من حقيقة لا يمكن القفز عليها، هي كون اقتصادنا لا يزال إلى حد كبير في تكوينه ريعيًّا أحادي الجانب حتى وقت قريب؛ إذ مجمل العملية التنموية والدخل الإجمالي والميزانية العامة للدولة أسيرة لتذبذبات أسعار النفط ارتفاعًا وهبوطًا؛ ما يعكس اختلالاً وتشويهًا واضحًا في التوازن الاقتصادي المطلوب. وفي الواقع، فإن مجمل العملية الاقتصادية والتنموية وتأثيراتها على المستوى الاجتماعي تعود إلى اعتماد اقتصادنا على إنتاج سلعة واحدة «النفط» ناضبة مهما طال عمرها الافتراضي؛ لهذا كنا نرى التأرجح والتذبذب الصارخ على صعيد الموارد والميزانية العامة للدولة والدورة الاقتصادية ومستوى دخل الفرد وأوضاعه المعيشية والحياتية التي ترتبط بدرجة أساسية بموردنا من النفط. وهذه حالة غير صحية على الإطلاق؛ إذ لا يمكن لأي اقتصاد نامٍ أو متطور في العالم أن يستمر في الاعتماد على إنتاج سلعة واحدة مهما بلغت أهمية واستراتيجية هذه السلعة.
لا شك في أن تقليص الاعتماد على النفط في إيرادات الدولة الذي كان يتراوح بين 70 و90 %؛ ليصل إلى حدود 50 %، هو خطوة مهمة في تجسيد طموح رؤية المملكة 20 – 30 في تنويع وتعدد مصادر الدخل والقاعدة الاقتصادية؛ وهو ما يتطلب مراجعة شاملة لمختلف جوانب العملية التنموية بأبعادها المختلفة، كما يستوجب مشاركة القطاع العام والقطاع الخاص وكل الفعاليات والهيئات الرسمية والشعبية في رسم استراتيجية تنموية شاملة، تأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات وعوامل القوة والضعف على حد سواء. إن تطوير وتنويع القاعدة الاقتصادية يتطلبان زيادة الإنفاق الاستثماري على المشروعات الإنتاجية (صناعة، زراعة)، والخدمية، والبنية التحتية، ومجالات البحث العلمي/ التقني، وتطوير الموارد البشرية.
_________
*صحيفة الجزيرة، 06 ربيع الثاني 1439 العدد 16523. 24 ديسمبر 2017